الرأي

قرارنا بين أمريكا وفرنسا

محمد سليم قلالة
  • 3183
  • 12

يتحدث البعض عن تأثير الموقف الأمريكي والفرنسي في القرار الجزائري، وكأن بلادنا لا شيء، في انهزامية وخنوع لا يمكن تفسيرهما. وقد نجد لذلك مبررا في مجالات تتحكم فيها الدول الكبرى كالتكنولوجيا المتقدمة، أو الصناعات المتطورة.. أما ما دون ذلك من مجالات، فالحديث عن هذا الدور المتزايد إنما هو من قبيل استمرار القابلية للخضوع ـ بعد القابلية للاستعمارـ التي تمكنت من البعض، إلى درجة حيرت الأمريكي والفرنسي نفسه، وجعلته يستاءل: لماذا يتصورون أننا أصحاب القرار في بلادهم؟ لماذا يتصرفون على هذا النحو وباستطاعتهم أن يتصرفوا كالأسياد إن لم يكونوا أسيادا بالفعل؟

لا أظن بأن الدول الغربية الكبرى تريد أن تجعل من العالم كله أداة طيعة بيدها، لأنها تدرك أن ذلك غير ممكن موضوعيا، ويستحيل القيام به عمليا بعد أن أصبحت ـ على الأقل منذ عقدين من الزمن، لا تتحرك في الساحة الدولية بمفردها. لقد برزت آسيا كقطب جديد، تقوده الصين، وبدأت دول “البريكس” تظهر ككتلة صاعدة في العلاقات الدولية. ويمكن لمحاور جديدة أن تبرز اليوم إذا ما نَفضت عن نفسها الغبار وتصرفت بما يتناسب وقدراتها المادية والمعنوية. ومن بين هذه المحاور الواعدة في إفريقيا محور الجزائر نيجيريا جنوب إفريقيا.

لماذا يتصرف بعض الجزائريين ممن يدعون ممارسة السياسة على هذا النحو من الخضوع؟ لماذا يُبشّر بعضهم بأن القرار الجزائري إنما يُتخذ في باريس وواشنطن أو بينهما، ولا داعي لإتعاب النفس بالحديث عن صناعته داخليا؟ لماذا يضعون هالة كبيرة على الدور الخارجي في حين أن الجزائر اليوم هي في أفضل موقع للتصرف بحرية أكبر؟ لماذا لا يتم الحديث عن قدرة الجزائريين على ترشيح رئيسهم بأنفسهم للعهدة القادمة مثلا؟ لماذا يستمر هؤلاء في الاستهانة بقدرة الجزائريين على ترشيح رئيس لهم وانتخابه؟ هل يعد مستحيلا أن ننتقل في الاستحقاقات القادمة إلى مرحلة تعود فيها الكلمة للشعب في اختيار رئيسه؟ هل ممنوع علينا التطور- ولو تدريجيا- في هذا الاتجاه؟ ألم يحن الوقت بعد لنتحرر من الشعور بالنقص تجاه الأجنبي، وقد فعلها آباؤنا منذ أكثر من 50 سنة؟

 

يبدو أننا وصلنا إلى مرحلة ينبغي أن نتصرف خلالها أسيادا حقيقيين في بلادنا، نعترف حقيقة بمصالح كافة الدول التي تتعامل معنا، ونتبادل معها المصالح، ولا نلومها إن هي سعت لمنافسة غيرها، أو حتى إن حاولت أن تتخذ قرارَ من يكون الرئيس بدلنا، سواء أكانت فرنسا أم أمريكا أم غيرهما، إنما علينا أن نلوم أنفسنا: لماذا تصرفنا على هذا النحو؟ ولماذا قبلنا بذلك؟ وقبل أن نلوم أنفسنا ينبغي أن نضع حدا لهؤلاء الذين لا يتوقفون عن جعلنا بين خيارين لا ثالث لهما: إما الأمريكي أو الفرنسي! وكأن آباءنا لم يجرؤوا على الاختيار ونحن لن نجرؤ على الاختيار.

مقالات ذات صلة