-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“قَطَر” الشّرق يصفع الغرب المنافق

“قَطَر” الشّرق يصفع الغرب المنافق

مساحة جغرافية صغيرة تقابلها “حوكمة” سياسية في حجم الجبال الرواسي، تلك هي السّمة البارزة في دولة قطر التي أحسنت توظيف الإمكانات المالية بطريقة عقلانية مكّنتها من الاستثمار في الموارد البشرية أوّلا، ثم نجحت في رسم معالم النهضة، الأمر الذي مكّنها من تحقيق معجزة تنموية في ظروف طبيعية قاحلة، اُعْتُبِرَتْ في الماضي امتدادا لما يُسمّى جغرافيا الربع الخالي. وكم من بلاد عربية لها ثروات لا تعدّ ولا تحصى، لكن الاستبداد أهدرها وحوّلها إلى أرض يباب! والجدير بالذكر أن الشعب القطري قد نال استقلاله في مطلع سبعينيات القرن الماضي.

عانى الشعب القطريّ من الاستعمار البريطاني المتميّز بنهب ثروات مستعمراته، دون أن يخلف وراءه أثرا للعمران، لأنه لم يفكر يوما في الاستقرار النهائي في منطقة الخليج العربي. وأدرك حكام قطر غداة الاستقلال مدى حجم التأخر الذي يعاني منه وطنهم، ولا سبيل إلى تدارك الوضع إلاّ بانتهاج سياسة تنموية عقلانية من شأنها أن تخرجها من عنق الزجاجة، فانطلقت المسيرة التنموية في ظروف صعبة، وبدأ السباق ضد الزمن لتجاوز رواسب الاستعمار البريطاني، ولم يكن الأمر سهلا ميسّرا، لكن إرادة الرجال كانت أقوى من كلّ المعوّقات.

وقع الرهان على الاستثمار في العنصر البشري أوّلا، عن طريق إرسال بعثات علمية إلى منابع العلم والتكنولوجية للاغتراف منها،من  دون الانبهار بالحضارة الغربية، مع الاستفادة من تجارب دول جنوب شرقي آسيا مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة. وبذلك هيأتْ دولة قطر لنفسها شروط النهضة (موارد بشرية/ حوكمة/ حسن استغلال الموارد المالية)، لذلك استطاعت أن تفتكّ موقعا ضمن الدول الراقية، فصارت قِبلة تهوي إليها أفئدة المستثمرين لكونها رقما في معادلة الاقتصاد العالمي لا يمكن القفز عليه.

بمرور الوقت بدأت الحوكمة السياسية تعطي ثمارها في مجالات عدّة، ومن مظاهرها النجاح في تأسيس شركات مالية واقتصادية كبرى توسّعت استثماراتها في العالم حتى صارت تنافس أعرق الشركات الغربية، لعل أبرزها شركة قطر للطيران التي تملأ شهرتها الأسماع والأبصار في القارات الخمس. كما نجحت دولة قطر في الدخول إلى معترك المجال الإعلامي، فرغم ضراوة المعركة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الساعية إلى إخضاع العالم لهيمنتها في إطار سياسة العولمة، فقد نجحت قناة الجزيرة القطرية في افتكاك مكانة عالمية ضمن المنابر الإعلامية الكبيرة، متحدّية بذلك هيمنة شركة CNN الأمريكية الداعمة للحركة الصهيونية العالمية.

ها هي دولة قطر تحقق نجاحا باهرا في تنظيم دورة 2022م لكأس العالم في كرة القدم، أثار إعجاب سكان المعمورة، رغم سعي إعلام فرنسا وبريطانيا وألمانيا المنافق إلى تشويه سمعة هذه الدورة بالأكاذيب والدعاية المغرضة، وبذرف دموع التماسيح على حقوق العمال الآسيويين. وتناسى هذا الإعلام المُخادِع أن معظم الشركات التي قامت بإنجاز الملاعب والبنية التحية في قطر، هي شركات أوروبية! لكن هيهات أن تنطلي هذه المغالطة على الرأي العام العالمي الذي شاهد عن كثب مدى نجاح الدورة. فمن لهم بإخفاء شمس ضوؤها متكامل كما قال الشاعر؟!

الجميل في هذه الدورة أيضا، أن دولة قطر قد نجحت في إظهار تمدّن راقٍ يشرّف العرب والمسلمين، من خلال حسن استقبال ملايين السياح، عملا بقول رسول الله (ص) “الدين المعاملة”، ومن خلال التصدّي – بالمعروف لا بالمنكر – لشطحات بعض الفرق الأوروبية الساعية إلى ترويج الانحلال الخلقي الغربي، ونجحت في تجسيد قيم الرياضة ذات البعد الإنساني كالمحبّة والوئام والسلم بين الشعوب.

هذا ومن فتوحات هذه الدورة، اكتشاف الصهاينة زيف التطبيع مع العرب، إذ عبّرت جميع الفرق المشاركة وجميع الجماهير العربية الحاضرة عن تعاطفها مع القضية الفلسطينية، وغزتْ الأعلام الفلسطينية الملاعب والشوارع.

وأخيرا جاء توشيح اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي الفائز بكأس العالم بالبُردة القطرية، كرسالة تعبّر عن نجاح قطر في تسويق الثقافة الشرقية بذكاء. فلله درّ العقول المنظِّمة لهذه الدورة التي هزمت النفاق الغربي! وجاز لنا أن نغبط قطر على نجاحها الباهر!

أملي أن يستخلص الآخرون من أهل الحل والعقد في البلاد العربية العبرة من المعجزة القطرية، التي استقطبت الكثير من مواردهم البشرية في مجالات عدّة. ومن نافلة القول التذكير بغنى الجزائر التي تملك ثروات مادية ومالية وبشرية نُحْسَد عليها، وهذه الخيرات في حاجة فقط إلى تأطيرها بمنظومة قويّة لتؤتي أُكُلها، وتجعلنا نرتقي إلى مصاف الدول المتقدمة، على غرار بلدان كثيرة كانت تعاني من معضلة الخلل السياسيّ. وفي انتظار الفرج من الله، لا يسعني إلاّ أن أضمّ صوتي إلى رسالة الأمل التي تركها لنا المرحوم فرحات عباس السياسي المحنّك، الواردة في كتابه الأخير، بعنوان: “غدا يوم جديد”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!