-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
عبر الدبلوماسية الاستباقية والدفاع عن مصالح الجزائر العليا

في عامه الثالث.. الرئيس تبون يجسد رؤيته للسياسة الخارجية

محمد مسلم
  • 1859
  • 0
في عامه الثالث.. الرئيس تبون يجسد رؤيته للسياسة الخارجية
أرشيف

تنقضي، اليوم، السنة الثالثة من عهد الرئيس، عبد المجيد تبون، الحافلة بالإنجازات. فقد أعقبت سنة من الصعاب على مختلف الأصعدة، تسببت فيها الجائحة الصحية «كوفيد 19»، التي أغلقت المؤسسات وأجبرت الجزائريين على البقاء في بيوتهم، كانت بداية السنة التي تشرف على نهايتها بالنسبة إلى الجزائر والجزائريين، كمن يستعيد حريته المفقودة، فكما انطلق الاقتصاد مدفوعا بمحفزات الارتفاع الكبير المسجل على صعيد أسعار الطاقة، كان للدبلوماسية نصيب من هذا الإقلاع، بشكل مكن الجزائر من استعادة مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، في مسرح عالمي يطبعه التحول من نظام القطب الواحد الذي تربع عليه الغرب، إلى إرهاصات بروز نظام عالمي جديد، قائم على تعدد الأقطاب، ببروز تحالف روسي صيني، لا يستبعد أن يتوسع إلى دول أخرى كبيرة، مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، التي تشكل اليوم ما بات يعرف بمجموعة «البريكس».

وسط تحولات غير مسبوقة على الصعيد الإقليمي والدولي
2022 .. إعادة هيكلة العلاقات وترتيب الأولويات في الجزائر
حركية نشيطة، تعيشها الدبلوماسية الجزائرية، خلال السنة الجارية، جعلت منها دولة محورية في الكثير من الملفات الإقليمية والدولية، بشكل تجاوز ضجيج بعض الدول الصغيرة، إلى عرّابها الأول، الولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت مخابرها تنظر إلى الجزائر بصفتها كيانا قادرا على فرض رؤيته في القضايا والمسائل التي تؤثر في صناعة القرار العالمي، وذلك انطلاقا من التغيرات الجذرية الحاصلة.
وعندما يخرج بعض السياسيين المحسوبين على اليمين (الجمهوريين) في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعبرون عن مخاوفهم من تنامي الدور الجزائري في تموقعه وفي علاقاته التاريخية مع الدول العظمى، مثل روسيا وغيرها من البلدان التي لا تقاسم الرؤية الأمريكية لطبيعة المرحلة المقبلة، فإن الجزائر باتت أكبر من السقوط في جدال عقيم مع دولة وظيفية، مثل مملكة المخزن المغربي، تُؤمر فتُطاع وتُهان ولا تحرك ساكنا.
هذا التشخيص، يمكن الوقوف عليه من خلال رصد مواقف الجزائر على الصعيد الخارجي خلال سنة 2022 التي تشرف على نهايتها، هذه السنة كشفت كيف حصلت تحولات غير مسبوقة على الصعيد الإقليمي. والإشارة هنا، إلى العلاقات مع مملكة المخزن المغربي، التي دخلت مرحلة القطيعة الشاملة بعد سنوات عديدة من سياسة اللاسلم واللاحرب.
خلال السنة الثالثة من عهد الرئيس تبون، بلورت الدبلوماسية الجزائرية توجها جديدا يتطلع بعيدا في علاقاتها مع الدول المحورية دون إهمال محيطها العربي والإسلامي، وعدم الالتفات إلى صيحات الغريق الميؤوس من إنقاذه، ممثلة في دبلوماسية الوساطات الوهمية، التي كانت عنوان السياسة الخارجية لنظام المخزن المغربي على مدار السنة، التي يديرها كومبارس عرائس الغراغوز، ناصر بوريطة، في مشهد مفلس، مكرر وبائس.

«معركة» مفتوحة مع المخزن
في الوقت الذي تقوم فيه الجزائر بدبلوماسية اقتحام المواقع، يترصد نظام المخزن الزيارات التي قادت وتقود رؤساء الدول إلى الجزائر، ليمارس الدبلوماسية الافتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية الممولة من قبل القصر ومحيطه، متحدثا عن وساطات وهمية بين البلدين، في موقف يعبر بجلاء عن قساوة الآلام التي سببتها العقوبات الجزائرية على نظام المخزن، بحرمانه من الامتيازات التي كان يتمتع بها بفضل أنبوب ميدغاز، الذي يربط الجزائر بإسبانيا عبر التراب المغربي، الذي كان يدر أموالا وغازا كهدية من السماء.
سنة 2022 كانت ساحة معركة دبلوماسية مفتوحة بين الجزائر والمغرب، نجحت فيها الجزائر في دحر كل المؤامرات التي نسجها نظام المخزن المغربي، بهدف إفشال القمة العربية التي اتخذت منها الجزائر منطلقا للعودة إلى الواجهة الإقليمية والدولية. ومنذ مارس 2022، وهو الموعد التقليدي للقمم العربية، نشطت دبلوماسية المخزن على أكثر من صعيد، من أجل سحب القمة من الجزائر أو على الأقل إلغائها حتى لا تعقد أصلا، بداعي احترام المواعيد المحددة في ميثاق الجامعة، ولم تتوقف المساعي الهدامة للرباط إلا بعد إعلان الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، عن تحديد الموعد الجديد ومكان الانعقاد.
وبعد أن أصبح موعد ومكان انعقاد القمة حقيقة واقعة لا رجعة فيها، لجأ المخزن إلى التشويش عليها، مختلقا أسبابا وهمية لإثارة الجدل، واستمر التشويش حتى يوم انعقاد القمة، من خلال المواقف والحركات الصبيانية التي انزلق إليها وزير خارجية نظام المخزن، لكن من دون أن ينجح في تحقيق ما جاء من أجله.

ترتيب البيت الإفريقي
الإنجاز الآخر، الذي يتحتم الوقوف عنده، هو نجاح الجزائر في جمع الفرقاء الفلسطينيين إلى طاولة الحوار في الجزائر، ورفع الاختراق الذي حصل في جدار الأزمة المركزية للأمة، إلى الزعماء العرب في قمة الجزائر، من أجل تحميلهم المسؤولية وحثهم على الالتفات إلى القضية الفلسطينية، في مشهد عربي طبعته هرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، تحت مسمى اتفاقيات سلام مزعومة لدول لا حدود لها مع الكيان، وبفضل الجهود الجزائرية، استعاد التطبيع وجهه القبيح، بعد محاولات تبييضه من قبل أنظمة عربية باعت العرض والشرف مثل نظام المخزن، الذي حاول يائسا تبرير ما قام به أمام شعبه ومحيطه العربي.
لعنة التطبيع، رافقت نظام المخزن حتى في القارة السمراء، من خلال فشله في تثبيت عضوية الكيان الصهيوني في الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب، رغم دفاعه المستميت عنه، في معركة كان فيها نظام المخزن الخاسر الأكبر، فقد كان وحيدا في مواجهة جميع الدول العربية الإفريقية دون استثناء، مثل موريتانيا والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان..

إعادة هيكلة العلاقات مع الشركاء التقليديين
وبعدما تمكنت من محاصرة مناورات النظام المغربي، واصلت الجزائر تموقعاتها إقليميا ودوليا، فقد أزالت اللبس مع مصر بشأن بعض الملفات المختلف فيها، باستقبالها الرئيس، عبد الفتاح السيسي، في قمة الجزائر العربية، كما بددت مزاعم الإعلام التابع لنظام المخزن، بوجود أزمة دبلوماسية بين الجزائر والمملكة العربية، الذي انطلق من تغيب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عن قمة الجزائر، ليروجوا أكاذيب لا توجد إلا في مخيلتهم، بداعي رفض وساطة الرياض.. وسيتأكد زيف هذه المزاعم بعد نزول بن سلمان ضيفا على الجزائر في الأيام المقبلة، كما
زارها ملك الأردن.
رهان الجزائر اليوم، هو التطلع إلى مجاورة الكبار أملا في إحداث النقلة الاقتصادية المأمولة، عبر الطلب الذي قدمته من أجل الانضمام إلى مجموعة «بريكس»، التي تضم كلا من الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، كبرى الاقتصاديات الصاعدة، فضلا عن إعادة هيكلة علاقاتها مع الشركاء التقليديين في أوروبا.

الندية ودبلوماسية الغاز
وهنا، يجدر التذكير بالمقاربة الجديدة للدبلوماسية الجزائرية في علاقاتها مع بعض الدول، مثل فرنسا، وهي المقاربة التي تقوم على الندية والمعاملة بالمثل، انطلاقا من قاعدة رابح- رابح، التي كانت في وقت سابق مجرد شعار فارغ من محتواه، لتبرير نهب ثروات البلاد تحت مسميات «الشراكة الاستثنائية»، خلال العقدين الأخيرين.
وانطلاقا من هذه المقاربة، تم «تأديب» إسبانيا على انحراف موقفها من القضية الصحراوية، وفعلت الجزائر على هذا الصعيد عصا العقوبات الاقتصادية ودبلوماسية الغاز، التي جعلت من رئيس حكومة مدريد يحلم بتلقي دعوة من المسؤولين في الجزائر لزيارتها، كما جاء على لسانه من العاصمة الألمانية برلين، وبحضور مستشارها أولاف شولتز.
سنة 2022، أرست واقعا جديدا ليس كالسابق، ويأمل الجزائريون أن تكون تلك، البداية لمرحلة جديدة تأخرت لسنوات طويلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!