الرأي

في ذكرى رحيل بومدين

عمار يزلي
  • 2630
  • 6

أربعون سنة تمر اليوم على رحيل الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، أصغر رئيس يتوفى وهو يزاول مهامه الرئاسية.. 46 سنة فقط… قضى منها 13 سنة على رأس الدولة الجزائرية: 19 جوان 1965 ـ 27 ديسمبر 1978. غير أن إنجازاته وأعماله كانت أكبر من سنه وعمره.
اليوم، حين نتذكر المرحلة، على الرغم من كل ما يقال عنها وما قد قيل، نتساءل: هل إننا نسير نحو الأمام أم باتجاه الخلف؟ ولماذا صرنا نحـِـنُّ إلى الماضي؟ أهو العمر الذي يتقدم بنا نحو الأمام، فصرنا ننظر إلى الخلف لنعرف ما تركنا خلفنا، أم هو تخلف فعلا؟ كما نتساءل: هل ستمر 40 سنة بعد هذا الجيل ونحن مرة أخرى إلى 2018؟.. لا نتمنى ذلك أبدا، لأن ذلك معناه أننا لم نتطور وأننا مازلنا نعيش على الماضي.
الجديد بعد 40 سنة من وفاة الرئيس هواري بومدين، هو أننا بقينا لسنوات نلف وندور بحثا عن ذواتنا وحتى هويتنا المطموسة التي أريد لها أن تبقى كذلك. كان بومدين أحرص الناس على كشفها وإخراجها إلى العلن والاعتراف بها.. القضية الأمازيغة مثلا، وهو الشاوي الحر، كانت قضية وقت فقط، لارتباط الموضوع بحساسية الثورة والصراع بين الفرقاء على المسألة البربرية التي كانت من صنع فرنسي بامتياز، لهذا كان على بومدين أن ينتظر حتى يستتب الأمر سياسيا. نفس الأمر بالنسبة إلى الديمقراطية والتعددية.
الواضح أن بومدين لو كان حيا، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه: كان ذكيا وبراغماتيا، والرئيس بوتفليقة ورث عنه الحكمة والتبصر المستقبلي والموازنة بين المصالح المختلفة وبين القوى المتشابكة سياسيا وأمنيا واقتصاديا. بومدين كان يرى بعيدا وأبعد مما ننظر إليه اليوم عند رؤوس أصابع أقدامنا. كان هناك مشروع دولة ومشروع مجتمع، حتى ولو كنا ننتقد ذلك التوجه وما زلنا ننتقده، لكن الرجل كان محبا لوطنه، منزها عن النهب والسرقة والفساد، بل حارب المحاباة والفساد والبيروقراطية بلا هوادة.. غير أن البيروقراطية في النفوس.. البيروقراطية ثقافة وذهنية، وليس من السهل أن تجتث العقلية من ذويها. كنا في حاجة إلى بومدينية طويلة النفس، لكن بلا جور ولا ظلم.
كان أحد الباحثين الاجتماعيين السوريين (أ. الدكتور حنا) يقول لنا: “نحن في الوطن العربي، بدنا مستبد عادل”.. أي نحن في حاجة إلى رجل قوي لكنه عادل. تماما مثل الأسرة والعائلة التي يكون الأب والزوج فيها حازما وقويا، لكنه عادل وعامل في نفس الوقت.
الكل يعيب على بومدين فرضه للاختيار الاشتراكي، لكن بن بلة أيضا كان اشتراكيا. لكن الاشتراكية وقتها لم تكن خيارا.. بل كانت الخيار الأوحد، معناه كانت ملزمة وإجبارية لبلد خارج من الفقر والاستعمار الرأسمالي الذي يرفض أن تكون له شخصية وطينية وكيان مستقل اقتصاديا وسياسيا. كان الاستعمار الجديد يريد لنا ومنا أن نبقى في تبعية دائمة: مستهلكين لما تنتجه مصانعهم ومدارسهم وثقافتهم.. تابعين لهم في كل شيء.. وما زلنا إلى اليوم نعاني من ذلك. كنا نبحث عن أخف الضررين. المعسكر الاشتراكي ولاشتراكية كانت النظام الوحيد لضمان استقلالنا الاقتصادي وعدم عودة الاستعباد الرأسمالي الغربي لنا برؤوس أمواله وبأيادي وأجساد أبنائنا.
ولولا تجند الشعب والمواطنين والعمال والفلاحين لتسير قطاعات ولو بطريقة فوضوية وعشوائية أحيانا، لكانت الأرض والمصانع والإدارات تسيرها اليوم الأقدام السوداء واليهود.. هذه حقائق يجب أن تذكر. الاشتراكية كانت خيارا أوحد على علاته ونقائصه، ولهذا كان بومدين سيبحث عن نظام جديد بعد الخروج من دائرة الخطر.
رحم الله بومدين.

مقالات ذات صلة