-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في فرنسا: البحث العلمي يتدهور!

في فرنسا: البحث العلمي يتدهور!

كتب جيروم فينوليو مدير جريدة لوموند الفرنسية يوم 28 سبتمبر من هذه السنة افتتاحية العدد الخاص حول البحث العلمي في بلده. وجاءت هذه الافتتاحية بعنوان “العلوم الفرنسية معرّضة لخطر الزوال”. ونقرأ في مطلع الافتتاحية “أينما نظرت، فإن المشهد مظلم. شيئًا فشيئًا، يتلاشى تأثير العلم الفرنسي في بانوراما الأبحاث العالمية”.

“التدهور الرهيب للبحث العلمي الفرنسي”

وفي نفس العدد يصدر، مقال بقلم أليس ريباود حول نفس الموضوع عنوانه “فرنسا بلد بلا مستقبل للباحثين الشباب” ومقال آخر بقلم ديفيد لاروسيري عنوان “أسباب تدهور البحث العلمي في فرنسا”. وفي 2 أكتوبر الجاري نشر جان مارشال مقالا بنفس العنوان في أسبوعية “أنباء الجامعات في العالم” الصادرة في لندن.
وجاء في صحيفة لوموند أنه كان ينبغي أن يكون هذا التراجع في البحث العلمي في صلب اهتمامات الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة. كما كان ينبغي أن يكون أحد الموضوعات الرئيسية للحملات الانتخابية الرئاسية. وأشارت الصحيفة إلى أن الحكام الحاليين يتحدثون عن هذا الموضوع ويطلقون أحيانًا مخططات بعيدة المدى. لكن قضية العلم والبحث فيه لا يحظيان أبدا بالأولوية المستحقة. وهذا هو السبب الرئيسي في تدهور أوضاع البحث العلمي في البلاد.
وفي 1 أكتوبر من السنة الماضية صدر مقال في صحيفة Les Echos الفرنسية عنوانه “اللغة الفرنسية، لغة في طريق الانقراض في الكتابات الطبية العلمية” يؤكد أن المنشورات باللغة الفرنسية في هذا المجال لا يمثل سوى 0.3% من مجمل ما ينشر في هذا الاختصاص في العالم. ويقول صاحب المقال : ” لقد ولّت الأيام التي كان يحلم فيها الأطباء من جميع أنحاء العالم بالتدرب في فرنسا، وذهبت الأيام التي كان فيها الباحثون الفرنسيون يكتبون باللغة الفرنسية. ”
وفي نفس الصحيفة نقرأ في عدد 21 فيفري 2021 مقالا بقلم الرئيس الفخري لجامعة تولوز بعنوان “كيف نوقف التدهور الرهيب للبحث العلمي الفرنسي” مؤكدا على أن “تدهور الأبحاث الفرنسية، ليس في مجال الصحة فحسب، منذ سنوات عديدة”. وأشار إلى عدد من الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المزري مشددا على الإرادة السياسية المفقودة.
وعلى العموم يشتكي البحث العلمي في فرنسا من قلة التمويلات والتوظيف وسوء تنظيم مخابر البحث وضعف الرواتب والإمكانيات التي تحول دون هجرة الأدمغة الفرنسية إلى بلدان متقدمة أخرى مثل الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، تصرح إحدى الباحثات لجريدة لوموند أن مفهوم “مخبر البحث” -الذي يتعاون فيه الباحثون، ويتشاركون في المرافق، ويتبادلون فيه الأفكار، بدعم من التقنيين والمهندسين ذوي المهارات المتنوعة- قد اختفى. وتضيف أن الباحثين صاروا أقل نقاشا في مواضيع مشاريعهم البحثية، وهو ما يؤثر فكريا على طلبة الدكتوراه.
ويقول أحد الباحثين أن “معنى العمل الجماعي قد ضاع”، ويشهد أنه رأى باحثين فرنسيين تلقّوا منحا من مجلس الأبحاث الأوروبي فغادروا مخبرهم بميزانيتهم إلى مكان آخر، بينما كان زملاؤهم قد ساعدوهم للحصول على ذلك التمويل.
وما يؤكد هذه الأزمة في مجال البحث العلمي أن المركز القومي للبحوث العلمية (CNRS) يعدّ منارة البحث العلمي في فرنسا، لكن نسبة التعيينات فيه انخفضت بـ 60% خلال 10 سنوات : من 400 باحث عام 2010 إلى 242 باحثا عام 2020. والحال كذلك في الجامعة : فقد تمّ فتح 1070 منصبا جامعيا عام 2019، مقارنة بـ 2216 منصبا قبل عقد من الزمن.
ولذا توضح الإحصائيات أن متوسط العمر لحصول باحث على منصب من هذه المناصب اليوم يساوي 34 سنة، وهذا المتوسط يزداد سنة بعد سنة. ويدل ذلك على شحّ المناصب في مجال البحث والتدريس في الجامعة، وهو ما ينفر الشباب من التسجيل في الدكتوراه. وما يزيد الطين بلة أن مستوى رواتب الباحثين في فرنسا منخفض مقارنة بجيرانها حيث يقدّر بحوالي 63% من رواتب الباحثين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وتروي صحيفة لوموند حالة دكتورة تبلغ من العمر 32 عامًا لم تتمكن من الحصول على منصب في الجامعة رغم انتظارها عدة سنوات. والأدهى من ذلك أن هذه السيدة قد فازت أطروحتها بالمرتبة الأولى في جامعتها، وهي خريجة إحدى المدارس العليا العريقة وكانت الأولى في دفعتها وحاصلة على شهادة التبريز! وبعد طول انتظار، قررت التخلي عن سعيها للحصول على منصب في الأوساط الأكاديمية والبحثية، والتحقت بسلك أساتذة المرحلة الثانوية. وتؤكد هذه الأستاذة أن هناك العشرات في وضعية مماثلة لوضعيتها.

31 ألف طالب جزائري

حدد الاتحاد الأوروبي هدفًا عام 2000 خاصا بنفقات البحث العلمي بما يعادل 3% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن فرنسا لم تتعدى فيه نسبة 2.2%. وللمقارنة فقد تجاوزت ألمانيا النسبة 3%… وهو ما يفسر جزئيا هجرة العلماء الفرنسيين من بلادهم.
وبهذا الخصوص، جاء في افتتاحية لوموند : “يظهر أن بعض الناس مهووسون بالأجانب الوافدين إلى فرنسا، لكنهم لا ينزعجون من الفرنسيين الذين يغادرون بلدهم، مثل هؤلاء الشباب الحاصلين على شهادة الدكتوراه، وينتهي بهم الأمر إلى الهجرة خارج البلاد بسبب ما يصيبهم من إرهاق خلال انتظارهم الفوز بوظيفة”. ويضرب صاحب الافتتاحية مثلا بالعالمة البيولوجية الفرنسية إمانويل شاربونتيه التي غادرت فرنسا إلى النمسا وألمانيا لأنها لم تجد التمويلات الكافية والبيئة المناسبة لأبحاثها وفازت بعد ذلك (عام 2020) بجائزة نوبل في الكيمياء وهي تعمل خارج بلدها.
وماذا عن الجزائريين؟ تبرز الإحصائيات أن هناك أزيد من 31 طالب جزائري في الجامعات الفرنسية، وهذا العدد في ازدياد رغم غلاء تكاليف التسجيل في تلك الجامعات. ففرنسا تنازلت -من أجل جلب أحسن الطلبة الأجانب- حتى على لغتها كلغة تدريس في جامعاتها، وهي تصرّح بذلك جهرة. وفي نفس الوقت تقبل بتسجيل هذا العدد الهائل من الطلبة الجزائريين الذين لا يحمل جلهم علامة الامتياز العلمي، بل يصدق عليهم المثل الشعبي القائل “حشيشة طالبة معيشة”. بمعنى أن هجرتهم إلى فرنسا تهدف إلى استكمال شهادة عادية، مثل الماستر، تسمح لهم فيما بعد بالحصول على أي وظيفة والإقامة والاستقرار هناك دون الطموح إلى التألق العلمي.
وتتحدث الأنباء الوطنية عن حقوق التسجيل للجزائريين في الجامعات الفرنسية التي قاربت 4 آلاف أورو سنويا لطلبة الماستر، ومع ذلك لم يغيّر ذلك عزيمة شبابنا على الهجرة. أما أصحاب الامتياز ممن يأتوا من بلدان مختلفة فتوفر لهم الحكومة الفرنسية منحا دراسية تكفل لهم العيش الكريم… لعلهم يتألقون في فرنسا ويرفعون مكانتها العلمية بين الدول.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • algerie.dz

    في فرنسا: البحث العلمي يتدهور! وفي الجزائر يتطور !