فرضية الإختطاف تتأكد والطفل يعرف الجاني!

ووري أمس، خلال صلاة العصر، جثمان الصغير “ياسين بوشلوح”، 4 سنوات، بمقبرة العالية بالعاصمة، وسط حضور لافت لمسؤولين محليين، ياسين دفن، لكن ملفه سيظل مفتوحا إلى غاية توقيف الجاني، بعد التأكد من فرضية اختطافه واقتياده إلى هذا المكان من طرف شخص يكون يعرفه، وإلا لما رافقه في فترة “القيلولة”، بعد أن خرج من منزله راكضاالعائلة تساءلت عن خلفية عدم لجوء المحققين إلى استعمال الكلاب المختصة في البحث عن ابنها، بعد أن تمّ العثور عليه من طرف “بيف”، وهو كلب مدرب، تابع لمتقاعد من الحماية المدنية وتطالب اليوم، بالكشف عن حقيقة الوقائع التي هزّت الحي وكل من تابع مأساة ياسين.

الساعة العاشرة صباحا، هكذا تشير عقارب الساعة، عندما وصلنا حي 224 سكن ببرج الكيفان، مقر إقامة عائلة الضحية الملاك ياسين بوشلوح، الجو حار جدا، تقابلنا الكراسي البيضاء المصطفة بساحة الحي، مقابل السيارات التي كانت تتوافد على العائلة لتقديم التعازي، بعض الأقارب بلغهم الخبر عن طريق الصحف التي نشرت صورة ياسين مرفوقة بعبارة العثور عليه ميتا داخل بئر على بعد أمتار فقط من سكنه. والد ياسين، كان بين المتواجدين، كان هناك أيضا العديد من أفراد الشرطة، أعمام وأخوال ياسين وزملاء والده في العمل، الهدوء كان يخيّم على المكان والحي تتخلله أحيانا تحركات الأطفال، منهم فريال شقيقة ياسين الكبرى، كانت تحمل أختها فاطمة الزهراء، تضحك الصغيرة وتشير إلى قريباتها وصديقاتها، إلى أن صور ياسين كانت منشورة في الجرائد، إعتادت على الأمر منذ حوالي شهرين، لكنها لا تدرك جديد اليوم، وأن ياسين التي قالت يوما لـ”الشروق” إنها “توحشاتو” لن يعود أبدا، لن تلعب معه دور المعلمة، ولن تتعارك معه، لأن القدر شاء كذلك وأناسا آخرين أيضا، رائحة الموت كانت تتسلل إلى أنفي، كم أكرهها، سئمت هذه الروائح التي تعوّدت عليها خلال تغطية المجازر والكوارث الطبيعية، هي قريبا نفس الطعام، حتى رائحة الكسكسي، لم ترق لي هذا اليوم، رغم أنه طعامي المفضّل، إنه طعام الموت..

عم ياسين: الطفل تمّ اختطافه من طرف شخص يعرفه

نقرّر النزول إلى البئر، نقطع الطريق الضيّق، وهو عبارة عن مسلك ترابي غير معبّد، أشبه بمنعرج، كان يجب أن نتوخى الحذر حتى لا نسقط، سؤال ملح كان يلاحقني كيف لطفل صغير لا يتجاوز عمره 4 سنوات، مؤدب وغير مغامر، أن يقطع كل هذه المسافة في القيلولة، وهو الذي لم يتنقل أبدا إلى هذا المكان، سواء وحده أم مع أترابه أو أقاربه؟ وقطعنا بعدها الطريق المعبّد قبل أن نصل إلى الكوخ الذي كان مغلقا بسلسلة حديدية هذا اليوم. المعلومات المتوفرة لدى “الشروق اليومي”، تفيد أن الحارس الذي يقيم في هذا الكوخ بصفة غير منتظمة، على اعتبار أن لديه مسكن غير بعيد، وأكد للمحققين أنه قام قبل أسبوع بتطهير البئر ولم يلاحظ شيئا، خاصة وأن خروفا سقط في هذا البئر في وقت سابق.

كما أن أفراد عائلة الصغير، سبق لهم، حسب تصريحاتهم، أن فتّشوا المكان. البئر يقع أسفل الكوخ، والتنقل إليه صعب، لا يمكن إيجاده أو الوصول إليه بسهولة، خاصة بالنسبة لطفل صغير “مفقود” و”تائه”، نصل إلى البئر، لا يمكن السقوط فيه بسهولة، وعادة الأطفال لا يقتربون من هذه الأماكن، أشرت إلى شقيق والد ياسين لعمق البئر وظلمته، وتجرأت على إخبار “رضا”، أنه يكون قد تمّ رميه والإلقاء به ولم يكن ذلك سقوطا؟ كانت محاولة لإنتزاع جواب لاستفساراتي ليؤكد أن “ياسين، تمّ اختطافه”، وهو الذي أبلغ “الشروق اليومي”، في عدّة مناسبات عن “إختفاء غامض”، رضا يذهب لأبعد من ذلك خلال مرافقتنا وهو منهار يحبس دموعه بصعوبة، عندما يقول إن ياسين اختطف من طرف شخص اقتاده يكون يعرفه “وإلا لما كان قد تبعه”، وهو ما سبق أن أشارت إليه “الشروق اليومي”، خلال حديثها في وقت سابق مع والدة ياسين التي أبلغتنا أنه عاد إلى البيت حاملا كرته، لكنه خرج راكضا بعد أن فلت منها “كأنما نادى عليه أحدهم”، واختفى بعدها، من أخذ ياسين واقتاده إلى المزرعة مستغلا إنعدام الحركة في هذه الساعة من النهار، قبل أن يعتدي عليه ويرمي به في قاع البئر؟ مصادر قريبة من التحقيق، قالت لـ “الشروق”، إن الجثة كانت تحمل بعض آثار العنف، هل تعرّض ياسين لاعتداء جنسي في الكوخ المهجور الذي تنقل إليه الكلب؟ خاصة وأن الكوخ تحيط به قارورات الخمر والجعة من كل مكان، وأبلغنا السكان أنهم يتفادون المرور بمحيطه “خوفا من أي اعتداء”، كل شيء يتوقف اليوم، على تقرير الطبيب الشرعي، صباحا نقل ياسين إلى مصلحة الطب الشرعي بمستشفى مايو بباب الواد، لا أحد من العائلة رافقه إلى هناك.

تساؤلات عن عدم إعتماد محققي الشرطة على الأبحاث بالكلاب

الوقت يمرّ ببطء شديد، يتم إبلاغنا أن تشييع جثمان الصغير، سيكون ظهيرة الأربعاء، يتخلّل الهدوء المكان قبل أن تنطلق خالته في الصراخ في حدود منتصف النهار، وتصاب بانهيار عصبي، نصعد بصعوبة إلى منزل العائلة، نبحث عن الأم لتقديم التعازي، نجد امرأة صامدة، بل مصدومة، كانت صامتة لا تبكي عيناها فارغتان كانت نظرة الحرقة والصدمة والطعنة أيضا، وهي التي قالت لي عندما اتصلت بها ساعات قبل إنتشال جثته “إن قلب الأم يخبرها إنه لايزال على قيد الحياة”، أتخيل الآن كيف تلقت أمس، خبر الفاجعة.. رهيب الأمر بالنسبة للجميع” وأجمع الأقارب وأصدقاء الوالد، الذين حضروا بقوة لمواساته، على التساؤل عن خلفية عدم اعتماد محققي الشرطة على الكلاب المدربة في بداية التحقيق، ويقول زميل يوسف في العمل “كانت فكرة أحد الزملاء، اقترح الإستنجاد بكلب واتصلنا بصاحبه الذي طلب منّا رخصة للتنقل إلى برج الكيفان، وأمضى عليها رئيس البلدية”، وروى أنه اتصل بالعائلة وعرض على الكلب “بيف” – الذي يملك خبرة في مجال التعرّف على الجثث، وتمّ تكريمه لخدماته في فيضانات باب الواد – كرته الجلدية وبعض ملابسه، ليتحرّك الكلب باتجاه المزرعة، وتفاجأ أعمامه بوقوف الكلب أمام البئر، ليتم الإتصال بأعوان الحماية المدنية من الغطاسين الذين انتشلوا جثة طفل مهشّم الجمجمة وتآكل جزء من وجهه، وبدا في مرحلة متقدمة من التعفّن، مما دفع المحققين لطرح احتمال رميه مباشرة بعد اختفائه، بالنظر لحالة التعفّن داخل البئر وسط الماء، ليتساءل الجميع.

لماذا لم تلجأ مصالح الشرطة إلى استعمال الكلاب في أبحاثها وتحقيقها؟ خاصة وأن العائلة تمسكت منذ البداية بـ “الإختفاء الغامض”، على خلفية أنها لم تتلق إتصالا من “الخاطفين” بطلب فدية مقابل الإفراج عنه، لأن المختطفين لم يكن يسعى للمال من وراء “اختطاف؟

ياسين: وداعا.. ملاك برج الكيفان

يرفع آذان الظهر، جثمان ياسين لم يجلب بعد، الأجواء الجنائزية تخيم أكثر على الحي، بارتفاع عدد المعزّين والسيارات، الجميع يترقب سيارة الإسعاف التي ستحضر جثة ملاك الحي، يقول بعض من جاءوا لتعزية والده “أنت محظوظ يجب أن تشكر الله، رغم كل شيء، لأنك على الأقل تحصلت على جثته وستبكي على قبره.. يختار إمام المسجد، الذي كان يدرس فيه “ياسين”، إقامة الصلاة في الخلاء مع الحاضرين، سكوت يخيّم على المكان مجددا.. يصطف الموكب الجنائزي، في حدود الساعة الثالثة وعشر دقائق بعد الزوال، تصل سيارة “كونغو” بيضاء اللون، تحمل صورة ياسين من الحجم الكبير، كانت تحمل جثمانه، ويقرّر الوالد أن تلقي العائلة النظرة الأخيرة على الصندوق الخشبي، في صالون المنزل، تتسابق النسوة لتقبيله، تزحف أم ياسين ببطء، تلامسه، تقبله لآخر مرة، ويتجه الموكب بعدها إلى مقبرة العالية، جنازة غير عادية لطفل غير عادي، وتمّ تشييع جثمانه بحضور السلطات المحلية بمرافقة مركبات الشرطة، رحل ياسين إلى الأبد بعد 50 يوما من المعاناة تقاسمناها مع عائلته، لم تبق إلا صوره المنتشرة هنا وهناك في أحياء العاصمة وحتى بعض الولايات، البحث اليوم لم يعد عن ياسين، بل عن الحقيقة، حقيقة ما حدث فعلا، ومن الجاني الذي قال عنه أحد أعمامه.. سيدفع الثمن غاليا والعدالة الإلهية موجودة..

غادرنا المقبرة، ونحن نحمل سؤالا: ماذا لو كان القاتل بيننا؟ خاصة وأن “ياسين” ما كان ليرافق شخصا غريبا لا يعرفه.. ياسين كنت تستحق الحياة، لكن وهبوك الموت.. الموت البشع.. باسمي وباسم أسرة “الشروق”، نتقدم بتعازينا لعائلة “بوشلوح” داعين المولى أن يلهم أفرادها الصبر والسلوان، وأن يسكنك أنت حبيبي، فسيح الجنان”. قضية للمتابعة..نائلة ب