-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كذبة العلم في يوم العلم

كذبة العلم في يوم العلم

بدعة سخيفة وفرية غير لطيفة تلك التي خرج بها علينا الغرب المبدع في شهر أبريل من كل سنة، وفي غيره من الشهور، لقد قنن لنا الغرب الكذب فجعل لنا يوما نكذب فيه على أنفسنا فيكذب الأخ على أخيه والأب على بنيه والمسؤول على ذويه، وكل ذلك باسم كذبة أو سمكة أول نيسان…

  • ولا يزال الغرب المبدع يتفنن في البدع؛ فقد اختزل عواطفنا في يوم من أيام السنة سماه “يوم الحب” وقدس من أيام السنة يوما نعظم فيه الجنس اللطيف أطلق عليه “يوم المرأة” وكذلك فعل مع الأم ومع العامل ومع أصناف أخرى من المجتمع.
  • وأيا كانت مقاصد علماء النفس وعلماء الاجتماع وفلاسفة الاديولوجيا في الغرب من تحكمهم في مشاعرنا وعواطفنا ونزواتنا فإن العبرة بالخواتم، والخواتم هنا هي تعويدنا ولو ليوم على الكذب، وعلى الحب، وعلى تقديس المرأة كأم وكشريكة حياة،  وتقبيل يد العامل بوصفه بانيا للوطن ومشيدا للحضارة.
  • وهكذا يسخر علماء الغرب علمهم لتقليص معنى القيم وتشويه معالمها والنأي بها عن أهدافها الشمولية النبيلة.
  • ويهمنا هنا أن نستلهم من بدع الغرب في شهر أبريل مكرمة حسنة هي من ابداعنا الأصيل المتحرر من آثار الغزو، وهي تخصيص يوم السادس عشر من أبريل يوما للعلم في الجزائر، وذلك تخليدا لوفاة العالم العامل بعلمه عبد الحميد بن باديس،
  • وإذا كان بعض الجزائريين من الخائضين مع الغرب في بدعه ونزواته يحلون لأنفسهم الإيقاع بالناس باسم سمكة أبريل ويضحكون عليهم تحت عنوان تقنين الكذب فيكبدونهم الخسائر ويعبثون لديهم بالمشاعر، إذا كان هذا يحدث كل سنة فتطفو آثاره على صفحات الإعلام، فإن المستنيرين من الجزائريين هم الذين طهروا شهر أبريل بالعلم من الكذب.
  • لقد جعل هؤلاء المستنيرين من شهر نيسان موعدا للنشاط العلمي تعقد فيه الندوات، وتلقى المحاضرات، وتفتح دور الثقافة والمكتبات.
  • سنة حسنة هي هذه التي دأبت عليها الجزائر في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين سيكون أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
  • وإذ تستوقفنا الذكرى بجلالها وجمالها فتربطنا بمن كانوا من علمائنا شموعا أضاءت ربوعنا المطرزة الحواشي بالظلم والظلام والجهل والجاهلية، وإذ تلهمنا مشاعر الوفاء لمن كانوا قدوة لنا في رسم طريق الخلاص والتحرر بالعلم، وبالجهاد القائم على الوعي، فإن هذه الذكرى كفيلة بأن تثير فينا بعض التساؤلات المشروعة ونحن نستعرض تاريخ الجزائر الثقافي والسياسي على ذبذبة ما بثه فينا العلماء الأعلام، ولعل من هذه الأسئلة نرسم الأسئلة التالية:
  • 1- هل وعينا -حقا- معنى العلم والاحتفاء به؟ إذا كان ذلك كذلك فلمَ لا تتبنى جامعاتنا ومراكز ثقافتنا ومنتدياتنا الإعلامية مهمة العناية بالعلم في شهر العلم فتستلم مشعله من أيدي المنظمات الشعبية وتخلصه من الطابع الفولكلوري الذي غالبا ما يطمس وجهه الصحيح لتضفي عليه الطابع المنهجي الذي ينتظم فيه كل الباحثين والجامعيين في شتى المجالات ومختلف الاختصاصات.
  • 2- لماذا لا تنتظم الوزارة المعنية بالعلم والثقافة في منظومة العلم في شهر نيسان فتخصص الجوائز التحفيزية لأحسن بحث وأنفع كتاب وأفضل مبدع وأجدى باحث.
  • 3- لماذا لا ترصد الميزانيات الخاصة لمخابر العلم ووحدات البحث وفرق التنقيب عن لآلئ الفكر وكنوز المعرفة، فتمد لهم يد التشجيع وتعلي من قيمة التراث الفكري والبشري لتدفع بعجلة البحث العلمي إلى الأمام.
  • فإذا كنا نعتني بثقافة الأفلام والأقدام فنقدم مكافأة ضخمة لكل من سجل هدفا في شباك الخصم، ونخلد مشهدا سينمائيا على خشبة المسرح وشاشة الفلم، لمَ لا نقتدي بذلك في ثقافة العقول والأقلام، فنقدم وساما رمزيا أو مبلغا نقديا، لكل من سجل هدفا في شباك العدو المشترك وهو الجهل فنحقق التوازن بين الملكات، ونحقق المساواة والعدالة بين مختلف القدرات والكفاءات؟
  • ففي فهمنا المتواضع أن يوم العلم، وإن كان يرمز إلى المبدأ الباديسي، يتجاوز في أبعاده المعلم التأسيسي إلى كل علم نافع رئيسي، وإلى كل مبدع وفاعل في حق المعرفة، بدءا بصاحب الفقه والعقيدة، وانتهاء بالطبيب وصاحب المشرط المغناطيسي.
  • إن ذكرى يوم العلم هي الفرصة التي تعود علينا كل سنة فتوقظ فينا روح الإرادة على تقويم وتقييم ما قطعنا من أشواط وخطوات في كل الميادين العلمية. وهي لحظة تأمل لمراجعة الذات حول ما تحقق، وحول ما بقي وما هو آت. إننا في ذكرى يوم العلم يجب أن نقيس قاماتنا ومدى شحذ إرادتنا بقامة ابن باديس وصحبه في مواجهة التحديات، والقدرة على التصدي لمختلف الغارات: فنشحذ في ضوء ذلك إرادتنا، لتحصين ذاتنا ضد مختلف الآفات المادية والاديولوجية، وأخطرها داء فقد المناعة الوطنية والحضارية، يجب أن يكون يوم العلم هو المهماز النفسي الذي يوقظ وعينا، لمراجعة منهجنا في التعامل مع العلم والعلماء، وقياس درجة الفاعلية في ما نملك من مؤسسات وضعت أساسا لخدمة الثقافة والمعرفة العلمية، وفي هذا المجال يحق لنا أن نتساءل بكل موضوعية:
  • هل الوفاء للروح العلمية لعلمائنا يكمن في مجرد تخصيص يوم من السنة للتعريف بآثارهم وتخليد مآثرهم؟
  • أليس من الوفاء لابن باديس وصحبه من العلماء أن تخلد أسماؤهم، بإطلاقها على الجامعات والمراكز العلمية، وما أكثرها؟ فمن أحق من العلماء بحمل الجامعات لأسماء الأعلام؟ أليس من عطب الذاكرة أن تفتقر الجامعات الجزائرية إلى حمل أي اسم من أسماء العلماء قديما وحديثا؟
  • ثم هل من الوفاء لابن باديس وللعلم أن تظل الجزائر خالية إلى اليوم وبعد عقود عديدة من الاستقلال من وجود مجمع علمي، أو أكاديمية علمية، أو مركز متميز للدراسات والبحوث الحقيقية؟ إننا نلتفت من حولنا فنجد بيت الحكمة في تونس، والأكاديمية الملكية في المغرب، في حين يشاع عن وجود مجمع اللغة العربية في الجزائر الفاقد لمقومات الحياة. أمن قلة في عدد ونوعية العلماء والباحثين في الجزائر؟ هل هو فقدان الإرادة السياسية؟ ومن المستفيد من فقد هذه الإرادة؟.
  • إن الجزائريين اليوم، والحمد لله، قد أثبتوا وجودهم في كل المجامع العلمية التي وجدوا فيها، فكيف يعترف بقدراتهم ذوو الاختصاصات العلمية في العالم وتنكر أحقيتهم بلادهم وهي أعرف البلدان بأبنائها؟.
  • إن التنمية التي نتغنى بها كل لا يتجزأ، وأن رأس التنمية هو العقل البشري، فمحال أن تتقدم صناعة أو تتطور فلاحة أو تفلح تجارة في غياب العلم والثقافة؛ ذلك لأن الثقافة هي الضامنة لسلامة التنمية في مختلف مجالاتها، وهي المعمقة لمعنى الانتماء لدى المواطن المؤتمن على التنمية، وبالتالي فهي الصاقلة للمواهب والموحدة للمذاهب والمحصنة لمكاسبنا ضد كل مفسد وكل ناهب.
  • فإذا كان مفكرو الايديولوجيا اليوم يؤكدون على ثلاثية مقدسة لصناعة الوعي التاريخي، وهي الهوية، والعقل، والحرية، فإن هذه الثلاثية هي التي أثبتت وجودها وقدرتها في ثورات التغيير التي هزت أركان الأنظمة في أكثر من مكان..
  • ولذلك فإن العناية بهذه الثلاثية ينبغي أن يكون هاجسنا الأول في تعميق دلالاتها، وتجسيد مقوماتها، واستباق أعراضها وتبعاتها، فهذا اليوم للعلم فرصة سانحة للقيام بعملية التغيير الذاتي الذي يستبق كل انفجار فيحصن الدار مما حل أو قد يحل بالجار فيقلل من الخسائر والأضرار..
  • ذلك أن منطق الأحداث يعلمنا أن كل تغيير سياسي لا يسبقه عمل علمي منظم سيكون مصيره كمصير من يكتب على الماء.
  • كما أن أي عمل في إسناد المسؤوليات لا يقوم على معايير علمية وموضوعية بعيدا عن كل العواطف الذاتية أيا كان نوعها لن يكتب له النجاح والدوام.
  • لقد أثبتت التجارب الماضية عندنا وعند غيرنا أن الإنجازات التي تحكمت فيها الأهواء ولم تخضع لمقاييس النزاهة والكفاءة والإخلاص هذه الشعارات التي لا تزال مظلومة عندنا قد تحطمت في أول امتحان كما يتحطم القصر المصنوع من سعف النخيل، والحقيقة أننا لم نمهد للبناء الوطني بوضع الأسس المضادة للزلازل المادية والمعنوية، وما هذه الأسس إلا اللبنات التي أقام عليها سلفنا الصالح، ومنهم علماؤنا، بناء الإنسان والمجتمع، ومن هذه الأسس على سبيل المثال:
  • 1- العناية بالتربية بعد التعليم؛ أي التربية بجميع أنواعها الخلقية والدينية والوطنية، لإيجاد التوازن المفقود لدى الجيل الناشئ.
  • 2تعميم هذه التربية بجميع أبعادها على كل مستويات التكوين، وعلى مختلف الاختصاصات الجامعية والمهنية والإدارية والتقنية.
  • 3- العناية بثقافة التخصص الإسلامية في كل ميدان، كأن ندخل الطب الإسلامي في كلية الطب والصيدلة والهندسة، الإسلامية في كلية الهندسة، وجهود الفيزيائيين والكيماويين المسلمين في كلية العلوم الدقيقة والإعلام الآلي والفيزياء والكيمياء والفلاحة وعلوم الأرض.
  • فهل يعقل أن نكون جامعيا في أي تخصص وفي جامعة عربية إسلامية وهو يجهل أبجديات الثقافة الإسلامية ولغة هذه الثقافة، في حين أنه مدعو لأن يعمل داخل مجتمع لغته العربية وعقيدته الإسلامية؟
  • يجب البدء -إذن- بإصلاح هذا الخلل المنهجي في منظومتنا التربوية والعلمية حتى نحصن أجيالنا من آفات الغلو والتطرف واليأس والإحباط والتي طالما أودت بشبابنا ومن خلاله مجتمعنا إلى ما لا تحمد عقباه.
  • هذه هي الدروس التي يجب أن نخرج بها من تخصيصنا ليوم العلم وتمجيدنا لعلمائنا الأجلاء في يوم ابن باديس فنغسل أفكارنا من بدعة العلم في يوم الكذب، ونصحح مفهومنا للعلم في يوم العلم.
  • وكما يقول الشاعر الجزائري الخالد محمد العيد:
  • أراك بلا جدوى تئن من الظلم              إلى العلم إن رمت النجاة إلى العلم
  • أما ما يبثه الغرب المبتدع باسم الحداثة من إشاعة الكذب في يوم الكذب فما هو إلا سراب، يؤذن لمن تبعه بالخراب، وإن في ذلك لعبرة لأولي الألباب كل في موقع مسؤوليته وعلى درجة علمه.
  • واللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • zoheir constantine

    استادنا الفاضل اني اقاسمك مشاعر الأسى على الحياة العلمية و الثقافية و الفكرية البائسة التي نعيش فيها في عصر مجتمعات المعرفة هده القيمة التي دحرجت عن قصد لتحتل مكانها القيم المادية المكتسبة بالطرق الملتوية كمعيار لمكانة الأفراد و العائلات في مجتمعنا ما ولد بيئة تتغدى على الغش و تنتج الغش في مظاهر مختلفة طالت حتى الجامعات و مراكز البحث رحم الله الصادقين الدين سوف يسألون عن صدقهم يوم تقام موازين الحق أما غيرهم فلا يلتفت اليهم يومئدن و لا يقام لهم وزنا

  • سفيان العربي أحمد

    نرجو من الدكتورعبد الرزاق قسوم المختص في الفلسفة لأن يكتب لنا مقالا يتحدث فيه عن الفلسفة ودورها في بناء الحضارة ، ويردفها بمقال عن موت الفلسفة في وطننا ، وما هي الطريقة الامثل لاحيائها ، وشكرا .

  • kemel

    لقد اصبح العرب يؤمنون بكل شيء والخوف ان يصل الامر الى الشرك بالله لان هذه البدع والخريفات كفر غير مباشر فاين الايمان بالله الواحد والدين الاسلامي المحرم لهذه البدع فنسأل الله ان يعيد هذه الامة الى دينها فهو دين الحق

  • serdouk

    ان ماجئت به ايها الاستاذ فعلا يعبر عن مشاعرنا ونظرتنا للثقافة في الجزائر فهدا حالنا اليوم لك الشكر الجزيل وهل هناك من يسمع اصواتنا.؟

  • saber

    merci

  • الجزائرية2011

    شكر لك على المقال