-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كتاب جديد عن الشيخ عبد القادر الراشدي..

د. حسين بوبيدي
  • 702
  • 1
كتاب جديد عن الشيخ عبد القادر الراشدي..

صدر مؤخرا عن “دار خيال” كتابٌ بالغ الأهمية للدكتورة: نصيرة عزرودي يحمل عنوان: فهرسة الشيخ عبد القادر الراشدي (ت: 1194هـ/1780م)، يمدّ الباحثين في التاريخ الثقافي الجزائري بمادة مميزة، ترصد اهتمامات أعلام الجزائر في القرن 12هـ/18م، والعلوم التي كانوا يقبلون عليها، وتمكّن من بناء تصور عن انتقال المعارف وتداول المتون وتدريس الكتب في مختلف الفنون، وعن الرحلات العلمية والحواضر المقصودة في ذلك داخل الوطن وخارجه، ويعدّ هذا الكتاب امتدادا لتقاليد راسخة في تدوين العلماء لمسارهم العلمي.

من الأعلام الجزائريين الذين ألفوا في هذا المجال نذكر: محمد بن محمد الندرومي الكومي التلمساني (ت: بهد 875هـ/1374م) صاحب: غنيمة الوافد وبغية الطالب الماجد، ومحمد بن أحمد القسنطيني الشهير بالكماد (ت: 1116هـ/1704م) صاحب:الكناشة، وأحمد بن قاسم البوني (ت: 1139هـ/1726م) صاحب:الثبت.

هذا الكتاب الذي تخرجه الباحثة نصيرة عزرودي أستاذة التاريخ الوسيط بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، هو بالأساس تحقيق لمخطوط موجود بمخبر المخطوطات بذات الجامعة، كان ضمن مجموع تحت رقم: 553 يضمّ 5 عناوين، ونسخته سليمة وجيّدة، ويقع في 16 ورقة مسطرتها 25 سطرا، وقياسها: 16/7، وقد قدّمت الباحثة للتحقيق بمقدمة تعرّف بالعلامة عبد القادر الراشدي وكتابه، إذ اعتمدت على مختلف النصوص المصدرية التي حفظت لنا معلومات حول هذه الشخصية العلمية، بالإضافة إلى الدراسات المرجعية التي أرّخت له، أو حققت كتبه الأخرى؛ مثل كتاب الدكتور عبد الله حمادي الذي حقق كتابه: تحفة الخوان في تحريم الدخان.

تناولت مقدمة الكتاب تعريفا بكتب الفهارس والبرامج والثبت والأغراض التي ألفت لها، وقيمتها في كتابة التاريخ الثقافي، ومركزيتها في الكشف عن المنظومة المعرفية التي ينطلق منها العقل المسلم في المراحل المؤرخ لها، وأعطت أمثلة عن الكتابات في هذا الموضوع في المرحلتين الوسيطة والحديثة، وأبرزت أهمية الرحلة في طلب العلم وما ينتج عنها من تلاقح المعارف وحفظها، وما مثّلته الإجازات العلمية من إشهاد على التلقي والفهم والاستيعاب واستمرارية فكر الشيخ وعلمه من خلال طلبته.

في قسم الدراسة ترجمت المؤلفة للشيخ عبد القادر الراشدي أصيل منطقة الرواشد بميلة، والمنتسب أيضا إلى قسنطينة التي درَس ودرّس فيها واشتهر كأحد أبرز أعلامها في الفترة العثمانية، وذكرت المشايخ الذين تلقى عليهم العلم بالجزائر وتونس، بالإضافة إلى تلامذته؛ وفي مقدمتهم مفتي قسنطينة: القاضي محمد بن المسبح القسنطيني (ت: 1242هـ/1827م)، منبِّهة إلى شحِّ المادة المتعلقة بهذا الجانب من السيرة العلمية للراشدي.

عند حديث الكاتبة عن مؤلفات عبد القادر الراشدي سنكتشف قلمه السيّال، الذي كتب في مختلف الفنون، وشارك في الإجابة عن المشكلات والنوازل التي طرحت في زمنه؛ ومن أهمها قضية حكم الدخان التي كتب فيها بما يبرز “عقله الاجتهادي وروحه الابتكارية”، وقد اعتبرت الباحثة مؤلفاته المتنوعة برهانا على “أصالة فكره، وسعة فهمه، وبعد نظره، وتبحّره في علمي الكلام والأصول، بل وصل إلى درجة الاجتهاد” مستندة إلى الوصف الذي قدمه له الورتلاني في نزهة النظار باعتباره: “العلامة المحقق والفهّامة المدقق”، ووصفه أيضا بأنه: “قاضي الجماعة، النحويّ، المتكلم، الأصولي، المنطقي، البياني، المحدِّث، المفسِّر، صاحب الأبحاث الشريفة، والفوائد المنيفة”، وهذه التوصيفات كافية في تنوّع مشاربه وتخصّصاته ومؤلفاته.

عالجت الباحثة بعد ذلك مذهب الشيخ عبد القادر الراشدي مؤكدة أنه كان متبحِّرا في المذهبين الحنفي والمالكي، كما نجد أحد شيوخه من الشافعية، وباعتباره مجتهدا فقد كان يفتي بما يترجّح له، مع ملاحظة الحضور الكثيف للاستدلالات من كتابات المالكية في مؤلفاته، وبيّنت المؤلفة المناصب التي تولاها في قسنطينة، وفي مقدمتها القضاء والفتيا، وقد كان من الفقهاء الذين يستشيرهم الباي صالح باي، وفي جملة الذين طلب منهم تنظيم الأوقاف وبرامج الدراسة وتنشيط الحركة العلمية بالمدينة، وقد تولى مهمة التدريس في المدرسة الكتانية، ولم يكتف بذلك؛ بل شارك مجاهدا في صد عدوان الاسبان على الجزائر سنة: 1775م بالتحاقه بالجيش الذي سيَّره صالح باي للمساعدة في دفاع عن مدينة الجزائر، وقد خلّد هذا النصر في إحدى قصائده.

أكّدت المؤلفة أهمية الكتاب للباحثين والمهتمين بتاريخ الجزائر الثقافي، وقدّرت أن “الفهرسة التي جاءت في هذا المخطوط ذات قيمة تاريخية وفكرية وحضارية، تضاف لرصيد تاريخ مدينة قسنطينة خصوصا والجزائر عموما”، ولذلك أقول إنه كتابٌ حريّ أن يُضمَّ إلى مكتباتنا ويستفاد منه في بحوثنا ومؤلفاتنا، وحريٌّ بالإعلام نفض الغبار عن هذه الأسماء المنسية استنادا إلى تراثهم الذي يصدره الباحثون.

في سيّاق التعريف بعبد القادر الراشدي تبرز نصيرة عزرودي جهوده الإصلاحية في مواجهة البدع والخرافات والدروشة التي كانت منتشرة في مجتمعه، ورغم كل ما بذله فإن سيرته لم تخلُ من المنغِّصات، فتعرَّض لمحنة الاتهام بالتجسيم بسبب آرائه الكلامية في مبحث الصفات المتعلقة بالله تعالى، وقد اعتبرت المؤلفة ما اتهم به تحاملا يخفي الحسد والبغض، مستندة إلى دفاع الشيخ الورتلاني وتلميذه مرتضى الزبيدي عنه، منبهة إلى أن السبب الحقيقي لهذه المحنة قد يكون كتابه الذي تعرّض فيه إلى زيف بعض الأنساب الشريفية لبعض العائلات القسنطينية النافذة، وقد توفى عبد القادر الراشدي سنة: 1194هـ/1780م وتأسّف الناس لفقده وحزنوا عليه.

في قسم التحقيق يأخذنا الراشدي إلى سيرته العلمية إذ نتابع معه أنواع العلوم التي تلقاها والمشايخ الذين أخذ عنهم، وسلاسل التلقي من شيوخه إلى غاية المؤلفين الأصليين لهذه الكتابات، وقد استهلّ فهرسته بالحديث عن مشيخته الصوفية وإيراد سنده فيها، ويورد سنده في طريقة الذكر القادرية إلى الشيخ محيي الدين أبي محمد عبد القادر الجيلاني، والذي يسند طريقة تلقيه لمؤلفاته وصولا إليه، بالإضافة إلى كتب محيي الدين بن العربي الحاتمي، وكتاب دلائل الخيرات للجزولي، وضم الفهرس مشايخه في الفقه والأصول والحديث والنحو وعلم البيان، ويحضر ضمن كتب الحديث: صحيح البخاري، الموطأ، سنن أبي داوود، سنن النسائي، مسند الدارمي، سنن ابن ماجة، مسند أحمد وغيرها، ويلاحظ أنه أولى كتبَ السنة عنايةً خاصة إذ تمثل أسانيدها إليه نسبة هامة من الكتاب، والذي يتضمن أيضا استطرادات لطيفة نحو الشعر أو بعض الإشارات التاريخية مثل أسباب سقوط دولة الموحدين وبعض الثورات التي قامت على هذه الدولة.

ترِد في الفهرس العديد من المؤلفات الفقهية التي تلقاها المؤلف، والتي لا يمكن الإحاطة بها في هذا التعريف المختصر بالكتاب، وهي تكشف عن أهم الكتب المؤثرة والفاعلة والتي عليها مدار الدرس، مثل المدوّنة، والفروق للقرافي، ومؤلفات القاضي عياض، والخشني، والرصاع، والعز بن عبد السلام، والمنذري، والرضى الصاغاني، والقرطبي، والنووي، والبغوي، وفي الأصول ترد الإشارة إلى كتاب جمع الجوامع للسبكي، وشرحه للجلال المحلي وللعراقي، ومختصر ابن الحاجب، وفي النحو تحضر الأجرومية والألفية وغيرها.

تلخص المؤلفة منهج الشيخ عبد القادر الراشدي في فهرسته أنه “يبدأ مع الطبقة الأولى وهي طبقة شيوخه المباشرين، يقتصر في البداية على واحد منهم، حتى إذا انتهى من أسانيده مع هذا الشيخ عاد إلى أسانيد بقية شيوخه في نفس المصنف، ويكتفي بإيصال السند إلى حيث يلتقي مع السند المتقدم محيلا على تتمة في السابق، فثم يأتي بطبقة ثانية هي شيوخ شيخه فيحدد لكل واحد منهم الرواة الذين يتم الاتصال بهم”.

ونختم هذا المقال القصير بما ذكرته المؤلفة عن أهمية الكتاب للباحثين والمهتمين بتاريخ الجزائر الثقافي، إذ قدّرت أن “الفهرسة التي جاءت في هذا المخطوط ذات قيمة تاريخية وفكرية وحضارية، تضاف لرصيد تاريخ مدينة قسنطينة خصوصا والجزائر عموما”، ولذلك أقول إنه كتابٌ حريّ أن يُضمَّ إلى مكتباتنا ويستفاد منه في بحوثنا ومؤلفاتنا، وحريٌّ بالإعلام نفض الغبار عن هذه الأسماء المنسية استنادا إلى تراثهم الذي يصدره الباحثون من أمثال الدكتورة نصيرة عزرودي التي أخرجت لنا العديد من الكنوز الجزائرية المخطوطة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الهادي بلخيري

    لم أقرأ هذا الكتاب وأشكر كل باحث جزائري