-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قطر عاصمة كرة القدم العالمية

قطر عاصمة كرة القدم العالمية

من بين كل أصناف الرياضات الفردية والجماعية الممارسة المعروفة، استطاعت رياضة كرة القدم أن تأسر قلوب الملايين من الناس، وأن تستولي على ألبابهم منذ اللحظات الأولى لظهورها، وأن تكون اللعبة المحبوبة والأكثر شعبية في العالم، والأقوى جذبا لاهتمام المتابعين من الجنسين وفي مختلف الأعمار، وأن تستقطب أنظار مختلف الطبقات الاجتماعية الميسورة والمعسورة وحتى المحرومة.

وقد يكون من أبرز الأسباب التي منحتها هذه المكانة هو كونها رياضة تمارس بتنافس فني حاد تسود فيه القوة الجسمية والذكاء والسرعة، وتثير الحماس والحمية والمتعة عند المشجعين خاصة لما تتقابل فيها منتحبات الدول، وأن ملاعبها تتسع لعشرات الآلاف من المتابعين والمناصرين الذين لا تهدأ لهواتهم من ترديد أهازيج المناصرة والتأييد لشحذ عزيمة المتنافسين. ولأن متابعة مقابلاتها على وجه البساط الأخضر هي فسحة للفرجة والتنفيس والتلطيف وطرد كروب الحياة.

منذ أن تمكنت دولة قطر من الإحراز على ترشيحها لتنظيم كأس العالم في طبعتها الثانية والعشرين، وتقدمها على عدة دول في كل مراحل التصويت ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، قبلت رفع التحدي رغم ثقله، وشمرت على سواعد الجد، وشرعت مبكرا في تهيئة وتجهيز البنى التحتية التي تناسب هذه المنافسة العالمية من ملاعب وطرق مواصلات حديثة وفنادق ومطاعم وتوسيع مطارها الأول ومد شبكة الاتصالات إلى كل زوايا العالم. واستطاعت في ظرف زمن قياسي أن تشيد سبعة ملاعب فتحت فيها المنافسة لرسم هياكلها أمام معماريين من ذوي السمعة العالمية أفرغوا كل ما يملكون في جعب مخيلاتهم من قدرات إبداعية ومهارات تفكير عالية، وصاغوا تشييدها على معايير مضبوطة حتى أخرجتها في أزياء شبيهة بالتحف المعمارية النادرة والاستثنائية، وجهزتها بكل الأسباب المساعدة للمتبارين والمتفرجين والإعلاميين من تكييف وإضاءة وتهوية ومنافذ وأجهزة تبريد ذكية ومعدات لمقاومة التلوث الجوي والحماية من الرياح الساخنة والأتربة الناعمة، وزودت بعضها بأسقف قابلة للطي. كما عملت على تجديد وتطوير أحد ملاعبها القديمة وتهيئته تهيئة لائقة. وبذلك أصبح في حصيلتها ثمانية ملاعب يتفوق بعضها على الملاعب العالمية المعروفة. وأوصلت خمسة منها بشبكة النقل بواسطة المترو لتخفيف الزحام، ووفرت للثلاثة الباقية ما يكفيها من النقل بواسطة الحافلات والسيارات. وقدر حجم النففات المالية التي صرفتها بأزيد من مائتي مليار دولار.

لم تسقط قطر من حساباتها بعث تراثها المحلي والإرث العربي الإسلامي أثناء تصميم ملاعبها الجديدة، واستلهمت من عمارتها القديمة البسيطة ومن أشكالها وألوانها مبتكرات صاغتها بلمسة حداثية حتى تقرن بين حاضرها وماضيها، وتعاشر بينهما في ديمومة مستمرة. وستقع عين زائرها مثلا على ملعب في هيئة خيمة عملاقة، وعلى آخر في صورة صَدَفة تحيله أن يكتشف من خلالها العلاقة الوطيدة التي ربطت بين المواطن القطري والبحر على امتداد عصور.

أرفقت دولة قطر ما سعت إلى تجسيده بإرادة فولاذية في الجانب المادي بحملة إعلامية ناعمة ومهذبة المقاصد، وخالية من كل انحياز أو تشدد لكي يكون عرسها فضاء التقاء عالمي. وتدرجت منابرها الإعلامية مع هذه الحملة تدرجا تعريفيا مدروسا ومتزايدا مع اقتراب حلول موعد انطلاق البطولة. ويكفي أن مجلتها المعروفة “الدوحة”، وهي مجلة فكرية وثقافية في أساسها، وفي عددها الثمانين بعد المائة الصادر في شهر نوفمبر الجاري عمدت إلى توظيف بعض صفحاتها لمواكبة هذا الحدث العالمي برؤى فلسفية مستحدثة ونظرات سوسيولوجية عميقة. وأبرزت على غلافها الأول صورة رمزية للاعب يستعد لقذف كرة تسبقه قليلا. وجعلت العنوان الطاغي على موادها المنشورة، هو: “فكر كرة القدم” في محاولة منها لإدخال لعبة كرة القدم إلى باحة البحث الرصين والتداول الأكاديمي. ومن إحدى مقالاتها المترجمة التي حوتها اقتبس السطور الموالية: (لذلك كانت النظرة الأقرب إلى الدُّنو من ماهية الظاهرة الرياضية، هي المُقاربة المُتعدِّدة التخصُّصات والعابرة لها في آن، لأجل إحاطة تكون أقربَ إلى الشمول بما يطبعها من تعقيد وتركيب يجعل منها تحدياً مرفوعاً للعلوم الاجتماعية. لكن كيف السبيل إلى تحقيق هذه الغاية وعلاقة هذه العلوم بالرياضة عامة وبكرة القدم خاصة، تنطوي على ضرب من المُفارقة، يتجلى في أن كرة القدم التي تتربع، دون منازع، على عرش الرياضة الأكثر شعبية في العَالَم بأسره، سواء ارتبط الأمر بممارسيها أو بجمهورها أو بمَنْ يتابعونها عبر الشاشات. فهذه اللعبة التي شهدت ميلادها في إنجلترا أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، كما يُشير إلى ذلك اسمها، سرعان ما انتشرت في أوروبا وأميركا اللاتينية، ثمَّ غزت إفريقيا قبل أن تلج إلى آسيا حديثاً، خاصة الصين. ووحدها الولايات المُتحدة الأميركية لا زالت تُظهر نوعاً من المُقاومة تجاهها. ولم تشفع لها أهميَّتُها بوصفها “واقعة اجتماعية” تمتلك كل المظاهر المُميزة لـ”الواقعة الاجتماعية الكلية”، إن شئنا الحديث بعبارات مارسيل موس، وظلّت تشغل مكانة هامشية داخل حقل العلوم الاجتماعية خاصة في فرنسا، لاسيما السوسيولوجيا. فكيف لنا بتفسير هذه الفجوة بين ممارسة شعبية جداً وبين التردُّد القوي للسوسيولوجيا الفرنسية في تناولها كموضوع والعمل لأجل الإحاطة بها؟).

 ما أن سجلت قطر خطوة مبهرة في سبيل التجهيز القاعدي استعدادا للعرس العالمي حتى تحركت كوامن الحسد وانفجرت براكين الحقد في قلوب كثيرين من أهل الغرب الذين لم يكونوا يتوقعون وصول قطر إلى إقامة إنجازات مبهرة على درجة مثلى من الجودة والكمال اصطفوا أمامها مبهورين مندهشين. وصدمت توقعاتهم التي كانت تحدثهم بالإخفاق والعجز، وتميل إلى الفشل والخيبة. وشرعوا في تحريك وسائلهم المثبطة باختلاق الأفاعيل وزرع القلاقل للطعن في إمكانات قطر وبذر الشائعات ضدها للإساءة والتقزيم. وغرضهم الوحيد هو رمي حصيات مدببة وأشواك في طريقها لإلهائها أو صرف نظرها. وفي تقديري، فإن قطر قد تعاملت مع كل الهجمات الماكرة، ولحد الآن، بأعصاب هادئة وبحكمة ورزانة وصبر متبعة نظرية “تصفير المشكلات” لإبعاد كل أبواق التشويش التي قد تعطلها عن بلوغ أهدافها في كنف الهدوء. وفي اعتقادي، أن ردود الفعل المختلقة والسلبية المشحونة بالغيرة تعبر عن أمراض في قلوب أصحابها، وستستمر في نهش جسم دولة قطر والتقليل من قيمة منجزها العظيم بأنيابها ومخالبها حتى بعد إسدال الستار عن هذه التظاهرة العالمية.

من تمام النبل أن ترتفع الدعوات الداخلية لحث القطريين المضيافين والأسخياء على فتح بيوتهم لينزل فيها ضيوف وطنهم في أمن وسلام في مبادرة لم تكن مألوفة من قبل في الدول التي احتضنت نهائيات كأس العالم. وقد بدأت بوادرُ الإعجاب التي تصنع الفرق تتعالى في كلمات الضيوف التي منها كلمة قالها أحد الإعلاميين في الوفد البرازيلي، ومؤداها: (كم أدهشني صوتُ الأذان التي يرتفع ممزِّقا الهدوء بين كل مرة وأخرى).

عندما عجزت ألسنة السوء من النيل من الإنشاءات البنائية التي أقامتها دولة قطر بما يشبه المعجزة، انعطفت صوب فكرة خبيثة وماكرة عجنت فيها الرياضة بالسياسة عجنا دنسا. وما يكاد الحاقدون يفتحون ملف قضية تافهة حتى يتبعونها بأخرى أكثر تفاهة لتكسير عزمها، وتشويه سمعتها، وتعطيل جهدها لصناعة الحدث بغرض حجب الثناء والإعجاب عنها وهي تعيش كدولة عربية أزهى لحظات البروز للتعبير عن قدرة أبناء الأمة العربية من الدخول في مجال المنافسة الجدي والإعداد للبطولات العالمية وتنظيمها وانتزاع الاعتراف والإشادة، والإظهار أنهم يقفون على ذخائر تراثية فكرية وثقافية تغذي إرادتهم وتدفعهم إلى أعلى درجات الرقي. ومع تنامي حلقة الحاقدين، انغمست بعض الصحف العالمية في نفس المستنقع العفن بعد أن تحللت من مصداقيتها، وأثارت قضايا هامشية أبعدتها تماما عن موضوع هذه المنافسة. ورأت أن تنتقد الدولة المضيفة في سلاطة بمجرد أن طالبت ضيوفها باحترام تقاليد البلد وعاداته الجميلة، والالتزام بما يحفظ سلامة العقد الأخلاقي الذي تعارف عليه المواطنون القطريون، وارتضوه وتشبثوا به، وتوارثوه جيلا عقب جيل. ولم يتورعوا حتى من إثارة موقف دولة قطر من موضوع هو محل خلاف بينهم، وهو موضوع حضور المثليين ورفع رايتهم؟؟ ومن المؤسف أن يرتد السويسري جوزيف سيف بلاتير الذي كان رئيسا للفيفا سابقا وينام على ملف فضيحة احتيال وفساد مالي حينما فازت دولة قطر باحتضان هذه البطولة العالمية، ويصرح في خبث يقول فيه بعبارة واضحة: (إن فوز قطر بحق استضافة بطولة كأس العالم كان خطأ !؟). فهل من تمام الروح الرياضية أن يصدر حكمه القاسي بهذه الجملة التشكيكية المريبة؟؟

ما أن سجّلت قطر خطوة مبهرة في سبيل التجهيز القاعدي استعدادا للعرس العالمي حتى تحركت كوامن الحسد وانفجرت براكين الحقد في قلوب كثيرين من أهل الغرب الذين لم يكونوا يتوقعون وصول قطر إلى إقامة إنجازات مُبهرة على درجة مثلى من الجودة والكمال اصطفوا أمامها مبهورين مندهشين. وصدمت توقعاتهم التي كانت تحدِّثهم بالإخفاق والعجز، وتميل إلى الفشل والخيبة. وشرعوا في تحريك وسائلهم المثبِّطة باختلاق الأفاعيل وزرع القلاقل للطعن في إمكانات قطر وبذر الشائعات ضدها للإساءة والتقزيم.

تستعد قطر، وهو البد الصغير جغرافيا والكبير بإرادته وطموحه، لاستقبال ضيوفها الذي ترى بعض التوقعات أن عددهم قد يزيد عن مليون ونصف مليون فرد. وقد استعدت بكل ما يسمو بحسن الوفادة ومكارم الضيافة. ومن تمام النبل أن ترتفع الدعوات الداخلية لحث القطريين المضيافين والأسخياء على فتح بيوتهم لينزل فيها ضيوف وطنهم في أمن وسلام في مبادرة لم تكن مألوفة من قبل في الدول التي احتضنت نهائيات كأس العالم. وقد بدأت بوادر الإعجاب التي تصنع الفرق تتعالى في كلمات الضيوف التي منها كلمة قالها أحد الإعلاميين في الوفد البرازيلي، ومؤداها: (كم أدهشني صوت الأذان التي يرتفع ممزقا الهدوء بين كل مرة وأخرى؟).

لا تقف الشقيقة قطر وحدها في هذا الحفل العالمي البهيج، وإنما تجد الظهراء المعينين لها في شقيقاتها العربيات التي حالف الحظ فرقها للوصول إلى النهائيات والتي لم يحالفها الحظ، ومنها الجزائر التي لو حضر فريقُها لمنح لهذه البطولة طعما آخر، وزاد من رفعة مقام الشباب العربي الناهض وقوة عزمه في المواجهة الميدانية.

هناك من يرى أن إقدام دولة قطر على احتضان نهائيات كأس العالم في طبعتها الحالية يدخل في صميم رؤيتها النهضوية الشاملة الموسومة باسم: “نهضة قطر الوطنية 2030” التي تطمع من خلال مخططها المرسوم إلى الوصول بالمجتمع القطري إلى مستوى معايير العالمية في التقدم، ووضعه على عتبات الدرجة المعيشية التنموية الراقية. واتمنى أن تحذو الدول العربية المستطيعة حذوها، وأن تضع أقدامها على آثار قدمها حتى تخرج من دائرة الانكماش والتخبط والظلام التي طال ليلها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!