-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فرنسا تكفر عن ذنبها

فرنسا تكفر عن ذنبها

الذنب الفرنسي لا يغتفر في لبنان، ذنب متوارث منذ عصر استعماري قديم فرض تشريعاته المجزئة لمجتمع واحد لم تفرقه من قبل الأديان والعقائد والطوائف، بات يعيش على وقع الصراعات والحروب الأهلية، وأبوابه المفتوحة على غزوات تدخلات خارجية بغيضة وجدت في ظل مخلفات فرنسية أرضا خصبة لبذور الفتنة.

ذنب فرنسا لا يغتفر في لبنان، ذنب يتكرر ويتجدد في كل مرحلة، بعقلها القاصر في احتواء أزمة تتصل بأزمة أخرى، وغضبها المعلن حاليا من سياسي لبنان ما هو إلا تخف من ذنبها المفضوح بحق شعب يعاني الآن من مأساة جوع وعوز لم يعشها من قبل.

فرنسا تتحمل وحدها بسياستها القاصرة المتوارثة مأساة لبنان وحروبه التي حصدت كل أشكال الحياة، فهي من جزأ المجتمع في تشريعات دستورية لم يتجرأ أحد على تغييرها، وهي من صنعت قواه السياسية على أساس طائفي ديني، وجعلت لها تمثيلا في باريس، يتلقى الدعم غير المحدود ليضمن بقاءه المتجدد.

خرجت القوى السياسية الطائفية والدينية من سيطرة فرنسا، وبات لها تحالفاتها المتفرعة، وخلقت لها مواقع نفوذ راسخة، أمر لم تحسب له باريس حسابا، أو لم تكن تتوقعه على غفلة من الزمن.

زيارة الرئيس مانويل ماكرون إلى لبنان، كانت سياحة سياسية في موطن الخراب، لم يقو فيها على فرض الموقف الفرنسي المعلن بإعادة بناء لبنان وإنقاذ شعبه من الفقر والدمار في ظل فساد وتبعية القوى الحاكمة.

فقدت فرنسا هيبتها في لبنان، والقوى النافذة التي صنعتها لم تعد تستمع لها، تجاوزتها في موقف مهين، والوعود التي قطعها الرئيس مانويل ماكرون كانت مجرد كلمات في أبواق صوت مكبرة سرعان ما ابتلعت الأجواء صداها.

لم تستجب القوى السياسية في لبنان لرغبة فرنسا في تشكيل حكومة على أنقاض حكومة معطلة، والخلاف مستمر بين الرئيس ميشال عون المتحالف مع حزب الله والرئيس المكلف سعد الحريري بين حكومة مستقلة “تكنوقراط” وحكومة محاصصة طائفية.

أمام سقوط الهيبة الفرنسية في بيروت، لم يكن أمام وزير خارجيتها جان إيف لودريان غير صب جام غضبه على القوى السياسية اللبنانية غير الملتزمة برؤية قصر الإليزيه، ووقف أمام الجمعة الوطنية في بلاده ليهدد بقوله: “إن حكومته ستتخذ تدابير محددة بحق الذين فضلوا مصالحهم الشخصية على مصلحة البلاد”، متوعدا أن “الأيام القادمة ستكون مصيرية في حال لم تتخذ الأطراف السياسية قرارات ملائمة”.

عصا العقوبات الشخصية ضد سياسيين نافذين في لبنان رفعها جان إيف لودريان، وهي آخر ما تبقى لدى باريس من أدوات ضغط لفرض رؤيتها غير المتكاملة في الخروج المؤقت من أزمة راهنة.

باريس تلمح باستخدام طريقة العقوبات الأمريكية ضد خصوم برامجها السياسية، لكن الموقف من لبنان لم يعد فرنسيا محضا، فقد تخطاها إلى موقف أوروبي موحد مدعوم أمريكيا وعربيا استعد لاتخاذ إجراءات ضد القوى السياسية العابثة بلبنان وفق أجندات مصالح حاضناتها الخارجية.

موقف أوروبي أمريكي عربي ربما أدرك في زمن متأخر أن أزمة لبنان لا حل لها إلا بتطهير أراضيه من براثن تبعية لـ”ولاية الفقيه” رسختها باريس في حساباتها التكتيكية الخاطئة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!