الرأي

كليتو لبلاد يا السراقين!

قادة بن عمار
  • 2490
  • 9
ح.م

مع صدور الأحكام القضائية بالسجن النافذ ضدّ عدد من كبار المسؤولين في عهد بوتفليقة، تتبادر إلى الأذهان تلك الشعارات الرنّانة والسياسات الكاذبة التي بقينا زمنا طويلا ونحن نسمعها، عن ضرورة الإصلاح ومكافحة الفساد، وكيف ضيّع هؤلاء على البلاد والعباد فرصا كثيرة من أجل الرقي والتطور، حيث تفننوا في نهب المال العام بدلا من صرفه في مكانه الطبيعي.

لم يسرق أحمد أويحيى وعبد المالك سلال ومن معهما، مال الجزائريين فحسب، بل سرقوا أحلام جيل بأكمله، وبدَّدوا عمرا كاملا يصعب تعويضه، لذلك فإن الأحكام وإن احترمت النصوص القانونية التي استندت إليها، فهي لن تشفي غليل الملايين، ممن يعتقدون، وهم على حق، أن هؤلاء المسؤولين يستحقون العقوبات القصوى جراء ما ارتكبوه من خيانة للأمانة أولا، ثم ما اقترفوه من تضخيم للفواتير ونهب للملايير، زيادة عن توزيع فاضح للامتيازات والمشاريع على ذوي القربى والمعارف.

الغريب أن هؤلاء استعملوا في السنوات الأخيرة شعار “التقشف” زورا وبهتانا، داعين من خلاله الجزائريين إلى شدّ الحزام من أجل تغطية فسادهم الذي تجاوز حتى المخطط له، بدليل أن رجال المال والأعمال الذين تم تقريبهم من مراكز صناعة القرار، باتوا بعد فترة، صنَّاعه الأوائل، فوضعوا أيديهم على خيرات البلاد عنوة، وصادروا سمعتها كما حاولوا رهن مستقبلها من خلال ضخ مزيد من الملايير في العهدة الخامسة، لولا الحَراك المبارك الذي قطع الطريق على هؤلاء وجعلهم يفرُّون بمالهم ومصالحهم عن السلطة حينا، ثم يحاولون الفرار من الحساب والعقاب مرة ثانية، لكن هيهات!

كان هؤلاء يوهمون الشعب بالتقشف وضرورة الصمود في وجه الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، فيما كانوا هم يفتحون الحسابات البنكية، الواحد بعد الآخر، في الداخل والخارج، ويوزعون المشاريع لأصدقائهم وأبنائهم وزوجاتهم، علما أن كل وزير من هؤلاء كان وما يزال يكلف الخزينة العمومية أزيد من 200 مليون سنتيم شهريا، بين صرف راتبه والحصول على امتيازات الإقامة من خدم وحشم، ودفاتر وقود وسيارات وطقم حراسة، ثم بعد ذلك، يخصص جهده ووقته ومنصبه للفساد والنهب واستعمال النفوذ.

المحاكمات أثبتت أيضا أن براعة هؤلاء اقتصرت على ممارسة الفساد وفقط، بل إنهم يفتقدون إلى الكفاءة في التسيير، بدليل تورُّط بعض الوزراء ممن تولوا حقيبة الصناعة في ملفات الاستثمار، وتماديهم في تطويع القوانين من أجل المصلحة الخاصة، إلى درجة تم فيها بناء اقتصاد على المقاس، تماما مثلما تم تخييط دستور على المقاس، ومحاولة مصادرة الإرادة الشعبية بتولية بوتفليقة مقاليد الحكم دون خوفٍ من الله ولا أدنى اعتبار للأخلاق.

ما فعه أويحيى ومن معه قبل المحاكمة، يدلّ على أنهم لم يراعوا أي عاقبة لمثل هذا اليوم أو لم يفترضوا وقوعه تحت أي ظرفٍ كان، ربما لأنهم راهنوا على طيبة الشعب الجزائري وعدم رغبته في الوقوع مرة أخرى في فتنة الانقسام الداخلي، لكن الفساد تجاوز كل الخطوط الحُمر وكان لابد من حَراك قوي، يرفع شعار “كليتو لبلاد يا السراقين”، ومن عدالةٍ يريدها الجميع مستقلة على طول الخط، من أجل فتح المزيد من الملفات ومحاسبة المتورطين، كل المتورطين.

مقالات ذات صلة