قرارات مجلس الوزراء.. هل تعيد الأمل للشباب؟
أسفر الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء وسط الأسبوع المنصرم على قرارات هامة أقل ما يقال عنها إنها تدشن لحراك جديد على الجبهتين: الاقتصادية والاجتماعية.
-
ويأتي أسلوب ترتيب الاجراءات في سياق تسهيل الاستثمار، التخفيف الجبائي ومساعدة الشباب على الشغل والسكن. وبذلك تكون الحكومة اعترفت بأن قوانينها السابقة المنظمة للاقتصاد والشغل لم تكن كافية لتحقيق النجاعة، وأن الوقت قد حان لتعديل تلك القوانين ولإطلاق نموذج جديد للاستثمار أطلقنا عليه “استثمار صفر عوائق”. وفي انتظار المراسيم التنفيذية الكفيلة بتطبيق الاجراءات المذكورة يحق للجميع أن يتساءل عن حدود فعالية الجهازين التنفيذي والاداري للدولة في تجسيد أهداف معلنة يبدأ الحد الأدنى فيها من مستوى أهداف الخطة الخمسية الجاري تنفيذها. فهل تغني الاجراءات عن إصلاح الحكومة والادارة؟ وكيف تتجنب دوائر القرار في بلادنا تجربة الوعود التنموية السابقة عندما اصطدمت الأهداف الكبيرة بعوائق أكبر منها؟
-
هذا هو الواقع المعيش
-
في ندوة أخيرة بالجزائر حول الاستثمار والشراكة الأجنبية قال مقاول بأنه لا يزال يعاني من تماطل الادارة في دفع مستحقاته المالية، وأن مصالح الحكومة لم تقدم له شيئا يذكر لاسترداد ديونه على شركة أجنبية كلفته بإنجاز شطر من برنامج دعم النمو للدولة، وبعدها علمت أن 1600 مقاول جزائري يعيشون نفس المعاناة وأن صاحبنا واحد منهم. وقال آخر بأن أكبر شركة عمومية في الجزائر تستورد “البولونات” بغلاف مالي سنوي وصل الى 4 مليار دولار، وأن الأجانب هم المستفيد الأول والأخير من مشاريع الدولة. وقال ثالث بأن الادارة في الجزائر تطرد الاستثمار وأن 1000 مؤسسة خاصة تكون قد انسحبت من السوق منذ العام 2007، وقال آخرهم بأن الجماعات المحلية ترفض مشاريع التنمية لأن تكاليفها الادارية وأعباء تسييرها أكبر من منفعتها. وعندما أقر مجلس الوزراء الخطة الخمسية الحالية قالت الأرقام بأن 40 بالمائة منها عبارة عن مشاريع متخلفة عن الخطة السابقة (2005 – 2009)، والحديث عن محلات الرئيس التي ابتلعت ملايير الدينارات دون جدوى نموذج حي على أن القرارات الجميلة عندما لا تسندها حكومة قوية وإدارة أقوى تصبح عائقا يضعف ثقة الناس في حلول دولتهم وتقلل من الأثر النفسي الايجابي الذي قد يحدثه أي تطور في الخطاب الرسمي.
-
التصادم المستمر
-
ولو فتحنا ملف المفارقة بين الخطاب الرسمي والتجسيد لوقفنا على حالات من التناقض لا يستوعبها أحد. وهكذا: اصطدمت قرارات تأهيل المؤسسة الوطنية بفشل المسعى وضعف الاستفادة من برامج التأهيل بالشراكة الأجنبية، واصطدمت القرارات الرفيقة للفلاح بندرة في البذور وغلاء في الأسمدة، واصطدمت قرارات تفضيل المنتوج الوطني بتجارة خارجية تغرق السوق وتغذي المنافسة غير الشريفة، واصطدمت قرارات تيسير القرض لفائدة حاملي المشاريع بأبواب البنوك التي عجزت عن توظيف أكثر من 28 بالمائة من الادخار لديها، واصطدمت قرارات الاصلاح الجامعي بمراسيم تنفيذية شلت الدراسة في أغلب جامعات الوطن، واصطدمت قرارات ترقية التعليم بإجراءات إدارية غير مدروسة أغرقت المؤسسات التربوية في قضية اسمها “المآزر الملونة”، واصطدمت قرارات الاسكان بإدارة أخرت مواعيد تسليم الشقق لمستحقيها لأكثر من 10 سنوات، واصطدمت قرارات تسليم مشروع “مترو الجزائر” في موعده بوتيرة في الانجاز حولت المشروع الى حلم بعيد المدى، واصطدمت قرارات الرئيس باستحداث 3 ملايين منصب عمل بآليات للتشغيل تعتمد التوظيف الاجتماعي عبر الشبكات والعقود المؤقتة وصيغة الادماج، وأخيرا التوظيف لأجل التوظيف بدل التوظيف لغرض الانتاج، واصطدمت قرارات دعم الانتاج الوطني وتقليص التبعية للسوق الخارجية بتزايد الواردات في سنة واحدة هي 2010 بمقدار مليار دولار، واصطدمت قرارات الدولة بإدماج الشباب المتسرب عن المدرسة في منظومة التكوين المهني بسياسة للقطاع تجعل التخصص إلزاما، مما جعل أغلب الشباب يعزفون عن التكوين، واصطدمت قرارات تنمية القطاع الصحي بأجهزة معطلة وبهياكل استشفائية دون موارد بشيرية، واصطدمت قرارات تمتين الاقتصاد باستراتيجية صناعية مفقودة وبرؤية للنهوض لا يكاد يراها أحد.
-
هل تستقيل الحكومة؟
-
والحال هذه، لا أحد يعرف هل تلقى قرارات مجلس الوزراء الأخير نفس المصير أم أن تغييرا سيحدث على رأس الجهاز التنفيذي للدولة يسمح بإحداث ديناميكية جديدة في جسم الاقتصاد الوطني؟
-
حقيقة كلما كانت النفوس كبيرة تعبت في حملها الأجسام، وعندما تصطدم الأفكار الحية بأدوات التنفيذ تفقد بريقها وتستسلم للموت، ويبدو أن نظرية “الارادة والامكان” لا زالت تسجل نقاطا أخرى لصالحها، فالارادة -حقا- لا تكفي وحدها إن لم تسندها أيادي فاعلة، مخلصة وقوية تجعل من القرارات الجميلة ساحة للتنافس من أجل تجسيدها، وفي هذه الحالة نحن بحاجة الى جيل الاستقلال كي يتسلم بشكل أفضل وأسرع مسؤولية التنفيذ، ليس لأن غيرهم عاجز تماما ولكن لأن طبيعة التطور تجعل لكل مرحلة رجالها، وكما قاد الشباب في كل من مصر وتونس وليبيا فصول الثورة، قد يصلح شباب الجزائر لقيادة إصلاح هادئ وإيجابي ولو عند التنفيذ، فهم الأدرى بمشكلات الشباب وهم الأقرب الى معادلتهم النفسية وهم الأدنى من أفق مستقبلي يتغير بسرعة، وهم الأكثر حيازة على أدوات العصر والأجدر بمواصلة السير على طريق تطبعه المنافسة وجودة الحكم ودقة التدبير، فهل تسفر الأيام القليلة المقبلة عن تطورات أخرى على سلم الاصلاح الهادئ؟