-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قصة القدس في الجزائر

جمال غول
  • 2426
  • 1
قصة القدس في الجزائر

في أقصى جنوب الجزائر الغربي (2135 كلم عن العاصمة)، وبالتحديد في ولاية برج باجي مختار، الولاية الحدوديّة بكلّ ما تعني كلمة حدوديّة من معنى، ورغم كلّ الجِراحات الظّاهرة والباطنة، والخاصّة والعامّة، والطبيعيّة والإنسانيّة، إلا أنّ أكُفَّ الضراعة ترفع، والأدعيةَ تصعد، والأصوات تعجّ، والعبراتِ تُسكب من أجل قضية القدس، وما أدراك ما قضية القدس. ذلك ما شهدناه عند حضورنا لبعض أنشطة أئمتنا الفضلاء في مساجد هذه الولاية النائية القاصية بمناسبة ذكرى ومعجزة الإسراء والمعراج.

إنها قضيةً أحبّها الشعب الجزائري فتبرّع لها بمبلغ كبير ـ تسع ملايين فرنك فرنسي قديم ـ في أربعينيات القرن الماضي، وآثرها على نفسه وهو في أحلك الظروف يوم كان تحت وطأة الاستدمار الفرنسي، وتبرع لها إمامُ الجزائر يومها الشيخ الإبراهيمي بمكتبته كلها، ولم يكن يملك غيرها من المال، مستثنيا من مكتبته المصحف للتلاوة والصحيحين للدراسة، إنّ قضيةً مثل هذه، لهي قضية منصورة لا محالة.

ومما زاد الموقف قوّةً حضور الشّباب قبل الكهول، والأطفالِ قبل الشيوخ. إنّ أمثال هؤلاء السّكّان لو غفلوا عن هذه قضية القدس في خضمِّ مشكلاتهم المتعدِّدة، ومعاناتهم القاسية، لالتمس لهم المرءُ العذر، لكن هيهات وحاشاهم أن يغفلوا عن ذلك، بل محال؛ لأنّهم قطعة من الأمّة الجزائرية التي شعبها يكره “الحڨرة”، ككرهه أن يُقذف في النار، ويكره “الحڨارين” عامّة، ككرهِ الكفّار للموت، ويكره اليهودَ بالفطرة كما يحب اليهودُ الحياة ويتعلقون بها، ومن بغضه لهم أنه لا يذكرهم إلا ويتبع ذكرهم باللعن، ولفظ (حاشاكم) التي لا تقال إلا للقذر من الأشياء، كالخنزير وأضرابه.

إنه كرهٌ نابع من عقيدة أصَّلتها نصوصُ القرآن والسنة، إذ فضحت خبثهم وجرائمهم وإفسادهم في الأرض، وممّا زاد الجزائريين كرها لهم ما عايشوه واقعا ماثلا أمامهم بأرض توات (ولاية أدرار حاليا) بمنطقة تمنطيط، عندما أراد اليهودُ أن يتسلّطوا اقتصاديا على المنطقة من خلال تجارة الذهب، تمهيدا لبسط نفوذهم على مناحي الحياة الأخرى، إلى درجة بناء معبد لهم، فسلّط الله عليهم رجلا ربانيا أفتى بوجوب إجلائهم؛ كسراً لشوكتهم، وهو الشيخ العالم قاهر اليهود في الجنوب الجزائري محمد بن عبد الكريم المغيلي رحمه الله (903هـ – 1503م).

كما عاين الجزائريون خيانة اليهود بتخلّيهم عن الجنسية الجزائرية وتجنُّسهم بالجنسية الفرنسية فور صدور قانون كريميو، أو ما عُرف بقانون تجنيس اليهود سنة 1870م، وكذلك سعيهم الدائم إلى الوقيعة بين الجزائريين، ومن أظهر جهودهم الخبيثة في زرع الفتنة أحداث قسنطينة عام 1934م.

ومن جانب آخر، فإن حبّ فلسطين من حبّ مسجدها الأقصى المقدس والمبارك، ذلك الحب الذي سكن قلوب الأجداد، وسرى إلى أفئدة الأحفاد عبر تاءات الجزائر الأربع من تبسة إلى تلمسان، ومن تيزي وزو إلى تمنراست، لقد أحب الجزائريون فلسطين بأقصاها وقُدسها، وغزّتها وخليلها، أحبوا أهلها وحجارتها، ونباتها وترابها وهواءها، إنه الحبُّ الصادق الذي يثمر الأعمال والمواقف، ومن ذلك التبرع لها بالأوقاف من داخلها مثل ما أوقفه العالمُ المجاهد سيدي بومدين وإخوانه الجزائريون والمغاربيون عموما الذين شاركوا صلاح الدين شرف تحرير القدس فكافأهم على شجاعتهم وبطولاتهم بأن استأمنهم على المسجد الأقصى، وخصَّهم بجواره في حي بات يُعرف بِـ”حارة المغاربة”، وكذلك بالتبرع لها من خارجها، ومن ذلك ما يوقف في مختلف البلدان على فلسطين.

إن قضيةً تسير بها الركبان في كل قارات الدنيا ويناصرها بؤساء العالم قبل أغنيائه، لهي قضية منصورة ولو بعد حين. إن قضيةً لا يتوقف ذكرُها عند عواصم كبرى الدول حيث الوسائل الحديثة والمريحة، بل يتعدى ذكرُها إلى القرى والمداشر الصحراوية والحدودية، ومِن قِبل شبابها وشيوخها، فضلا عن أئمتها وعلمائها، لهي قضية منصورة بإذن الله تعالى.

إن قضيةً أحبّها الشعب الجزائري فتبرّع لها بمبلغ كبير ـ تسع ملايين فرنك فرنسي قديم ـ في أربعينيات القرن الماضي، وآثرها على نفسه وهو في أحلك الظروف يوم كان تحت وطأة الاستدمار الفرنسي، وتبرع لها إمامُ الجزائر يومها الشيخ الإبراهيمي بمكتبته كلها، ولم يكن يملك غيرها من المال، مستثنيا من مكتبته المصحف للتلاوة والصحيحين للدراسة، إنّ قضيةً مثل هذه، لهي قضية منصورة لا محالة.

إن قضيةً حالت دون اكتمال نكهة النصر باستقلالنا الوطني سنة 1962م، وتأجَّلت الفرحة الكاملة إلى حين تحرير فلسطين، لهي قضية سائرة إلى التحرير بإذن الله.

إنّ قضية بهذا العمق الشعبي الذي وصل إلى حد مناصرة الفريق الفلسطيني على حساب منتخبا الوطني لمقابلة كرة القدم، وبعمق رسمي من دولة رفعت ولا تزال شعار: (مع فلسطين ظالمة أو مظلومة)، وحاشاها أن تكون ظالمة، محال بإذن الله ألا تكون إلا على الحق ظاهرة، ولعدوِّها الصهيوني قاهرة، ولن ينال منها المتصهينون إلا غيضا، وستبقى في قلوب الخونة والمطبّعين كمدا وغيظا، مادام المجاهدون والمقاومون مرابطين بغزة وبيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وما دام واجب الولاء والنصرة قائما بين المسلمين (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الجزائري

    حياك الله أستاذنا جمال.. مقال يعكس تفكير وعاطغة الشعب الجزائري