-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الشّيخ صالح كامل.. رئيس مجموعة البركة المصرفية:

“كان رجل أمّة”

“كان رجل أمّة”
ح.م

لقد فقدت الأمّة في الشّيخ صالح كامل واحدا من عظمائها وخيرة رجالها؛ جسّد بمبرّاته وجليل أعماله قيما سامية، عزّ مطلبها؛ وكان له من اسمه حظّ ونصيب. فقد يسّره الله للخيرات، وامتدّ عمره في الصّالحات؛ وسيمتدّ، إن شاء الله، في الأمّة أثره، ويطيب فيها ذكره. ولعلّ فيه، وفي أمثاله يصدق قول أمير الشّعراء أحمد شوقي، في نونيته:
دقّاتُ قلبِ المرءِ قائـلةٌ لهٌ * إنّ الحيـاةَ دقائقُ وثوان

فارفعْ لنفسكَ قبلَ موتِكَ ذِكْرَها * فالذِّكرُ للإنسانِ عُمْرٌ ثان

عرفت الشّيخ صالح، قبل أن ألقاه، من خلال قراءات عن سيرته؛ فعلمت أنّه كان، منذ مطلع شبابه، صاحب همّة عالية، وعزيمة ماضية. وإنّ رجلا، هذا شأنه، يبلغ بهمّته ما لا يبلغه الآخرون؛ ويدرك ما لا يدركون. وعرفته في السبعينات من القرن الماضي، في من لقيتهم من روّاد الصيرفة الإسلامية، في بنك دبي الإسلامي، وفي بيت التمويل الكويتي. ثم توثّقت علاقتنا في ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي، ابتداء من الندوة الرابعة في الجزائر، سنة ست وثمانين وتسعمائة وألف، إلى النّدوة الأربعين، سنة عشرين وألفين. وقد تضمّنت آخر رسالة وصلتني منه الدعوة إلى تقديم بحث في الندّوة التي انعقدت في الأسبوع الأول من شهر رمضان المنصرم؛ وأشرف على فعالياتها، عبر وسائل التواصل من بعد.

تُعدّ ندوات البركة من أجلّ أعماله؛ وإليه يعود الفضل الكبير في نجاحاتها المتعاقبة، وإنجازاتها الجليلة؛ مثلما كان له فضل السّبق، مع إخوانه الروّاد، في تطوير الصّناعة المالية الإسلامية، وتحويل مشروعها الحضاري، من مجرّد فكرة في الأذهان، إلى واقع تجسّد في الميدان. فقد انتفعت هذه المؤسسات بجهود العلماء الذين أثروا فعاليات الندوة، ببحوثهم القيّمة، واجتهاداتهم الموفّقة، وآرائهم السّديدة؛ مستعينين بالخبراء في مجال الاقتصاد وإدارة العمل المصرفي.

وممّا يسجّله التاريخ لندوات البركة أنّها كانت سبّاقة، منذ تأسيسها، إلى البحث والاجتهاد في النّوازل والمسائل المستجدّة؛ ولاسيما في مجال الاقتصاد والمعاملات المصرفية؛ وقدّمت، عبر السنين، خدمات جليلة للمؤسّسات المالية الإسلامية، عزّزت بها مسيرتها المباركة؛ وأصبحت بحوث الندوة وفتاواها مرجعا للمصارف الإسلامية، تستنير به، في خطواتها الجادّة نحو مستقبل مزدهر، بإذن الله.

كان الشّيخ صالح يقاسمنا الرؤية إلى مستقبل الصّيرفة الإسلامية الواعد؛ ويشاطرنا الأمل في أن تكون تطبيقا عمليا صادقا للاقتصاد الإسلامي، باعتباره منهجا متكاملا، ببعده الأخلاقي المتمّيز؛ ومن شأن الالتزام به أن يؤدّي إلى تحقيق الإنتاج الكافي والتوزيع العادل، وبناء مجتمع العدل والكفاية والتكافل.

لقد شهد النّاس كيف عمل الشّيخ صالح، دون هوادة، من أجل تطوير المالية الإسلامية، ودعم مؤسّساتها، لتكون البديل الميسور الذي يغني المسلمين عن المعاملات الربوية المحظورة؛ ولكي تحقق بها الأمّة تنميتها الشّاملة، بالسبل المشروعة.

كان يوجّه عناية كبرى للمهمّة المنوطة بهيئات الرقابة الشرعية، باعتبارها صمّام أمان للمؤسّسات المالية الإسلامية؛ يعصمها من الزلّل، ويحميها من القصور والخلّل. وكان يكرّر النداء، في ندوات البركة إلى هذه الهيئات؛ ويناشدها أن تحرص، باستمرار، على التأكّد من سلامة التطبيق لجميع العقود والمعاملات. كما دعاها في السنوات الأخيرة، إلى مراجعات من شأنها تصحيح ما قد يظهر من اختلالات؛ أداء للأمانة، وتعزيزا للثّقة، وتحقيقا للاستقلالية والمصداقية.

وكما عمل لترقية حياة الأمّة، بتحقيق الإنماء الاقتصادي، وجّه عناية كبرى لتشجيع البحث العلمي، والحثّ على الاجتهاد في المجال الشرعي.فقد أنشأ مركزا للاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر بالقاهرة؛ وأنفق عليه بسخاء؛ وكان ثمرته مئات الدراسات والبحوث والمؤلّفات، واكبت مسيرة المؤسّسات المالية الإسلامية؛ وأبرزت الصورة الناصعة للاقتصاد الإسلامي، باعتباره نظاما متمّيزا، يعكس بصدق صورة الإسلام، كنظام صالح لكل زمان ومكان.
وكانت مبرّته الأخرى: قناة “إقرأ”، التّي سدّت فراغا في مجال الإعلام الإسلامي، وأصبحت منارة للإعلام الهادف. ثمّ أتبعها بوقف “إقرأ للإنماء والتشغيل”؛ وأرصد في سبيله الأموال، ليكون له مع بقّية أعماله صدقات جارية لا ينقطع بها عمله إلى يوم الدّين، بإذن الله.

وقد كتب الله له أن يشهد الندوة الأربعين للاقتصاد الإسلامي، قبل وفاته بأيام؛ حيث تابع فعالياتها، من الافتتاح إلى الاختتام؛ كما كان عهده في جلّ الندّوات. وفي كلمة الاختتام، كانت وصيته بوقف “إقرأ”، و”ندّوة البركة”. ودعا في خطابه إلى العمل لتجديد فقه الأمّة، واجتهاد العلماء من أجل ذلك. وهذا الذي ما فتئنا ندعو إليه. فالشريعة إنّما تؤدّي وظيفتها، حينما يكون لها فقه حيّ ينظّم مصالح البشر باستمرار. وممّا لا ريب فيه أنّ سرّ بقاء الشريعة الخالدة يكمن في مرونتها وحيويتها، وتفاعلها ومواكبتها للتّغيّرات، ومراعاتها لتطوّرات الحياة.

هذا، ولا يفوتني في الختام، أن أشهد بما علمت عن الشّيخ صالح كامل، طيّب الله ثراه؛ ألا وهو حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآل بيته المطّهرين، وحبّ أهل الله من عباده الصّالحين. وإنّي لأسأل الله تعالى أن ينفعني وإياه بمحبّتهم، ويجعلنا معهم، بحبّنا إياهم؛ ويجمعنا بهم في مستقرّ رحمته، ودار كرامته، ومقام أوليائه، الّذين أنعم عليهم من النبيئين، والصّدّيقين، والشّهداء، والصّالحين؛ وحسن أولئك رفيقا.

رحم الله فقيد الأمّة، وتقبّله في عباده المتّقين، وأعلى درجته في الصّالحين؛ وجعل ما قدّمه للإسلام والمسلمين في صحائف أعماله وميزان حسناته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جلال

    هل أموال السوق الموازية حلال(أي غير ربوية) ولماذا سميت بالسوق الموازية لأنها لا تخضع للقانون وحركة رؤوس الأموال وبالتالي لا تساهم في المجهود التنموي للدولة وأكثرها تهرب ضريبي, هناك أناس يهرفون حتى وإن ادعوا الإختصاص بالصيرفة (الإسلامية) إن وجدت لأن القضية ليست في إطلاق كلمة (إسلامي ) حتى تهدأ النفوس وتطمئن القلوب.أما ما قيل ويقال عن الربا نفسه فيجب إعادة النظر فيه وتأصليه قر آنيا من المجامع الفقهية فليس كل ربح بنكي ربا فإذا أخذت ربح من البنك على أموالك المودعة فيه فمن المرابي أنت أم البنك؟ وإذ أقرضك البنك (بشروط) وأخذ فائدة معلومة فكيف يسيِّر شؤونه وعماله بدونها وما قيمتها بالنسبة لرجل أعمال

  • خليفة

    رحم الله جميع علماء الامة الاتقياء و العاملين بالكتاب و السنة ،و حفظ الله الاحياء منهم و جعلهم نبراس هداية للامة و كلل مجهوداتهم في خدمة دين الله و المصالح المشروعة للامة ، و نسال الله لنا و لهم ان يهدينا جميعا الى سواء السبيل ،و ان يرفع عنا هذا الوباء و البلاء و ان يردنا اليه ردا جميلا انه ولي ذلك و القادر عليه و صلى الله على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين.