-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
كلام حميم

كروش وقروش

محمد دحو
  • 8434
  • 12
كروش وقروش

أنا واحد ممن يلقبون في هذه البلاد بأصحاب (الشكارة)، جئت إلى عالم المال بالصدفة، لكني زحفت كالحية الرقطاء على الأخضر واليابس حتى وصلت، نعم وصلت إلى كل ما خططت له، بعد أن كسرت رأس كل صغير أو كبير، من المير إلى الوزير، وكنت إذا أعجزني أحدهم بالدينار، سلطت عليه الأورو أو الدولار، فإذا أبى وتمنع أطلقت عليه حسناوات الليل، وبنات الجامعة، فإذا هو بين يدي كالدمية أو أضعف من ذلك بكثير. فهل عرفتم الآن سر الشكارة وسحرها على العباد في هذه البلاد؟

لم أكمل دراستي الثانوية رغم حرص والدي على ذلك، وقد كسرت عصا الطاعة ومشيت في طريق آخر وجدته سهل المنال والفوائد، ولو سألتني عن السبب؟ لقلت إن الأمر بدأ مع سيجارة ثم تطور إلى أشياء أخرى كسرقة الأدوات المدرسية ومقتنيات المدرسة، ثم جاءت مرحلة سرقة دراهم المعلمين وجيوب المسافرين في الحافلات، ومحافظ النساء والهواتف والمحلات والسيارات، طبعا كانت السيجارة طعما لا يقاوم خاصة بعد اكتشاف متعة المخدرات والحشيش التي تطورت في ما بعد إلى عادة، ثم صارت إدمانا كان الواحد منا برغم صغر سنه مستعدا لأن يضرب بالسكين والحديد، وأن يقاتل من أجل تلك المتعة الكاذبة والتي حولتنا شيئا فشيئا إلى وحوش كاسرة.

كان التكتم سيد الجميع، السرية والعمل بالإشارات بين الجميع ممن انضم إلينا من بقية الأقسام الأخرى في الثانوية التي كنا ندرس بها، أو ممن كانوا يأتوننا زبائن ثم يتحولون إلى أعضاء في نادي المخدرات السري، أو بعض من كنا نبيعهم بضاعتنا في الملاعب والملاهي الليلية، ولا بأس أن أقول إن والدي كانا غائبين عن الدور الذي كنت أقوم في تلك المسرحية العجيبة، خاصة وأن حياتي بدأت تأخذ منعرجات أخرى لا يظهر فيها إلا الجانب المادي من العملية، بحيث أصبحت أسدد ديون إيجار البيت وأدفع فواتير الكهرباء، وأشتري سجائر لوالدي، وبعض الملابس لأمي وإخوتي، بعد أن زعمت لهم في البداية بأني وجدت عملا في أحد المقاهي الليلية يمكنني القيام به دون الانقطاع عن الدراسة، وظللت على تلك الحال إلى أن اكتشف أحد جيراننا مهنتي الحقيقية، فذهب بالخبر سريعا إلى عائلتي بالرغم من أنه كان هو الآخر يتعاطاها في السر، ومع نهاية العام الأخير في الثانوية كنت قد أصبحت من تجار المخدرات المحترفين، وأذكر أنني لم أتمالك نفسي من الضحك حين وصلتني ورقة آخر العام الدراسي موقعة من مديرها الموقر بأني مفصول من الدراسة نظرا لكثرة الغيابات المتكررة، لقد ضحكت كثيرا على غباء مدير ثانويتنا التي لطالما بعت فيها حشيشا ومخدرات ولم تكن تعرف من الأمر سوى أني كنت كثير الغياب، وربما كان هذا فقط ما يهمها من أمري وحالي.  

هذا هو أنا باختصار شديد، وهكذا كان فعل السيجارة الأولى التي كانت سما قتل شبابي وحيويتي وطاقتي، وأورثني بالرغم مني حب المال والجري وراءه ككلب مسعور من أجل كمية من الحشيش، أو حتى استخدام الصراصير والغراء والإبر وما لا يخطر على بال أحد من أجل إطفاء نار الإدمان الذي أخذني إلى عالم آخر بالصدفة، ولكن بالحب وبواسطة الحب أيضا، كان ذلك بعد أن تعرفت على إحدى طالبات الجامعة التي اكتشفت أنها كانت زميلتي في الثانوية، وأنها كانت تعرفني وتعرف كل شيء عني وعن أسرتي، وهكذا بدأنا، ثم وقع بيننا ما وقع، كان حبا عاصفا، وعاطفة مدمرة، ولكن الأهم من الحب كان نقطة التحول السريع من المخدرات، أو لنقل التخفيف منها خاصة وأنها كما أخبرتني تريد أن تخرجني من عالم الرذيلة إلى عالم الفضيلة، ضحكت للأمر في بدايته، لكن الله قدر لي تلك الزميلة القديمة لتخرجني حقا من فم التنين كما يقال، كان الحب بديلا عن المخدرات، وكانت العواطف الجياشة بديلا عن ذلك السم الزعاف ولواحقه، وحين قررنا الزواج كان مهرها فقط كما أرادت أن أبتعد عن عالم المخدرات، وقد فعلت بقوة وإرادة عجيبتين، وكان لها ما أرادت، لكن فرحتي لم تعمر طويلا، إذ فقدتها فجأة إثر عملية ولادة قيصرية في أحد المستشفيات، قيل لي إنها بسبب الإهمال الطبي، وقال البعض إنه الأجل، لقد ماتت تلك المرأة التي جاءتني فجأة واختفت فجأة، وقد تركت لي صبيا فشلت في تربيته، ومنذ ذلك الحين قررت أن أصبح رجلا غنيا إكراما لتلك المرأة التي عاهدتها على ترك عالم المخدرات الرخيص، لكني مع الأسف اكتشفت خطورة المال بين الناس في هذه البلاد، لذلك جعلت منه عصا أمام أصحاب الجاه والمناصب من المتجبرين والطغاة، أكسر به رؤوسهم، وأحطم به أنوفهم وأرمي بهم في الوحل، في البلديات والولايات، في الموانئ والمصانع، في شركات الغاز والنفط، في صناعة الطرق وتعبيدها، في استيراد الأدوية والسيارات، في شركات الماء وبيع اللحوم، واستيراد القهوة والشاي والسكر والخشب والإسمنت والموز وأضاحي العيد واللحوم المجمدة، وفي القروض البنكية، بل وحتى في استخراج رخص السياقة، وشهادات الميلاد، وجواز السفر، وفي الحصول على مناصب عليا أو دنيا، وفي الانتخابات، وفي الوزارات والمهمات، والعلاج في الخارج، أليس المال يصنع طريقا في البحر؟ نعم ويصنع العجب العجاب، وقد جربت (الشكارة) وأدركت قوتها وفعلها، وكان زبائني يأكلون كل ما يجدون وما يلقمون، ثم هم يأكلونها كما تأكل الحمير حشائش البرسيم في ليال الصيف، فتكبر كروشهم، وتكثر قروشهم، ولكن إلى أين؟ ولله في خلقه شؤون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • farah

    Histoire chaba, bessah wach nsit tkoul beli kayan nass bechkayar kima essayad taa had lhkaya, ila man rahima rabi

  • samir

    waaaaaaaaaaaaw une belllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllllle histoire

  • hacene

    bravo

  • عبد السلام

    مع كل احترامى لك الا اننى اخاف ان تكون فعلا فعلتها فى ثانوية محمد ركايزي بحجوط حيث كنت تدرس وتسحرنا بين الحين والاخر باحدى روائعك الشعرية تسحرنا ..... تخدرنا

  • عمار الميلي

    شكرا استاذ والله ابحرت معك في هذه القصة طويلا كما لو انك البطل الحقيقي فيها لمن لايعرفك حقا يقول الاستاذ دحو صاحب شكارة والحقيقة كتاباتك تكشفك ماذا لو قلت لك استاذي هل كنت تريد ان تكون من اصحاب الشكارة في يوم من الايام ، هل كان حب الافلام الهندية يؤثر في الاستاذ لدرجة انه تمنى يوما ان يكون بطل احدى قصصها
    شكرا سيدي تقمصت الشخصية بكل جدارة واستحقاق في انتظار الجديد
    اسمحلي ان استنسخ هذه الاسطر في منتداي وبعض المنتديات التي اشارك فيها .

  • Riad

    السلام عليكم:

    لقد نسيت أن تضيف شيئا في هذه القصة الجميلة يا أستاذ دحو بأن صاحب الشكارة كلامه حلو حتى ولو تكلم عيبا...و الناس تسعى له سعيا حتى ولو كان في أقصى البلاد...كم من رجل جعلته الشكارة يزحف مثل الأفاعى...و يلهث ماشيا مثل الكلب...يطوف العالم كله من أجل لقائهم...و في الأخير لا ينال منهم إلاّ الفتات...و مضيعة الأوقات...الرزق من الله.

  • الأخضر

    في هذه البلا د إختلط الحابل بالنابل و أصبحنا عاجزين عن كتابة جملة صحيحة و مفيدة و نتعجب من كل شيء و من لا شيء؟؟

  • حمزة

    برافواااااااااااااااااااااااااااااا

  • كندا

    أنت تتقمص الشخصية بشكل رائع،حفظ الله ذلك القلم.

  • yacine

    zid ahkilna haha
    ya3tik elsah belle histoir

  • wissam

    من الشجاعة ان يعترف الشخص بخطئه، و من الدكاء ان يعتبر من هو في نفس الطريق

  • djamel eddine

    منين جبت هذا الحكاية راك حيرتنى يا استاذ دحو