-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فلسطين‭ ‬بين‭ ‬مفاوضات‭ ‬خيالية‭ ‬وسراب‭ ‬الدولة

عابد شارف
  • 4136
  • 0
فلسطين‭ ‬بين‭ ‬مفاوضات‭ ‬خيالية‭ ‬وسراب‭ ‬الدولة

وأخيرا عاد جورج ميتشل. وقد جاء المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط وهو يحمل هذه المرة اقتراحات جديدة وجادة لدفع مسار السلم. وسيرتكز مجهود السيد ميتشل هذه المرة على نقطة أساسية، وهي إقناع الفلسطينيين بضرورة تقديم تنازلات جديدة، بعد أن فشلت أمريكا في إقناع الطرف الإسرائيلي من تقديم أدنى التنازلات. وسيطلب المبعوث الأمريكي من السيد محمود عباس أن يغض النظر عن التجاوزات الإسرائيلية ويسكت عن قضايا أساسية، ومقابل ذلك، سيتكرم السيد ميشل على محمود عباس بوعود جديدة بإقامة دولة فلسطينية بعد شهر أو عام أو قرن..

  • وتأتي رحلة جورج ميتشل في إطار مسلسل بدأ منذ مدة، لما أعلنت الولايات المتحدة أنها سترعى مفاوضات فلسطينية إسرائيلية تطبيقا للمبادئ الجديدة التي جاءت في الخطاب الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما في القاهرة. وتحضيرا لتلك المفاوضات، كان على الطرفين أن يعملا لتحسين الأجواء، فكان خيار السلطة الفلسطينية أن تتخلى بصفة نهائية عن الورقة الأساسية التي كانت بين أيديها، وهي المقاومة. مقابل ذلك، أعلنت إسرائيل أنها ستتجنب إقامة مستوطنات جديدة في فلسطين لمرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر.
  • وكان القرار الإسرائيلي يخدم سياسته إلى أقصى حد، حيث أن قضية المستوطنات تسمح لإسرائيل بالتحكم في رزنامة المفاوضات، وتعطيها وسيلة لوضع حد لها متى تفرض ذلك مصلحة إسرائيل. ويكفي لذلك أن تجد الحكومة الإسرائيلية أية صيغة لبناء مستوطنة جديدة، سواء بقرار وزاري أو قرار‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬‮”‬المجتمع‭ ‬المدني‮”‬،‭ ‬لتضع‭ ‬حدا‭ ‬للمفاوضات،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬حاليا‭.‬
  • عكس ذلك، فإن الطرف الفلسطيني دخل المفاوضات وهو في موقع ضعف لا مثيل له. وقد وجد الفلسطينيون أنفسهم مهددين من زوايا مختلفة، فهم منقسمون، مع سلطة تفاوض وحكومة ترفض المفاوضات حاليا، مع العلم أن الوحدة الوطنية تشكل أول سلاح فلسطيني خلال المواجهة. ويفتقد الفلسطينيون‭ ‬لسند‭ ‬عربي‭ ‬قوي،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬مساندة‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أبدا‭ ‬أضعف‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭.‬
  • إضافة إلى ذلك، فإن الفلسطينيين دخلوا منطق المفاوضات، وراهنوا عليه إلى أقصى حد، مما أدى بهم إلى التخلي عن كل الخيارات الأخرى، وأولها المقاومة. وقد أصبحت السلطة الفلسطينية تعتبر أن المقاومة قضية تجاوزها الزمن، رغم أن المفاوضات وصلت إلى مأزق تام. ويعرف الطرف الإسرائيلي جيدا ذلك الوضع، كما يعرف أن تهديدات الفلسطينيين لا تشكل إلا كلاما لا يترتب عنه أي شيء، مما يدفع الإسرائيليين إلى رفض أية تنازلات. وحرم الفلسطينيون أنفسهم من سلاحهم الأول، الذي يتمثل في التضحية من أجل أرضهم.
  • وتزداد الحيرة أمام هذا الموقف الفلسطيني لما نعرف أنه يتكرر يوما بعد يوم وسنة بعد سنة. وقد جاء الرئيس بيل كلنتون ووعد الفلسطينيين بدويلة بعد اتفاقيات أوصلو سنة 1993، لكن لم يتحقق أي شيء بعد أن مرت سبع عشرة سنة. ثم جاء الرئيس جورج بوش وأعلن عن مشروع “الشرق الأوسط‭ ‬الجديد‮”‬‭ ‬وحطم‭ ‬العراق‭ ‬ووعد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بدولة‭ ‬قال‭ ‬أنها‭ ‬ستقام‭ ‬سنة‭ ‬2005،‭ ‬ثم‭ ‬رحل‭ ‬وبقي‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬ينتظرون‭ ‬السراب‭.‬
  • وجاء أوباما وخطب في القاهرة، وقال إن للفلسطينيين حقوقا، قبل أن يعود ويقول أن هناك مشاكل كبرى في طريق السلام. وتأسفت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون لما اكتشفت أن الولايات المتحدة لم تتمكن من إقناع إسرائيل بوضع حد لبناء المستوطنات في فلسطين، وقالت للفلسطينيين: “هذا ليس مهما، وعلينا أن نتكفل بالقضايا الجوهرية في إطار “تغييرات تكتيكية” يجب اتخاذها في المفاوضات.. وتعاملت السيدة كلينتون مع الفلسطينيين وكأنها تريد أن تهينهم أكثر، فقالت لهم إنها ستقدم لهم 150 مليون دولار كمساعدات جديدة لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية الخيالية‭.‬‮.‬
  • ويتضح من كل هذا أن الفلسطينيين كانوا يعانون منذ عهد طويل من ثلاثة عوائق كبرى حطمت مسيرتهم، وهي السياسة الإسرائيلية، ومساندة أمريكا لإسرائيل، والضعف العربي. لكن يجب أن يعترف الفلسطينيون أن هناك عاملا رابعا يجب أن يأخدوه بعين الاعتبار: “هل يعرف الفلسطينيون أنفسهم‭ ‬أين‭ ‬هم‭ ‬ذاهبون‭ ‬وما‭ ‬هم‭ ‬فاعلون؟‮”‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!