-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في انتظار المصل الذي يُخرجنا من بيوتنا ولا يمنعنا من مساجدنا !

جمال غول
  • 514
  • 0
في انتظار المصل الذي يُخرجنا من بيوتنا ولا يمنعنا من مساجدنا !
ح.م

لطالما نادى العقلاء والمصلحون أن يكون الاستثمار في العلم والعلماء والهيئات العلمية بمختلف تخصُّصاتها، ولكن قد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي، حتى إذا نزلت بساحتنا الأزمات والفتن المظلمات بعضها فوق بعض كأنها بحرٌ لُجِّي يغشاه موجٌ من فوقه موج تعرّت مختلف السياسات المنتهجَة لتصبح من قُبيل البيّن عرجها والبيّن عوَرها، وتضيع معها فرص الخروج الآمن من تلك الأزمات والظلمات إلا بتشوّهات ووفيات وتبعات تدوم سنوات.

عندما لا نمتلك السياسة الإعلامية المؤثرة التي تنفي الإشاعات وتنشر الحقائق والبيّنات دون تهويل أو تهوين لتكون مرافقا مُعينا على الخروج الآمن من وحل النكبات، ستهزمنا عندئذ الإشاعات وتكبّلنا الفوضى والغرائز الجامحات، حينها يخرج الناس في مختلف الفجاج سكارى وما هم بسكارى يلهثون وراء المواد الغذائية للتخزين والأدوية للتعقيم مع استهتار كبير في اتخاذ الإجراءات الوقائية جهلا أو مكابرة أو تكاسلا، عندئذ سنكتشف حجم اللامبالاة في فتح الإعلام الخاص وسوء الاحتكار في الإعلام العمومي الذي أفقد المجتمع التفاعل الصحيح مع الأخطار التي تنادى لها العالم بالحيطة والحذر وبقي مجتمعُنا يتعامل معها بالتنكيت والتطريف والترويح!

عندما لا نمتلك هياكل طبّية متطورة ومتكاملة تستوعب الحالات الوبائية العامة حال حدوثها بحيث لا تزيد القدرة الاستيعابية للإنعاش على المستوى الوطني على 400 سرير ولا نملك -عبر الجزائر الشاسعة- إلا معهدا واحدا فقط هو الذي بإمكانه تشخيص الإصابة (معهد باستور بالجزائر العاصمة) فضلا عن أن يكون لنا القدرة على اكتشاف المصل الذي يعالج الوباء من خلال فريق طبي عال يملك المؤهِّلات العلمية والمادية اللازمة، ونحن الذين كنا نملك احتياطي صرف فاق 200 مليار دولار وصرفنا 1000 مليار دولار خلال العهد البوتفليقي المشؤوم، عندئذ سنعلم حجم الدمار الشامل والطاعون الذي أتى على الجزائر على أيدي أشرار العصابة وسحرتها ومطبِّليها وزبانيتها.

وعندما لا نمتلك هيئة إفتاء وطنية مرسَّمة وفق المعايير العلمية الدقيقة التي لا تجعل الظهور التلفزيوني أحد المعايير المعتمَد عليها في تجميع لجنة وزارية مناسباتية للإفتاء وطيلة تسع عشرة سنة ووزير الشؤون الدينية على رأس الوزارة وخرج منها ولا أثر لضبط الفتوى، فضلا عن تأسيس هيئة للإفتاء سوى التغني بأن الفتوى لابد أن تكون وفق المرجعية الدينية الهلامية المظلومة، ليخلفه من زعم أنه سيُنشئ هيئة وطنية للإفتاء ويرسلها إلى الأزهر معتمدا في ذلك على من تم تعيينهم من قِبل بعض المديرين ضمن ما يسمى بالمجالس العلمية من رؤساء مصالح وإداريين لا علاقة لهم بمجال الإفتاء لتكون هياكل بلا روح إلا من رحم الله وقليل ما هم، ولا تجمع هذه المجالس زمن النوازل، لأن غالبيتها في عقد مجالس التأديب غارقة وعن الفتوى قاصرة! فعندئذ فإن أيَّ فتوى صادرة -مهما جُمع لها من الأدلة وحُشد لها من البراهين- لن تلقى إلا المقاومة من المجتمع ولو من باب معزة ولو طارت، فما بالك عندما يُصرّح علماء ودكاترة متخصصون بأنها فتوى خاطئة وغير صحيحة!

عندئذ سيتساءل الأئمة والمرشدات ومعلمو القرآن والمؤذنون والقيِّمون والمفتشون قبل عوام الناس: هل فتوى غلق المساجد هي فتوى شرعية أم إدارية؟

هل جُمع لهذه النازلة كل من يستحق أن يكون له اجتهادٌ في تحريرها؟ وأين حضور الأئمة فيها؟
هل استنفد محرِّروها كل البدائل التي تحافظ على شعيرة الجماعة والجمعة من التعليق؟
إن الاستثمار في الرياضة والغناء والتفاهات على حساب العلم والهيئات العلمية هو من ضيّع علينا الخروج الآمن والسريع من هذا الوباء والبلاء، وهو ما جعلنا لا نملك الآليات العلمية لتحديد التوقعات المستقبلية لمدة دوام الوباء (ولو بالتقريب) ونتائجه وسبل مجابهته، وهو ما أوقعنا في التخبُّط وأفقدنا التوازن المطلوب في قيادة المرحلة وتسيير الأزمة تسييرا عقلانيا.

إن الاستثمار العلمي في مختلف تخصُّصاته هو الذي كان سيُجنّبنا -بعد فضل الله- كل هذه المآخذ والتفريعات ويُنتج لنا اليقينَ الذي يبدد الشكوك والأباطيل، والوعيَ الذي يُفرِّق بين الجد والهزل وبين الحزم والتسيّب وبين الجزم والاستهتار حد الرجم بالغيب، وينتج بعد ذلك التضحية التي تجعل الأمة جميعا مجنَّدة على قلب رجل واحد لا يمكن أن يهزمها فيروس كورونا ولو اتّحد مع شياطين مخابر الأرض الكروية وكرّوا علينا كرّاتهم مرارا وتكرارا وأجلبوا علينا بخيلهم ورجلهم.

فهل سنأخذ العبرة ونستفيد من قساوة الدرس ومرارة إغلاق بيوت الله وألم البُعد عن مواضع سجود الجِباه؟
وهل سنعيد للعلم وأهله ما يستحقانه من مقام وشرف حتى لا نبقى ننتظر غيرنا اكتشاف المصل الذي سيُخرجنا من بيوتنا ولا يمنعنا من مساجدنا؟
اللهم ارفع عنا البلاء بتوبة نصوح وارفع عنا الوباء إلى غير رجعة واشف مرضانا شفاء لا يغادر سقما وعاف كل مبتلى يا أرحم الراحمين.
اللهم آمين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!