في يوم اللغة العربية وما قاله أمين الزاوي
وضع اللغة في الجزائر وباختصار: الجزائر ثورة، وأي ثورة لا يمكن لها أن تُعتبر ناجحة إلا إذا حققت هدفين: تحرير الأرض وتحرير الذات، وتحرير الذات لا يكون إلا بسيادة لغة البلاد، ثورة الفييتنام حققتهما الاثنتان انطلاقا من مقولة زعيمها في كلام موجه للفيتناميين: “حافظوا على صفاء اللغة الفييتنامية كما تحافظون على صفاء عيونكم”.
أما الجزائر فسيطر على مصيرها الفرنكفونيون فحققت تحرير الأرض فقط، ولا زالت حتى الآن الذات الجزائرية مستعمَرة بسبب سيطرة الفرنسية ودعاتها على الدولة الجزائرية انطلاقا من المقولة المشؤومة للكاتب الفرنكفولي كاتب ياسين “الفرنسية غنيمة حرب”.
وليعلم الفرنكفونيون الجزائريون أن الثورة الفرنسية ثورة أسيادهم الفرنسيين أصدرت قانونا سنة 1794 نص مادته الثالثة كما يلي: “كل من يوقع وثيقة ابتداء من يوليو بلغة غير اللغة الفرنسية يمْثل أمام محكمة حيه ويُحكم عليه بستة أشهر سجنا، وبالطرد من الوظيفة”
(Sera traduit devant le tribunal correctionnel de sa résidence condamné a six mois de prison et destitué) هذا القانون هو (قانون تعميم استعمال اللغة الفرنسية) الذي احتفلت فرنسا بذكرى المائتين لصدوره وأصدرت سنة 1994 قانون حماية اللغة الفرنسة ـــ من اللغة الإنجليزية طبع ـــ الذي سمي بقانون توبون نسبة إلى وزير الثقافة جاك توبون المتحمس لحماية اللغة الفرنسية.
والشيء بالشيء يذكر.. ففي سنة 1990 أصدر المجلس الشعبي الوطني برئاسة حبيب العربية عبد العزيز بلخادم قانون تعميم استعمال اللغة العربية الذي وقعه سنة 1991 حبيب العربية الشاذلي بن جديد، وجمده بمرسوم هوشي مينه الثورة الجزائرية محمد بوضياف، وألغى التجميد حبيب العربية الرئيس اليمين زروال، فأنهيت مهامه بسبب ذلك كرئيس دولة، وجاء عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 فجمده بلا مرسوم وحول المجلس الأعلى للغة العربية الذي مهمته القانونية تطبيق القانون المذكور إلى أن يعمل كل شيء ما عدا تطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية.
ليعلم الفرنكفونيون الجزائريون أن الثورة الفرنسية ثورة أسيادهم الفرنسيين أصدرت قانونا سنة 1794 نص مادته الثالثة كما يلي: “كل من يوقع وثيقة ابتداء من يوليو بلغة غير اللغة الفرنسية يمْثل أمام محكمة حيه ويُحكم عليه بستة أشهر سجنا، وبالطرد من الوظيفة”
تكوّنت الحكومة المؤقتة في القاهرة وسطا عليها طلاب الفرنسية في الجامعات الفرنسية، فكوّنوا نواة إدارة الدولة الجزائرية في 1958 باللغة الفرنسية وبالقاهرة. وتوجوا ذلك بأن وقعوا اتفاقيات إيفيان سنة 1962 بنص واحد هو النص الفرنسي الذي مثل الوفدين الجزائري والفرنسي، ولسان حال أعضاء الوفد الجزائري يقول للفرنسيين “نحن وإياكم في هوية واحدة الفرق بيننا وبينكم شكلي”. بينما وقع الفييتناميون اتفاقية جنيف التي أنهت الاستعمار الفرنسي بنصين الفييتنامي مثل الوفد الفييتنامي برئاسة فام فان دونغ والنص الفرنسي مثل الوفد الفرنسي. وعاد صناديد UGMAالـ (الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين) مع وضع خط تحت حرف M للجزائر سنة 1962 فوضعوا الأسس للدولة الفرنكفونية خائنين بذلك دماء مليون ونصف مليون شهيد.
ناضل الوطنيون الجزائريون في دولة الاستقلال فعربوا التعليم حتى شهادة البكالوريا والعلوم الاجتماعية في الجامعة، لكن الإدارة بقيت مفرنسة لسيطرة الفرنكفونيين عليها، بحيث يدرس الطالب الجزائري بالجامعة الاقتصاد والتجارة باللغة العربية ويُوظف فيضطر للعمل باللغة الفرنسية. كما بقيت العلوم والطب والتكنولوجيا تدرّس باللغة الفرنسية، وبما أننا نعيش في عصر التكنولوجيا، فإن الطالب الجزائري صار يحتقر لغته الوطنية لأنهم علموه أنها لغته خارج العصر. في الوقت الذي نجد فيه بلدا كألبانيا سكانه أربع ملايين يدرس الطب والعلم والتكنولوجيا باللغة الألبانية.
نتيجة لسيطرة الفرنكفونيين على مقاليد الدولة وسيطرة اللغة الفرنسية على مالية واقتصاد البلاد، وصلت الجزائر إلى ما وصلت إليه من التخلف والتدنّي بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال، بحيث صار سكان العاصمة يشربون الماء الذي تسيّره شركة فرنسية، ويركبون الطائرات من مطار الهواري بومدين الذي تسيره شركة فرنسية، يعتزون بالطريق السيار الذي بناه اليابانيون والصينيون، يحترق سقف قاعة حرشة فتعجز الدولة الفرنكفونية عن بنائه فيبنيه الصينيون، إلى آخره… أنا لا أقارن بين الجزائر وتونس أو ليبيا المغرب أو، أو.. وإنما أقارنها بالفييتنام لأن القرن العشرين عرف أعظم ثورتين هما ثورة الجزائر وثورة الفييتنام. قمت بمقارنة بين البلدين فوجدت أن الفيتنام بالفتْنمة صدّر سنة 2011 خارج المحروقات بما قيمته 34 مليار دولار بينما صدّرت الجزائر بالفرنسة بما قيمته ملياريّ دولار بما فيها سكر وزيت ربراب الذي تُستورد مادته الأولية بالعملة الصعبة. الفيتنام حقق أمنه الغذائي، بينما الجزائر تعتبر أول بلد بالعالم يستورد الحليب… وأي بلد يقاس بماذا ينتج وليس بنطق الراء غينا… زرت مدينة بوستطن بأمريكا فاشتريت بدلة مصنوعة في الفييتنام.
أمين الزاوي واللغة العربية
استمعت إلى الدكتور أمين الزاوي في قناة “النهار” بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية حيث قال كلاما غريبا.. هو يشكّك في أحقية اللغة العربية في أن تأخذ موقعها الذي اختاره الله لها بالجزائر. ونعود لما قاله:
-أدلجة التعريب: نعم التعريب هو إيديولوجية الجزائر منذ نجم شمال إفريقيا وحزب الشعب وجمعية العلماء. والفتنمة أيديولوجية الفييتنام، والكوْرنة أيديولوجية كوريا، والبهاسا إيديولوجية أندنوسيا…
ـــ يقول الزاوي بأن “المعلمين المصريين شوّهوا بالدين أفكار الأطفال الجزائريين؟”، غريب هل الدين يشوّه أو يحسّن؟ ليكن في علم الزاوي أن المسيحيين العرب خدموا العربية، أجمل بيت قيل في اللغة العربية قاله الشاعر العربي المسيحي المغترب جورج عساف حيث يقول مخاطبا العربية:
أفديكِ من لغة أحببتها وطناً فإنما لغتي في غربتي وطني
مَكْرم عبيد باشا القبطي السياسي الكبير في حزب الوفد المصري يقول عن المسيحيين المصريين: “نحن مسلمون وطنًا نصارى دينًا “. جورج عساف ومكرم عبيد والكثير من المسيحيين العرب هم أكثر وطنية من الفرنكفونيين الجزائريين…
أما عن المعلمين المصريين، فقد طلب سنة 1962 حبيبُ اللغة العربية أحمد بن بلة من جمال عبد الناصر مدَّ الجزائر بمعلمين مصريين للمساهمة في تعريب التعليم في الجزائر، فأمر عبد الناصر بأن يُختار خيرة المعلمين لإرسالهم إلى الجزائر، وبأن يستمرّوا في تناول مرتباتهم في مصر حتى يتركوا عائلاتهم بها تجنّبا لتكليف الدولة الجزائرية بأعباء السكن العائلي، وأدى هؤلاء المعلمون دورهم مع إخوانهم من سائر الأقطار العربية التي هبّت نتيجة لاجتماع اتحاد المعلمين العرب في بيروت سنة 1963 من أجل مساعدة الجزائر في التعريب، وقد ترأس وفد الجزائر المرحوم علي مفتاحي من وهران الذي طلب باسم الجزائر معلمين لمساعدتها على تعليم اللغة العربية في المدارس الجزائرية، وهبّ المعلمون من سائر الأقطار العربية من الكويت مثلا، ومن العراق ومن سوريا ومن السعودية ومن اليمن وغيرها من البلدان العربية، وأذكر أن رئيس جمهورية العراق أحمد حسن البكر كان يفتخر بأن ابنته ساهمت في عملية التعريب في الجزائر. ليعلم الزاوي بأن العديد من المعلمين العرب المسيحيين ساهموا في عملية التعريب. هؤلاء المعلمون العرب أطّروا آلاف المعلمين الجزائريين الذين كوّنتهم مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هذه التي علّمت أربعين ألف طفل وطفلة العربية بين 1931 و1962.
بما أننا نعيش في عصر التكنولوجيا، فإن الطالب الجزائري صار يحتقر لغته الوطنية لأنهم علموه أنها لغته خارج العصر. في الوقت الذي نجد فيه بلدا كألبانيا سكانه أربع ملايين يدرس الطب والعلم والتكنولوجيا باللغة الألبانية.
ــــ يقول الزاوي بأن “عيب التعريب أن العربية جاءت على حساب الأمازيغية؟”، غريبٌ أمر هذا الرجل الذي هو عربي وأنا أمازيغي أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية وهي قبيلة اللمامشة. هذه النغمة أوجدها الفرنسيون بعد 1830، قبل هذا التاريخ من الفتح الإسلامي وحتى الحكم العثماني في القرن السادس عشر الميلادي، تداولت على حكم المغرب العربي ثلاث عشرة أسرة أمازيغية ابتداء من الدولة الرستمية التي كانت أعظم دولة، لم يحدث أن قال أميرٌ من أمرائها إن العربية ليست لغتي بل خدموا اللغة العربية كابن معطي الزواوي الذي نظم النحو العربي في ألف بيت سابقاً ابنَ مالك بمائة سنة، وليكن في علم الزاوي أن البُصيري صاحب قصيدة البردة المشهرة أمازيغي قبائلي مولود في مدينة دلّس، البُرْدة التي يتغنى بها مليار ونصف المليار مسلم.. الفرنكفونيون يضربون العربية بالأمازيغية خدمة للغة الفرنسية، لا للغة الأمازيغة.
ـــ يقول الزاوي بأن “بالجزائر ثلاث لغات لا بد من الاعتراف بها كلغات رسمية هي الفرنسية والعربية والأمازيغية”، وهذا الرأي مستمدّ من نظرية الاستعمار الفرنسي الجديد الذي يقول بأن في المغرب العربي أربع لغات هي العربية الفصحى، والعربية الدارجة، والفرنسية، والأمازيغية، بينما يرى الفرنسيون أن في فرنسا لغة واحدة هي الفرنسية متجاهلين ست لغات جهوية بفرنسا رافضين الاعتراف بها؛ إذ أن وزير الخارجية الفرنسي السابق شوفينمون يصرح بما يلي: “الاعتراف باللغات الجهوية معناه بلقنة فرنسا؛ أي تدمير الوحدة الوطنية الفرنسية” وهذا رأي الفرنسيين الوطنيين أسياد الفرنكفونييين الجزائرييين.
ـــ يشير الزاوي إلى الروائي الجزائري الأصيل مالك حداد الذي قال فيه الكاتب الفرنسي الكبير لوي أراغون: “أعذب شعرٍ فرنسي قرأته ما نظمه مالك حداد”. فيجيبه مالك حداد بما يلي: “أنت مخطئ يا أراغون أنا لا أغني بل أرطن، لو كنت أعرف الغناء لغنيت بالعربية.. الفرنسية فرضت عليّ أن أنادي أمي مامي بدل يمّا.. الفرنسية ليست لغتي بل هي منفاي”. مع العلم أن مالك حداد قبائلي أمازيغي لكن الزاوي عربي.. مالك حكم على نفسه بعد الاستقلال ألا يؤلف بالفرنسية لأنه يرى أن التأليف ينبغي أن يكون بالعربية في الجزائر المستقلة. علما بأن كاتب ياسين الفرنكفيلي عربيٌ وليس أمازيغيا…
ــــ يعيب الزاوي على التعريب أن “الجيل الجديد لا يحسن العربية”، المذيعون والمذيعات الجزائريون بالفضائيات العربية يحسنون العربية أفضل من زملائهم العرب وقد درسوا في المدرسة الجزائرية، قامت الفضائية الأمريكية س ن ن ِCNN باستقصاء عن أفضل مذيعة عربية شارك فيه عشراتُ المذيعات من الأقطار العربية وفازت خديجة بن قنّة الجزائرية بالرتبة الأولى وهي متعلمة في المدرسة الجزائرية. الضعف في تعلم لغة المدرسة يشكو منه حتى المعلمون الفرنسيون نتيجة لسطوة التلفزة والأنترنيت على وقت التلميذ، فمعلمة فرنسية تقول إنها تلقت رسالة من تلميذة لها نجيبة كتبت “فارماسي” بالــf وليس بالــph.
خلاصة القول: نقول لأمين الزاوي ولغيره من الفرنكفونيين الجزائريين: مارسوا حياتكم بالفرنسية فأنتم أحرار، لكن لا تفرضوها على الشعب الجزائري الذي عانى ما عانى من ذويها قرنا وثلث قرن. نحن دعاة العربية نقرأ بلا تعصب الكتب بالفرنسية كلغة إنسانية لغة فولتير ولا لغة لاكوست. ليكن في علم الزاوي الذي يكتب رواياتٍ له بالفرنسية أن الكتاب الفرنسيين يكتبون رواياتهم بالفرنسية وتترجم إلى لغات العالم.
* رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية