-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وضع اللغة في الجزائر وباختصار: الجزائر

في يوم اللغة العربية لسنة 2021

عثمان سعدي
  • 1385
  • 0
في يوم اللغة العربية لسنة 2021

ثورة، وأي ثورة لا يمكن لها أن تُعدَّ ناجحة إلا إذا حققت هدفين: تحرير الأرض وتحرير الذات، وتحرير الذات لا يكون إلا بسيادة لغة البلاد، ثورة الفييتنام حققت الاثنتين انطلاقا من مقولة زعيمها هو شي مينه في كلام موجه للفيتناميين: “حافظوا على صفاء اللغة الفييتنامية كما تحافظون على صفاء عيونكم”.

وليعلم الفرنكفونيون الجزائريون أن الثورة الفرنسية ثورة أسيادهم الفرنسيين أصدرت قانونا سنة 1794 نص مادته الثالثة كما يلي: “كل من يوقع وثيقة ابتداءً من يوليو بلغة غير اللغة الفرنسية يمْثُل أمام محكمة حيِّه ويُحكَم عليه بستة أشهر سجنا، وبالطرد من الوظيفة”

(Sera traduit devant le tribunal
correctionnel de sa résidence condamné a six mois de prison et destitué) هذا القانون هو (قانون تعميم استعمال اللغة الفرنسية) الذي احتفلت فرنسا بذكرى المائتين لصدوره وأصدرت سنة 1994 قانون حماية اللغة الفرنسة ـــمن اللغة الإنجليزية طبعاـــ الذي سُمِّي بقانون
توبون نسبة إلى وزير الثقافة جاك توبون المتحمِّس لحماية اللغة الفرنسية.

والشيء بالشيء يذكر؛ ففي سنة 1990 أصدر المجلس الشعبي الوطني برئاسة حبيب العربية عبد العزيز بلخادم قانون تعميم استعمال اللغة العربية الذي وقّعه سنة 1991 حبيب العربية الشاذلي بن جديد، وجمّده بمرسوم عدوُّ العربية محمد بوضياف، وألغى التجميدَ حبيبُ العربية الرئيس اليمين زروال، فأنهيت مهامُّه بسبب
ذلك كرئيس دولة، وجاء عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 فجمّده بلا مرسوم وحوّل المجلس الأعلى للغة العربية الذي مهمّته القانونية تطبيق القانون المذكور إلى أن يعمل كل شيء ما عدا تطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية.

كُوِّنت الحكومة المؤقّتة في القاهرة وسطا عليها طلابُ الفرنسية في الجامعات الفرنسية، فكوّنوا نواة إدارة الدولة الجزائرية في 1958 باللغة الفرنسية وبالقاهرة. وتوّجوا ذلك بأن وقّعوا اتفاقيات إيفيان سنة 1962 بنص واحد هو النص الفرنسي الذي مثّل الوفدين الجزائري والفرنسي، ولسان حال أعضاء الوفد الجزائري يقول للفرنسيين “نحن وإيّاكم في هُوية واحدة الفرق بيننا وبينكم شكليّ”. بينما وقع الفييتناميون اتفاقية جنيف التي أنهت الاستعمار الفرنسي بنصين: الفييتنامي مثل الوفد الفييتنامي برئاسة فام فان دونغ والنص الفرنسي مثل الوفد الفرنسي. وعاد صناديد UGMA(الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين) مع وضع خط تحت حرف M للجزائر سنة 1962 فوضعوا الأسس للدولة الفرنكفونية خائنين بذلك دماء مليون ونصف مليون شهيد.

ناضل الوطنيون الجزائريون في دولة الاستقلال فعرّبوا التعليم حتى شهادة البكالوريا والعلومَ الاجتماعية في الجامعة، لكن الإدارة بقيت مفرْنَسة لسيطرة الفرنكفونيين عليها، إذ يدرس الطالب الجزائري بالجامعة الاقتصاد والتجارة باللغة العربية ويُوظَّف فيضطر للعمل باللغة الفرنسية. كما بقيت العلوم والطب والتكنولوجيا تدرَّس باللغة الفرنسية، وبما أننا نعيش في عصر التكنولوجيا، فإن الطالب الجزائري صار يحتقر لغته الوطنية لأنهم علّموه أنّ لغته خارج العصر. في الوقت الذي نجد فيه بلدا كألبانيا سكانه أربعة ملايين يدرس الطب والعلم والتكنولوجيا باللغة الألبانية.

مَكْرم عبيد باشا المسيحي القبطي السياسي الكبير في حزب الوفد المصري يقول عن المسيحيين المصريين: “نحن مسلمون وطنًا نصارى دينًا”. جورج عسّاف ومكرم عبيد والكثير من المسيحيين العرب هم أكثر وطنية من الفرنكفونيين الجزائريين…

أما عن المعلمين المصريين، فقد طلب سنة 1962 حبيبُ اللغة العربية أحمد بن بلة من جمال عبد الناصر مدَّ الجزائر بمعلّمين مصريين للمساهمة في تعريب التعليم في الجزائر، فأمر عبد الناصر بأن يُختار خيرةُ المعلمين لإرسالهم إلى الجزائر، وبأن يستمرّوا في تناول مرتّباتهم في مصر حتى يتركوا عائلاتهم بها
تجنُّبا لتكليف الدولة الجزائرية بأعباء السكن العائلي، وأدى هؤلاء المعلمون دورهم مع إخوانهم من سائر الأقطار العربية التي هبّت نتيجة لاجتماع اتحاد المعلمين العرب في بيروت سنة 1963 من أجل مساعدة الجزائر في التعريب، وقد ترأس وفدَ الجزائر المرحوم علي مفتاحي من وهران
الذي طلب باسم الجزائر معلمين لمساعدتها على تعليم اللغة العربية في المدارس الجزائرية، وهبّ المعلمون من سائر الأقطار العربية من الكويت مثلا، ومن العراق ومن سوريا ومن السعودية ومن اليمن وغيرها من البلدان العربية، وأذكر أن رئيس جمهورية العراق أحمد حسن البكر كان
يفتخر بأن ابنته ساهمت في عملية التعريب في الجزائر. إنّ العديد من المعلمين العرب المسيحيين ساهموا في عملية التعريب بالجزائر. هؤلاء المعلمون العرب أطّروا آلاف المعلمين الجزائريين الذين كوّنتهم مدارسُ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي علّمت أربعين ألف طفل وطفلة العربية بين 1931 و1962.

يقول الفرنكفونيون بأنّ “عيب التعريب أن العربية جاءت على حساب الأمازيغية؟”، غريبٌ أمر هؤلاء؛ أنا أمازيغيٌّ أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية وهي قبيلة اللمامشة. هذه النغمة أوجدها الفرنسيون بعد 1830، قبل هذا التاريخ من الفتح الإسلامي وحتى الحكم العثماني في القرن السادس عشر الميلادي، تداولت
على حكم المغرب العربي ثلاث عشرة أسرة أمازيغية ابتداء من الدولة الرستمية التي كانت أعظم دولة، لم يحدث أن قال أميرٌ من أمرائها إن العربية ليست لغتي بل خدموا اللغة العربية كابن معطي الزواوي القبائلي الذي نظم النحو العربي في ألف بيت سابقاً ابنَ مالك بمائة سنة، وليكن في علم هؤلاء أن البُصيري صاحب قصيدة البردة المشهرة أمازيغي قبائلي مولود في مدينة دلّس، البُرْدة التي يتغنّى بها أزيد من مليار ونصف مليار مسلم.. الفرنكفونيون يضربون العربية بالأمازيغية خدمة للغة الفرنسية، لا للغة الأمازيغة.

يقول هؤلاء بأن “بالجزائر ثلاثَ لغاتٍ لا بد من الاعتراف بها لغاتٍ رسمية هي الفرنسية والعربية والأمازيغية”، وهذا الرأي مستمدّ من نظرية الاستعمار الفرنسي الجديد الذي يقول إن في المغرب العربي أربعَ لغات هي العربية الفصحى، والعربية الدارجة، والفرنسية، والأمازيغية، بينما يرى الفرنسيون أن في فرنسا لغةً واحدة هي الفرنسية متجاهلين ست لغات جهوية بفرنسا رافضين الاعتراف بها؛ إذ أن وزير الخارجية الفرنسي السابق شوفينمون يصرّح بما يلي: “الاعترافُ باللغات الجهوية معناه بلْقَنة فرنسا؛ أي تدمير الوحدة الوطنية الفرنسية”، وهذا رأي الفرنسيين الوطنيين أسياد الفرنكفونيين.

الروائي الجزائري الأصيل مالك حداد الذي قال فيه الكاتب الفرنسي الكبير لوي أراغون: “أعذب شعرٍ فرنسيٍّ قرأته ما نظمه مالك حداد”. فيجيبه مالك حداد بما يلي: “أنت مخطئ يا أراغون أنا لا أغنّي بل أرطن، لو كنت أعرف الغناء لغنّيت بالعربية.. الفرنسية فرضت عليّ أن أنادي أمي مامان بدل يمّا.. الفرنسية ليست لغتي بل هي منفاي”. مع العلم أن مالك حداد قبائليٌّ أمازيغي.. مالك حكم على نفسه بعد الاستقلال ألا يؤلف بالفرنسية لأنه يرى أن التأليف ينبغي أن يكون بالعربية في الجزائر المستقلة. علما بأنّ كاتب ياسين الفرنكفيلي عربيٌّ وليس أمازيغيا وهو عدوٌّ للعربية…

يعيب هؤلاء على التعريب أن “الجيل الجديد لا يُحسن العربية”، المذيعون والمذيعات الجزائريون بالفضائيات العربية يحسنون العربية أفضل من زملائهم العرب وقد درسوا

في الجزائر. باستقصاء قامت به الفضائية
الأمريكية “س ن ن” عن المذيعين باللغة العربية وجدت أن أفضل مذيعة هي خديجة بن قنّه وهي متعلمة بالمدرسة الجزائرية.

وأختم هذا المقال ببيت لشاعر عربي
مغترب يعتبر اللغة العربية هي وطنه يقول:

أفديكِ من لغةٍ أحببتها وطنا
فإنما لغتي في غربتي وطني.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!