الرأي
بدأت ولم تَزل وستبقى إلى‮ ‬يوم الدّين

قصّة الصّراع بين الشّيطان والإنسان (الحلقة الأولى)

سلطان بركاني
  • 6504
  • 0

قصّة الصّراع بين الشّيطان والإنسان،‮ ‬قصّة ليست ككلّ‮ ‬القصص،‮ ‬قصّة كانت ولم تزل وستبقى أحداثها مستمرة إلى‮ ‬يوم القيامة،‮ ‬قصّة صراع أبديّ‮ ‬بدأ مع خلق أبينا آدم عليه السّلام،‮ ‬وسيبقى إلى أن‮ ‬يرث الله الأرض ومن عليها ويدخل أهل الجنّة الجنّةَ‮ ‬وأهل النّار النّار،‮ ‬ويقوم اللّعين في‮ ‬جهنّم خطيبا بين أتباعه خطبة البراءة والحسرات‮.‬

كانت البدايةُ‮ ‬يوم خلق الله تبارك وتعالى الجنّ‮ ‬وأسكنهم أرضه قبل ألفي‮ ‬عام من خلق آدم،‮ ‬واصطفى منهم إبليس الذي‮ ‬كان‮ ‬يسمّى‮ “‬عزازيل”؛ اصطفاه لكثرة عبادته ورفَعه إلى الملأ الأعلى مع الملائكة المقرّبين‮.‬

أفسد الجنّ‮ ‬في‮ ‬الأرض إفسادا عظيما،‮ ‬وأهلكوا الحرث والنّسل وقتلوا بعضهم بعضا،‮ ‬فبعث الله إليهم ملأً‮ ‬من الملائكة لقتالهم،‮ ‬وجعل على رأس هذا الملأ عزازيل؛ عزازيل الذي‮ ‬دخله العُجب وتملكه الغرور حينما أظفره الله على الجن المفسدين ومكّنه من إخراجهم إلى البحار ورؤوس الجبال‮. ‬امتلأ عجبا وغرورا وظنّ‮ ‬أنْ‮ ‬لا أحد‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يفعل ما فعل،‮ ‬وتطلّع لأن‮ ‬يكون أكرم خلق الله على الله وأرفعهم منزلة عنده جلّ‮ ‬في‮ ‬علاه‮.‬

رأى إسرافيل عليه السلام في‮ ‬اللوح المحفوظ أنّ‮ ‬مخلوقا‮ ‬يعبد ربه ثمانين ألف عام ثم‮ ‬يردّ‮ ‬الله عليه عبادته ويلعنه،‮ ‬فبكى إسرافيل خوفا أن‮ ‬يكون هو ذلك المخلوق،‮ ‬فسألته الملائكة عن بكائه فأخبرهم بما رأى،‮ ‬فبكوا جميعا كل منهم‮ ‬يخاف أن‮ ‬يكون هو ذلك المطرود،‮ ‬ثم قالوا نذهب إلى عزازيل فإنه مجاب الدعاء فيدعو لنا،‮ ‬فالتمسوا منه الدّعاء،‮ ‬لكنّه ولشدّة‮ ‬غروره وإعجابه بنفسه دعا للملائكة ونسي‮ ‬نفسه،‮ ‬فقال‮: ‬اللهم لا تغضب عليهم،‮ ‬ولم‮ ‬يقل اللهمّ‮ ‬لا تغضب علينا،‮ ‬لأنّه ظنّ‮ ‬أنّه لن‮ ‬يكون هو المخلوقَ‮ ‬الذي‮ ‬سيطرد من رحمة الله‮.‬

أخبر الله ملائكته أنه سيجعل في‮ ‬الأرض خليفة،‮ ‬تذكّر الملائكة ما فعلت الجنّ‮ ‬في‮ ‬الأرض،‮ ‬فقالوا‮: “‬أَتَجْعَلُ‮ ‬فِيهَا مَنْ‮ ‬يُفْسِدُ‮ ‬فِيهَا وَيَسْفِكُ‮ ‬الدِّمَاءَ‮ ‬وَنَحْنُ‮ ‬نُسَبِّحُ‮ ‬بِحَمْدِكَ‮ ‬وَنُقَدِّسُ‮ ‬لَك‮”‬،‮ ‬فقال جلّ‮ ‬في‮ ‬علاه‮: “‬إِنِّي‮ ‬أَعْلَمُ‮ ‬مَا لَا تَعْلَمُون‮”.‬

أمر الحقّ‮ ‬تبارك وتعالى ملائكته فأخذوا له من تراب الأرض،‮ ‬فخلق منه جسد آدم عليه السّلام،‮ ‬ليُري‮ ‬الملائكة كرامة ومكانة هذا المخلوق عنده‮. ‬مكث آدم جسدا بلا روح‮ ‬40‮ ‬سنة،‮ ‬وكان عزازيل الذي‮ ‬دبّت الغيرة في‮ ‬نفسه من هذا المخلوق الجديد،‮ ‬كان‮ ‬يمرّ‮ ‬بجسد آدم فيضربه فيحدث صوتا كصوت الفخّار،‮ ‬ويقول للملائكة‮: ‬لم خلق هذا؟ لئن سلّطت عليه لأهلكنّه،‮ ‬ولمّا بلغ‮ ‬الحين الذي‮ ‬أراد الله،‮ ‬قال للملائكة‮: “‬فَإِذَا سَوَّيْتُهُ‮ ‬وَنَفَخْتُ‮ ‬فِيهِ‮ ‬مِنْ‮ ‬رُوحِي‮ ‬فَقَعُوا لَهُ‮ ‬سَاجِدِين‮”‬،‮ “‬فَسَجَدَ‮ ‬الْمَلآئِكَةُ‮ ‬كُلُّهُمْ‮ ‬أَجْمَعُونَ‮ * ‬إِلاَّ‮ ‬إِبْلِيسَ‮ ‬أَبَى أَن‮ ‬يَكُونَ‮ ‬مَعَ‮ ‬السَّاجِدِينَ‮* ‬قَالَ‮ ‬يَا إِبْلِيسُ‮ ‬مَا لَكَ‮ ‬أَلاَّ‮ ‬تَكُونَ‮ ‬مَعَ‮ ‬السَّاجِدِينَ‮ * ‬قَالَ‮ ‬لَمْ‮ ‬أَكُن لِّأَسْجُدَ‮ ‬لِبَشَرٍ‮ ‬خَلَقْتَهُ‮ ‬مِن صَلْصَالٍ‮ ‬مِّنْ‮ ‬حَمَإٍ‮ ‬مَّسْنُونٍ‮ * ‬قَالَ‮ ‬فَاخْرُجْ‮ ‬مِنْهَا فَإِنَّكَ‮ ‬رَجِيمٌ‮ * ‬وَإِنَّ‮ ‬عَلَيْكَ‮ ‬اللَّعْنَةَ‮ ‬إِلَى‮ ‬يَوْمِ‮ ‬الدِّين‮”. ‬من‮ ‬يومها سمي‮ ‬عزازيل إبليس،‮ ‬أي‮ ‬المطرود والمبعد،‮ ‬ومسخ الله خلقه فجعله في‮ ‬أبشع صورة،‮ ‬وتبرأت الملائكة منه حينما أصبح عدوا لخالقه،‮ ‬وباء بعد كرامة بهوان‮.‬

أسقط في‮ ‬يد إبليس الذي‮ ‬نزل من العلياء إلى الغبراء،‮ ‬وأظهر الله مكنون نفسه،‮ ‬وجنى عليه كبره وحسده،‮ ‬فما كان منه وهو‮ ‬يرى نفسه قد‮ ‬غوى وخاب وخسر إلا أن‮ “‬قَالَ‮ ‬رَبِّ‮ ‬فَأَنظِرْنِي‮ ‬إِلَى‮ ‬يَوْمِ‮ ‬يُبْعَثُونَ‮ * ‬قَالَ‮ ‬فَإِنَّكَ‮ ‬مِنَ‮ ‬الْمُنظَرِينَ‮ * ‬إِلَى‮ ‬يَومِ‮ ‬الْوَقْتِ‮ ‬الْمَعْلُومِ‮ * ‬قَالَ‮ ‬رَبِّ‮ ‬بِمَا أَغْوَيْتَنِي‮ ‬لأُزَيِّنَنَّ‮ ‬لَهُمْ‮ ‬فِي‮ ‬الأَرْضِ‮ ‬وَلأُغْوِيَنَّهُمْ‮ ‬أَجْمَعِينَ‮ * ‬إِلاَّ‮ ‬عِبَادَكَ‮ ‬مِنْهُمُ‮ ‬الْمُخْلَصِينَ‮ * ‬قَالَ‮ ‬هَذَا صِرَاطٌ‮ ‬عَلَيَّ‮ ‬مُسْتَقِيمٌ‮ * ‬إِنَّ‮ ‬عِبَادِي‮ ‬لَيْسَ‮ ‬لَكَ‮ ‬عَلَيْهِمْ‮ ‬سُلْطَانٌ‮ ‬إِلاَّ‮ ‬مَنِ‮ ‬اتَّبَعَكَ‮ ‬مِنَ‮ ‬الْغَاوِينَ‮ * ‬وَإِنَّ‮ ‬جَهَنَّمَ‮ ‬لَمَوْعِدُهُمْ‮ ‬أَجْمَعِينَ‮ * ‬لَهَا سَبْعَةُ‮ ‬أَبْوَابٍ‮ ‬لِّكُلِّ‮ ‬بَابٍ‮ ‬مِّنْهُمْ‮ ‬جُزْءٌ‮ ‬مَّقْسُوم‮”.‬

ومن‮ ‬يومها بدأ الصراع الأبديّ‮ ‬بين الشّيطان والإنسان،‮ ‬بين الشّيطان الذي‮ ‬أقسم بأغلظ الأيمان ليضلنّ‮ ‬بني‮ ‬آدم وليقودنّهم معه إلى جهنّم،‮ ‬وبين الإنسان الذي‮ ‬وعده الله أن‮ ‬ينجيه من كيد الشّيطان إن هو اعتصم به سبحانه‮.‬

طرد إبليس من رحمة الله،‮ ‬وأكرم الله آدم وخلق له من نفسه زوجته حواء،‮ ‬وأسكنهما الجنّة،‮ ‬وقال‮: “‬يَا آدَمُ‮ ‬اسْكُنْ‮ ‬أَنتَ‮ ‬وَزَوْجُكَ‮ ‬الْجَنَّةَ‮ ‬وَكُلاَ‮ ‬مِنْهَا رَغَداً‮ ‬حَيْثُ‮ ‬شِئْتُمَا وَلاَ‮ ‬تَقْرَبَا هَذِهِ‮ ‬الشَّجَرَةَ‮ ‬فَتَكُونَا مِنَ‮ ‬الْظَّالِمِينَ‮”.‬

أباح لهما كلّ‮ ‬ما في‮ ‬الجنّة من خيرات وبركات،‮ ‬ومنع عنهما أن‮ ‬يأكلا من شجرة واحدة،‮ ‬فامتثلا أمر الله،‮ ‬ولكنّ‮ ‬إبليس أبى إلا أن‮ ‬يوقعهما في‮ ‬المعصية،‮ ‬فأخذ‮ ‬يزيّن لهما الأكل من تلك الشجرة،‮ ‬ودلاهما بغرور،‮ ‬ومنّاهما ووعدهما،‮ “‬فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ‮ ‬بَدَتْ‮ ‬لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا‮ ‬يَخْصِفَانِ‮ ‬عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ‮ ‬الْجَنَّةِ‮ ‬وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ‮ ‬أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ‮ ‬وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ‮ ‬الشَّيْطَآنَ‮ ‬لَكُمَا عَدُوٌّ‮ ‬مُّبِينٌ‮ * ‬قَالاَ‮ ‬رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ‮ ‬تَغْفِرْ‮ ‬لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ‮ ‬مِنَ‮ ‬الْخَاسِرِينَ‮”.‬

علم آدم وحواء أنهما قد أخطأا فتابا إلى الله وأنابا،‮ ‬على خلاف إبليس الذي‮ ‬عصى حينما أُمِر،‮ ‬وأبى أن‮ ‬يتوب وأصرّ‮ ‬على فعلته‮.. ‬تاب الله على آدم وحواء،‮ ‬ولكنّ‮ ‬حكمته اقتضت أن‮ ‬ينزلا إلى الأرض التي‮ ‬يكون فيها الابتلاء والامتحان والصراع بين آدم وذريته من جهة،‮ ‬وإبليس وجنده من جهة أخرى‮: “‬قَالَ‮ ‬اهْبِطُواْ‮ ‬بَعْضُكُمْ‮ ‬لِبَعْضٍ‮ ‬عَدُوٌّ‮ ‬وَلَكُمْ‮ ‬فِي‮ ‬الأَرْضِ‮ ‬مُسْتَقَرٌّ‮ ‬وَمَتَاعٌ‮ ‬إِلَى حِينٍ‮ * ‬قَالَ‮ ‬فِيهَا تَحْيَوْنَ‮ ‬وَفِيهَا تَمُوتُونَ‮ ‬وَمِنْهَا تُخْرَجُون‮”.‬

يتبع في‮ ‬عدد الجمعة بإذن الله‮…‬

مقالات ذات صلة