الرأي

كسكس بلحم الخنزير!

بالرغم من أن الحكومات الجزائرية المتعاقبة على مدار عقود، قد خذلت المواطنين وجعلتهم رهينة حاويات القمح القادمة من بلاد العالم، فعجزت الجزائر عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح اللين، بالرغم من أنه مصدر كل أطباق الجزائريين التقليدية التي يحتفلون بها في أعيادهم وأعراسهم ويفتخرون، من رغيف وكسكس، وهي أكلاتٌ تكاد تبلغ درجة التقديس لدى الجزائريين الذين تعوّدوا على رفع قطعة “الكسرة” من الأرض وتقبيلها ووضعها في مكان آمن، وقد تجد السمك واللحوم والفاكهة والخضر مرمية مع القاذورات ولن تجد أبدا الكسكس.

اتفق الجزائريون على قراءة معنوية عميقة في قضية العثور على جثة خنزير متعفنة داخل شحنة قمح ليّن قادمة من فرنسا، فلو كانت بضاعة أخرى غير القمح لهان الأمر، ولو كان حيوانا آخر غير الخنزير ما أثار ضجة، بل لو كان قمحا صلبا أي المخصص للمعكرونة ومشتقاتها وليس الليّن المخصص للخبز والطحين لما أصابهم في الصميم، ولكن الصورة كانت قاتمة، بل إنها مسّت الكرامة والشرف والقدسية.

ويُجمع الجزائريون على أن المساس بطبق الكسكس هو جالبٌ للعنة، إلى درجة أن زلزالا هزّ إحدى المدن الجزائرية  في 1954 تم تبريرُه بلعنة السماء بسبب قيام بعض الناس بسقي الكسكس بمرق مُصنّع من الخمر، وهو ما جعل شاعر الثورة مفدي زكرياء، يقرن قوة الزلزال بقوة الإثم في قوله:

هو الإثم زلل زلزالها

فزلزلت الأرض زلزالها

ألا إن إبليس أوحى لكم

ألا إن ربك أوحى لها

وفي ديوانه الشهير “اللهب المقدس” قال مفدي زكرياء إن الله زلزل الأرض، لأن بعضا من الناس سقى طعام الجزائريين المقدس وهو الكسكس بأم الخبائث في إحدى الولائم، فجاء الرد عبر زلزال من سبع درجات على سلم ريشتر قضى فيه قرابة ألفي شخص غالبيتهم من المعمِّرين الفرنسيين.

في قضية القمح الليِّن والخنزير المتعفن القادم من فرنسا، ظهرت أصواتٌ جديدة وهجينة راحت تقدِّم كالعادة الحلول البديلة والجاهزة من خلال عرض أسواق جديدة في أذربيجان وكندا وروسيا تبيع القمح حسبها بأقل سعر وأيضا من دون جثث للخنازير، وهي بذلك تستبدل القيود والأيدي التي تعطينا السمكة من دون أن تدعو إلى تعلُّم الصيد، فمن غير المعقول أن تبقى العاطفة تسيّرنا فيربح غيرُنا ونخسر على طول الخط، عندما نستبدل الأفلام والمسلسلات الأمريكية بالتركية، ونستبدل الدواء البريطاني بالهندي، والسيارات الفرنسية بالكورية، وحتى القمح الليّن الذي نصنع منه كسرتنا بآخر قادم من أذربيجان، ولا نسمع صيحة في هذا الوادي الجارف، تدعو إلى مشروع أمة مزلزل نقدّس فيه فعلا الكسكس عندما نقدّس أرضنا فنسقيها بعرقنا ونجني قمحها، وحينها لن تعلن وزارة الفلاحة ولا التجارة في “عنترية” بأنها ردّت الباخرة من حيث أتت، وكلنا نعلم بأن بواخر أخرى لمواد أخرى وما أكثرها قد دخلت وستدخل.

مقالات ذات صلة