-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس

في الثقافة والدين وما بينهما من غزل وشجن

أمين الزاوي
  • 7480
  • 0
في الثقافة والدين وما بينهما من غزل وشجن

الثقافة والدين وما بينهما من شجن واتصال، وما بينهما من صحبة ومرافقة وشجار هي ما عرفته وتعرفه الشعوب عبر الأزمنة، وذلك ما يعيشه المواطن في كل المجتمعات.

  •  تلك أسئلة وأخرى جالت في خاطري وأنا أقوم بهذه المساءلة للمؤسسات القائمة على تجسير العلاقة ما بين الثقافي والديني، في بلادنا.
  •  إن المجتمعات العربية والإسلامية ومن بينها الجزائر تعيش فوضى كبيرة في فهم العلاقة ما بين الثقافي والديني، التي من المفروض أن تكون العامل الحاسم الذي عليه تتأسس المواطنة والتي تحميها الديمقراطية كاختيار سياسي ونظام حكم. 
  •  حين ننظر قليلا إلى الخلف ونتأمل التاريخ الإنساني ندرك كم جرت هذه العلاقة المتوترة وغير المفهومة ما بين الديني والثقافي، ما بين الديني والسياسي على الشعوب من سفك دماء وحروب وعنف وانتهاكات. وحين أقول الدين فهذا لا يعني الإسلام وحده بل أقصد من ذلك جميع الديانات السماوية وغير السماوية. إن الحروب على أساس ديني أو لغرض ديني هي أكبر ما عرفته البشرية في كل عصورها. 
  • إن ما حدث خلال الربع قرن الماضي أكد مرة أخرى ومن خلال الحروب والتنظيمات السياسية والعنف والاغتيالات توسع الاهتمام بالدين في كل أشكاله المعرفية والثقافية والسياسية والشعبية.
  • إن حل مسألة العلاقة ما بين الدين والثقافة يحل دون شك العلاقة ما بين الدين والسياسة. ولكي نحل هذه العلاقة علينا في رأيي إعادة النظر في المؤسسات الثقافية المشتركة في المجتمع الجزائري والتابعة لقطاعات مختلفة. انطلاقا من ذلك نطرح السؤال التالي ما العلاقة الثقافية التي تجمع والتي يجب أن تجمع ما بين المراكز الثقافية الإسلامية وهي مؤسسات ثقافية بالدرجة الأولى، أو هكذا يفترض أن تكون، التابعة لوصاية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ومؤسسات دور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة والمراكز الثقافية التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة (بالمناسبة هناك مراكز ثقافية تابعة لوزارة الشبيبة والرياضية لدى جيراننا تقوم بأهم المهرجانات المحلية والدولية في المسرح وفي الأدب والفكر)؟ 
  • إن مساءلة العمل الثقافي، على المستوى العملي والواقعي، ومحاصرة سؤال العلاقة ما بين الدين والثقافة يجب أن ينطلق من هذه المؤسسات التي تعمل مع المواطن والمثقف والمبدع على مستوى المدن الصغيرة والمتوسطة والكبرى، في الشمال والجنوب والشرق والغرب. لأجل ذلك يفترض في هذه المؤسسات أن تكون الملقى الحقيقي والاستراتيجي للمواطن الباحث عن سر العلاقة ما بين الدين والثقافة حتى وإن كان لا يطرح ذلك بمفردات واضحة أو بلغة مباشرة. 
  • انطلاقا من هذه المقدمات ما يبدو لي مستعجلا جدا هو إعادة النظر في القوانين التي تسير الهيئات والمؤسسات المشرفة على الشأن الثقافي برمته. في تصوري لقد أضحت المراكز الثقافية التابعة لوزارة الشؤون الدينية على أهميتها وحساسيتها متجاوزة في عملها، لذا وجب إعادة النظر في قانونها الأساسي وفي فلسفتها وفي استراتيجياتها حتى تستجيب لما يصرخ به الواقع في وجهنا يوميا. حين نقول بضرورة التغيير والتحسين والترهين لأننا ندرك كما يدرك الجميع ما للدين من دور خطير في المجتمعات، يكون هذا الدور سلبيا حيث تستغل سذاجة المواطن وتكون نسبة السذج الذين يجرون إلى الهاوية عالية حين تكون الثقافة العميقة غائبة. وحدها المراكز الثقافية التابعة للوزارة الوصية على الشأن الديني هي القادرة والمخولة، على الأقل نظريا، لكي تقدم ثقافة عالية وقادرة على الإقناع والجدل المسؤول (هذا لا يعني أبدا التقليل مما تقوم به الوزارة الوصية من اجتهادات في مجالات اقتصادية واجتماعية وسياسية أثيرت حولها نقاشات كثيرة تدل على شجاعة من يتولون أمرها).
  • كنت قد تحدثت في مقال سابق عن المسجد كفضاء للكتاب والرأي الثقافي والفلسفي، وهنا أقول إن المركز الثقافي الإسلامي هو يد أخرى ومعول آخر لتكريس ثقافة الحوار والحرية والمعاصرة انطلاقا من متن ديني يتفرع في سؤاله ليلامس السؤال الفلسفي والسوسيولوجي والأدبي والجمالي. وحين أقول ذلك فإني لا أشطب على ما يقام به من جهود حميدة من حين لآخر، ولكني أعتقد أن ذلك غير كاف ويحتاج إلى تكريس وتراكم إيجابي. لم تكن الفضاءات الإسلامية، في كل تاريخها، متعارضة مع الحوار والنقاش والاختلاف حتى وإن كانت هذه الفضاءات قد وصلت إلى التطرف في بعض الطروحات وفي بعض الفترات من التاريخ دون أن ينكر عليها أحد دورها وفعاليتها في الشأن الروحي العامل في الحقلين الثقافي والفكري ولهما. 
  • إن ما نلاحظه من فوضى في الفتاوى وفي الاجتهاد والتأويل والذي يتخذ أشكالا مختلفة يؤكد ضرورة إعادة النظر في البنية التنظيمية والمفاهيمية التي تحكم المؤسسات المخول لها شأن الدين من باب الثقافة والفكر، كل ذلك سعيا لإخراج الخطاب الثقافي في الدين وحوله من خطابات وعظية مستهلكة إلى خطابات ثقافية فكرية قادرة على مساءلة الجديد.
  • على هذه المراكز الثقافية أن تقدم للقارئ والمبدع والشاعر والجامعي والباحث والمواطن الفضولي تلك الجرأة الفكرية التي تحلت بها السلالات المتعاقبة من المفكرين المسلمين على اختلاف رؤاهم وتياراتهم ومرجعياتهم عبر الحقب المتعاقبة وتقدم لهم وفي الوقت نفسه  أيضا أولائك الفلاسفة والمفكرين الذين انتموا إلى العالم الإسلامي وعاشوا فيه وكانوا على ديانات أخرى كالمسيحية أو اليهودية، واعتبرهم بعض الفقهاء والعلماء والمؤرخين وعلى رأسهم الشافعي جزءا لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية. إن مقاربة على هذا الشكل وبهذا التصور الفكري والثقافي تقدم صورة لمواطن اليوم عما كان عليه الفكر الذي عاش فيه وله المسلمون ثقافة وديانة وسلوكا اجتماعيا ويقدم صورة شاملة ومتنوعة عن مفهوم الثقافة الإسلامية التي استطاعت أن تحوي في بنياتها ثقافات تنتمي إلى معتقدات أخرى دون خوف على الدين أو خوف على الله. 
  • ونظرا لما يعرفه الدين من جناية عليه من قبل أهله من غير أهله وما يعرفه أيضا من توظيفات سياسوية وغيرها وما ينجر عن ذلك من انزلاقات اجتماعية وأيديولوجية توصل إلى الحروب والعنف وقتل الأخ للأخ والأب للابن  فإننا وانطلاقا من ذلك علينا بالدعوة إلى رفع مستوى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف من صف وزارة عادية إلى مرتبة وزارة ذات سيادة. 
  • في اعتقادنا، وانطلاقا من تحليل سوسيو-سياسي، تحتل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف موقعا أكثر استراتيجية، في عالمنا المتخلف، من وزارة الدفاع والشؤون العسكرية. فوزارة الشؤون الدينية وزارة قائمة على الدفاع الروحي الذي يؤسس للمواطنة وبالتالي يشكل مفهوم الوطن الذي تحرسه وزارة الدفاع، فبقدر ما تعطي الدولة من عناية وحرص لجبهة الروح والثقافة الروحية دون السقوط في التقوقع والجمود والخوف المرضي فإنها تكون قد حولت البلاد كلها إلى ثكنة من نوع خاص، ثكنة ثقافية وروحية عالية.
  • هناك ضعف بين وكبير في التحصيل الثقافي الروحي، وهو تحصيل ثقافي لا يمكن فصله أو رؤيته بمعزل عن الثقافة الإنسانية في شموليتها.  
  • لا أتصور فقيها معاصرا لا يقرأ الرواية ولا يقرأ الشعر والفلسفة ولا يعرف استعمال التكنولوجية ولو بالشكل البسيط الذي يسمح له بالتواصل مع العالم في أرقى تجلياته.
  • فقيه أو إمام أو مرشد لا يقرأ الرواية والشعر والفلسفة والتاريخ ويدعي أنه يعيش هذا القرن هو “مثقف” تقليدي خارج عن تاريخية الثقافة وتاريخية الدين وبوضعه هذا لن يكون قادرا على محاورة مجتمع القرن والساعة. 
  •  
  • لكل ساعة مثقفها والفقيه هو مثقف قبل كل شيء
  •  
  • لا يمكنني تصور إمام أو فقيه أو مرشد غير مثقف، فلقد كان الفقهاء في الأزمنة العربية والإسلامية المزدهرة مثقفين من ذاك النوع الذي يناقش في الفكر واللغة بنحوها وصرفها وعللها ويناقش في الشعر ببحوره ويناقش في التاريخ وهو إضافة إلى ذلك محدث ونكات يحفظ آلاف النوادر التي هي زاد المثقف المتفتح. كان مجلسهم مجلس علم وأدب وسجال ونكتة وحكاية وتسلية وإفادة ونقاش وأخذ ورد، كانوا مركز الحاضرة. وكانوا بهذا الموقع الثقافي الفاهم في مركز السياسة وبخطاب آخر، خطاب عالم (للتذكير فالأستاذ أحمد توفيق وهو وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب روائي وأديب وناقد، ولقد كانت غالبية الفقهاء إن لم يكونوا جميعا شعراء).
  • حين أعاين المشهد المؤسساتي الخاص بالثقافة في الجزائر أتساءل أما كان من الأفضل تحويل المراكز الثقافية الإسلامية إلى مراكز للفكر الإسلامي، وبهذه الصفة تكون هذه المراكز أشمل وأعمق، وبذلك تبدو مهمتها واضحة أكثر، وبذلك تتولى تنظيم الملتقيات الكبرى في الدين والفلسفة وحوار الحضارات وحوار الأديان وشؤون الثقافي المرتبطة بسؤال الديني؟      
  • إذا لم تلعب المراكز الثقافية الواقعة تحت وصاية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف دورها في الترويج الفاعل والإيجابي للفكر الإسلامي الحر والمتنوع والمختلف والمتناقض لا يمكن للمواطن البسيط أن يعي مواطنته وتاريخه المجيد الحافل بالأسئلة الكبيرة من خلال المتن الديني عبر ممرات الشعر والأدب والخط والفن التشكيلي واللغة والفلسفة. 
  • أعاين ما يجري في الساحة الثقافية وفي الشأن الثقافي في بلادنا فألاحظ هيمنة ثقافة الآخر على ثقافة الأنا، فأتساءل عن سبب هذا الخلل وهذا اللاتوازن؟ وحين أقول عن هذا اللاتوازن فهذا لا يعني مطلقا أنني أدعو إلى محاربة دونكيشوطية لثقافة الآخر، إن ثقافة وطنية لن تكون قوية إلا إذا كانت تنشط وتتجلى داخل ثقافات الآخر بالمتعدد، إنها جزء منا ونحن جزء منها ولا يمكن أن نعيش في جزيرة معزولة. لكن كيف يمكننا أن نجعل من ثقافتنا تعيش داخل التاريخ غير مفصولة عن ذاكرتها التي تعطيها قوة فاعلة ومدعمة للثقافات العالمية ضد التنميطية وهو ما ينتظره منا العالم بأسره؟ 
  • دون شكك ونحن أحفاد ابن رشد العقلاني وأحفاد ابن حزم الظاهري صاحب “طوق الحمامة في الألفة والألاف” علينا أن نعيد التفكير في أنانا وفي مستقبلنا شريطة ألا يتموقع مستقبلنا في ماضينا وتلك كارثة الفكر المعطوب.
  • في تصوري إذا أردنا أن نقفز إلى الأمام دون أن نسقط في الهاوية التي تتربص بنا، علينا إعادة النظر في علاقة العداوة أو حوار الطرشان أو الإلغاء القائم ما بين المؤسسات التي تشتغل على وفي الشأن الثقافي كالمراكز الثقافية التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف ودور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة والمراكز الثقافية التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة، فإذا ما تمكنا من جمع شمل الدين بالثقافة والشبيبة في فضاء اسمه الفكر والإبداع والثقافة فإننا سنكون من المنتصرين ومن أولائك الذين إذ يحافظون على الخصوصية يندمجون في العالمية دون دوخة ولا تنكر ولا خوف.
  • لا يمكن الخروج من الأزمة الثقافية والروحية إلا إذا استطعنا أن نحدد وبشكل واضح فلسفة المراكز الثقافية التابعة لوزارة الشؤون الدينية وتخليصها من مرض الخوف من الحاضر وتخليصها أيضا من عقدة الماضوية القاتلة وإعادة النظر في قانونها الداخلي وفي مهماتها وفي الوقت نفسه لا يمكن التقدم في الشأن الثقافي إلا إذا أعدنا النظر في مفهوم “دار الثقافة” التي هي مفهوم تجاوزه الزمن، وهي فكرة جاء بها أندريه مالرو حين عين أول وزير للثقافة في فرنسا، وقد قال يومها ديغول “وجدت وزارة لمالرو اسمها وزارة الثقافة” كما يجب التساؤل بجدية أيضا عن الدور الذي يجب أن تقوم به مراكز تسمى ثقافية في وزارة للرياضة والتي تحولت للأسف إلى مراكز هي أبعد ما تكون عن الثقافة بل إنها تسيء إلى مصطلح أو مفهوم “الثقافة”. ولا يمكن إنجاح العمل الثقافي في بلادنا إلا إذا استطعنا بالفعل تأسيس علاقة فاعلة ومتواترة ومستمرة ما بين هذه المؤسسات العاملة جميعها في الحقل الثقافي.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!