-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“كرسي أودان” والأستاذ حسن زلاسي

“كرسي أودان” والأستاذ حسن زلاسي

ظهر في صفحة الرأي لموقع صحيفة الشروق يوم 5 سبتمبر الجاري مقال للأستاذ محمد بوالروايح بعنوان “الباحث حسن زلاسي يتربع على كرسي الرياضيات” يذكر فيه أن الباحث الجزائري حسن زلاسي من جامعة الوادي افتك “جائزة كرسي الرياضيات موريس أودان لسنة 2022 التي يمنحها المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا لأحسن البحوث في الرياضيات”. وقد وردت في المقالة عديد النقاط تستحق التعقيب، سوف نكتفي بنقطة منها، بعد شكر الأستاذ محمد بوالروايح على إثارتها.

حقيقة “كرسي أودان”
ما حدث أن في عام 2020 قرر المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي والسفارة الفرنسية بالجزائر ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية “إنشاء كرسي للرياضيات تخليدا لذكرى موريس أودان”. وهذا يعني حسب النصوص الرسمية أنه “سيتم استضافة في مخبر فرنسي باحث رياضياتي ينتسب لمخبر بحث جزائري أو لجامعة جزائرية، وسيتم استضافة في مخبر أو جامعة جزائرية باحث رياضياتي ينتسب لمخبر فرنسي”. وكم مدة هذه الاستضافة؟ تستغرق إقامة الأستاذ الضيف شهرا كاملا، ويتقاضى أجر أستاذ البلد المُضيِّف خلال ذلك الشهر.
نشير بهذا الخصوص أن التقاليد المعمول بها في الجامعات الفرنسية أن كل جامعة تستضيف أساتذة من مختلف جامعات العالم كل سنة، ومنهم من ينزل ضيفا على الجامعة لمدة أسبوع أو شهر أو شهرين أو نصف سنة أو سنة كاملة، ويتقاضى خلال إقامته المرتب الذي يتقاضاه من له رتبته الأكاديمية في تلك الجامعة. وللحصول على هذه الاستضافة، ليس أبدا من الضروري أن يكون الضيف الزائر من عباقرة العلم أو من كباره، بل يكفي أن يكون مجال أبحاثه الدقيق قريبا جدا أو مطابقا لاختصاص الأستاذ الذي استضافه. كل ذلك ليتعاون الزائر مع مضيّفه وفريقه في مجال البحث وينشرون أوراقا بحثية مشتركة. هذا هو الساري المفعول في فرنسا وفي كل جامعات العالم المتقدم وحتى في بعض البلدان العربية… مع بعض الفوارق الطفيفة، مثل موضوع تذكرة السفر وتكاليف الإقامة، إلخ.
ونحن نعلم أن عددا معتبرا من الزملاء الجزائريين في جامعاتنا نزلوا ضيوفا ولا يزالون على جامعات فرنسية وغيرها، وهذا جاري به العمل منذ عقود في مختلف التخصصات. ولذا فإن “كرسي موريس أودان” يعدّ لا حدث من الناحية العلمية، وفي باب التعاون بين الزملاء في الداخل والخارج. وإنما لهذا “الكرسي” طابع سياسي أكثر منه علمي، فاسم موريس أودان صار مستغَلا سياسيا بشكل نراه يسيء إلى العلم بصفة عامة وإلى الرياضيات بصفة خاصة. نقول هذا لتوضيح أمر هذا “الكرسي”.

حسن زلاسي شاب لامع
إن سلبية رأينا في “كرسي أودان” لا يعني أبدا أن الشاب حسن زلاسي ليس في مستوى هذا “الكرسي” بل بالعكس، فنحن نراه يستحق أكثر من ذلك، إذ هو من ألمع ما لدينا من أساتذة الرياضيات في جامعاتنا، ونفاخر به، ونتمنى له المزيد من التألق. وحتى نطمئن زميلنا محمد بوالروايح، نروي هذه القصة الواقعية حول مسيرة الشاب حسن زلاسي:
كان عدد من الجامعيين من وادي سوف قد نظموا كعادتهم مدرسة صيفية رياضياتية في جويلية 2008 لفائدة تلاميذ وطلبة ولاية الوادي. وكان من بين المستفيدين من هذه المدرسة التلميذ حسن زلاسي الذي أنهى في ذلك التاريخ السنة الأولى من التعليم الثانوي، وكان سينتقل إلى السنة الثانية في سبتمبر 2008. وخلال أعمال الورشة المذكورة دار حديث حوله بين القائمين على المدرسة الصيفية من الجامعين لما عرفوا بأنه من اللامعين، وطُرح السؤال: لماذا لا نبذل جهدا لينتقل حسن إلى السنة الثالثة مباشرة والقفز على السنة الثانية؟
وهكذا تم في مطلع السنة الدراسية 2008/2009 الاتصال من قبل هؤلاء الأساتذة برئيس ديوان وزير التربية آنذاك، الأستاذ حسن لاغا، يعرضون عليه القضية ويلتمسون منه الموافقة على هذا الاقتراح في صالح حسن زلاسي. كان موقف رئيس الديوان إيجابيا حيث راسل مديرية التربية بالوادي يطلب فيها أن يبتّ في الأمر مجلس الأساتذة بالثانوية التي يدرس فيها حسن زلاسي. ولم يكن ينتظر أعضاء المجلس المذكور سوى هذا الضوء الأخضر للموافقة الرسمية. وانتقل حسن مباشرة إلى السنة الثالثة، وأجرى البكالوريا في جوان 2009 وكان ترتيبه (على ما أذكر) الثاني على مستوى الوطن! ولذلك اختارته وزارة التربية أن يكون من بين فريق التلاميذ الذين يمثلون البلاد في المنافسات الأولمبية في الرياضيات بألمانيا.
وقد واصل الشاب حسن زلاسي مسيرته الدراسية في جامعة الوادي، ثم جامعة باب الزوار، ثم في الخارج متفوّقا في كل دراسته. وعاد بعد إتمام دراسته إلى مسقط رأسه يفيد بعلمه أبناء بلاده خلافا لما فعله الكثير ممن كان لهم نفس المسار الدراسي. وهذا ما يحقّ له أن يفاخر به.

ويعاتبني الأستاذ بوالروايح..
يقول الأستاذ محمد بوالروايح بخصوص شدة نقدي للمسؤولين في البلاد: “لا أحبذ طريقته في النقد التي يركز فيها على انتقاد الوصاية أكثر من تركيزه على المتوّجين في كذا منافسة أولمبية… إن الإبداع في كل المجالات العلمية لا ينسب لفلان ولا لعلان وإنما ينسب للجزائر، فما لنا وللوزارة فلكل وظيفة يؤديها… إنني أهيب بالأستاذ أبو بكر سعد الله أن يلتفت إلى إبداعات باحثينا ويدع الوزارة وشأنها، فحسب أحدنا أن يجيد ويفيد في دائرة مسؤوليته لأنه في نهاية المطاف يسأل عما يفعل ولا يسأل عما يفعلون”.
أود أن أوضح أولا بعد شهادتي بكفاءة حسن زلاسي، أنه (خلافا لما ذكره الأستاذ بوالروايح) لم يتوّج في تلك المنافسات الأولمبية ولم يكن له البلاء الحسن. والدليل واضح إذ كانت مرتبة الجزائر 104 في تلك المنافسات لعام 2009 من بين 104 دول مشاركة (أي المرتبة الأخيرة)! ولهذا السبب أوقفت الوصاية مشاركتنا في أولمبياد الرياضيات خلال الفترة 2010-2014. وما سبب هذه الكارثة؟ السبب هو أن المشاركة في مثل هذه المنافسات تتطلب جهودا كبيرة تقوم بها الوصاية، نلخصها في 4 نقاط:
1) تختار الوصاية المتفوقين عبر البلاد بإجراء اختبار وطني، 2) تقوم بتدريب هؤلاء المتفوقين تدريبا خاصا يتكيّف مع متطلبات المنافسات المذكورة خلال عدة سنوات (على الأقل سنوات مرحلة التعليم الثانوي)، 3) القيام بتدريبات مكثفة تدوم ساعات لنخبة المتفوقين خلال سنة المنافسة، 4) قبل كل ذلك، تعيّن الوصاية مدربين عالميين لكل هذه العملية كما فعلت عام 2015.
على سبيل المثال، فالوصاية لم تقم عام 2009 سوى باختيار التلاميذ المتفوقين، ولم تلتفت إلى النقاط الثلاث الأخيرة معتقدةً أن التفوق وحده في الدراسة يضمن الحصول على الميداليات في المنافسات العالمية !! ولذلك رُتب المتفوق حسن زلاسي ورفاقه الأخيرين بين الوفود المشاركة! سؤال: من هو المتسبب في هذا الانزلاق يا أستاذ؟ أليست الوصاية التي لا تأخذ أمر المنافسات العلمية العالمية بجدية… وهي متمادية إلى اليوم؟
إنه ليندى جبيننا عندما نسمع مثلا، ونقرأ ونلاحظ أن سوريا التي تعاني الأمرّين جراء العنف والحروب منذ عشر سنوات، ومع ذلك ظلت واقفة وتدرب تلاميذها المتفوقين مئات الساعات سنويا، ويشاركون في كل المنافسات العلمية العالمية والإقليمية، ويحصدون فيها أجمل الميداليات. أما نحن، في وضعنا -الذي نُحسد عليه- نعجز في ترتيب أمورنا في هذا الباب، لتدريب تلاميذنا تدريبا يرفعون به راية البلاد في المنافسات العالمية.
أليس من حقنا بل من واجبنا، أيها الزميل المحترم، أن ندين هذا الإهمال من قبل الوصاية، بعد أن نندب حظنا؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!