الرأي

في تونس سأنتخب قيس سعيد!

محمد سليم قلالة
  • 1360
  • 8
ح.م

تابعتُ بإمعان المناظرة التلفزيونية بين مُرشحي الرئاسة التونسية، “قيس سعيد” و”نبيل القروي”، التي بُثَّت على المباشر الليلة قبل الماضية، وبِوُدِّي أَنْ أُسَجِّل بعض الملاحظات التي قد تُفيدنا كجزائريين في إدارة الأزمة التي نعيش.

الملاحظة الأولى: لقد تمكنَتْ تونس من خلال هذين المُرشَّحين  من اختزال كل الفسيفساء السياسية التي تعرفها في رمزية شخصين قَدّمَتهُما للشعب ليحكم بينهما على المباشر. من جهة “نبيل القروي” الذي يرمز للانفتاح على الغرب والليبرالية والديمقراطية اللائكية كأدواتٍ لبناء تونس العصرية (ما يُماثِل عندنا تيار البديل الديمقراطي)، ومن جهة أخرى المترشح “قيس سعيد” الذي يرمز، خلافا لذلك، للقوى الشعبية الجديدة الصاعدة، من شبابٍ غير مُهيكَل، وتيارات محافظة وإسلامية بما فيها حركة النهضة، العاملة على بناء نظام ذي طبيعة فكرية جديدة بالتدريج. (ما يُماثِل عندنا التيار الوطني المحافظ والإسلاميين)… وهكذا وُضِعَتْ مسألة الفرز بين هذا أو ذاك، بين أيدي الشعب الذي ستكون له الكلمة الفصل يوم الانتخاب. وهذه في حدّ ذاتها نتيجة إيجابية باعتبار أن أي طرف لم يقم بإلغاء الطرف الآخر، وأي طرف لم يَسْعَ إلى منع الطرف الآخر من الوجود، حتى وإِنْ كان من بين مكوِّناته أنصارُ النظام السابق. بل كلاهما أبقى حق الوجود للآخر، وحق الدفاع عن النفس، ومحا من قاموسه أحكامَ التخوين والإقصاء…

الملاحظة الثانية: أن الطرفين، رغم ما يُقال عن كل منهما، لم يُعِيرا اهتماما يُذكَر لاتهامات الفيسبوك أو ادِّعاءات العوام والخواص من النّاس، ولم يجعلا من القضايا الشخصية محور نقاشهما، ولم يثيرا قضايا الماضي كثيرا، بل أن كُلاًّ منهما نَأَى بنفسه عن الحديث في خصوصيات الآخر، ولم نسمع أي عبارة من عبارات التخوين أو التجريح أو النبش في العورات الشخصية أو الخصوصيات، بل انصبَّ كل النقاش على الأفكار والبرامج والوسائل والأهداف، وركزا معا على المستقبل أكثر من الماضي. وحتى عندما حاول الطاقم الصُّحفي بحكم طبيعة المناظرة، حث الطرفين على مقاطعة بعضهما البعض، فإنهما لم يفعلا ذلك، إلا نادرا، وضمن حدود الاحترام التام. لا كلمة نابية، ولا صراخ، ولا تلويح بالأيدي ولا حركة في غير محلها… فعلا كان درسا في الأسلوب الحضاري في التنافس ومحاولة إقناع الناخبين، كلٌّ بطريقته وبأسلوبه.

الملاحظة الثالثة: ظهر المترشح “قيس سعيد” في مستوى الأستاذ الذي يُمثّله، في ثقافته الواسعة ومصطلحاته المضبوطة ولغته السليمة… وظهر المترشح “نبيل القروي” في شكل رجل الأعمال البراغماتي الذي لا يهمُّه  حُسن الحديث ودقة المصطلح بقدر ما تَهمُّه النتيجة في الميدان، وكيف ستدعمه القوى النافذة في عالم لا يرحم… أي أن كليهما كان عاكسا لشخصيته من غير تمثيل أو خداع.

الملاحظة الرابعة: وجدتُ نفسي أميل إلى “قيس سعيد” أكثر من “نبيل القروي” لأن الأول أقنعني بإدراكه العميق لطبيعة الديمقراطية والصراع الفكري السائد، من خلال تمييزه الواضح بين حرية الفكر وحرية التعبير، وتجاوزه تلك المفاهيم البالية حول الدولة والنظام السياسي والعدالة الاجتماعية، معتمدا في كل ذلك على الله تعالى أولا، وعلى قدرة القاعدة الشعبية من الشباب على الإبداع والابتكار لبناء الدولة الجديدة. ولعل غيري وجد نفسه يميل إلى “نبيل القروي” رجل الأعمال ذي العلاقات الوطيدة مع الغرب القادر على تطوير تونس بالمال والتفاعل مع القوى الدولية الفاعلة.

ولو كنتُ معنيا بالانتخاب، لدعوتُ عن قناعة إلى انتخاب المترشح “قيس سعيد”، ولانتظرتُ نتيجة الانتخابات، ولَقَبِلتُ بها مُسبَّقًا، ربِح مرشحي أو خسر، ولقلتُ في آخر المطاف: هذه هي الديمقراطية، أحسن الموجود من بين الأنظمة السياسية القادرة على إبقائنا ضمن دائرة  الأمل.

هل سنتمكَّن نحن من اختزال الاختلاف في وجهات النظر بيننا في شخصيتين ومشروعين، ونُفاضل بينهما يوم الانتخاب؟ أم سنستمرّ في إقصاء بعضنا البعض بعشرات الأشخاص والمشاريع، ضمن منطق احتكار الحقيقة، أو كل شيء أو لا شيء.. حتى وإن أوشكت السفينة على الغرق بنا جميعا!؟

مقالات ذات صلة