-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كنفدرالية أرباب العمل والعطلة الأسبوعية

كنفدرالية أرباب العمل والعطلة الأسبوعية
ح.م

قرأت على صفحات جريدة الشروق العنوان التالي: (رجال أعمال يودعون طلبا رسميا لدى الحكومة من أجل تغيير يوم العطلة بحجة خسائر الموانئ والبنوك..) يوم الخميس 11/03/2021م الموافق 27/رجب/1442هـ، عدد 6739، ص 5. حيث يقول كاتب المقال: ((..وطالبت الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين والحكومة باعتماد رسمي ليومي السبت والأحد كعطلة نهاية الأسبوع لتقليص الخسائر..) وكل مسلم صادق يتبرأ من عبارة (أرباب)، لأنها توحي بالاستعلاء والاستكبار والجبروت والطغيان.. لأن فلسفة المال في الإسلام هي مجرد استخلاف عليه في الحياة الدنيا يأتي بطرقه المشروعة، ويُصرف عبر قنواته ومنافذه المشروعة.. ولذا أطلب في بلد مسلم أن تُحذف هذه العبارة (أرباب) وتُستبدل بعبارة (أصحاب، مديرو، مسيِّرو..)، ولأنه اسمٌ لا يوحي فقط بالربوبية التي هي لله، فالرب هو الخالق والرازق والمحيي والمميت والرافع والخافض.. كما أن هذه العبارة تُوحي أيضا بالذكورية، لأن ثمة نساء مديرات لمؤسسات.

ولكم شعرت بالدهشة والذهول والألم كيف خوّلت الكنفدرالية لنفسها أن تبتَّ وتتكلم في قضايا الهوية المصيرية، وتتحدث على لسان الأمة وتطلب ما يخالف هويتها، كما شعرت برائحة المؤامرة والكيد من جهة خفية تتستر وراء هذه المنظمة التي يُفترض فيها أنها تعمل على ترقية الأمة الجزائرية، وليس تحطيم معالم هويتها خلف شعارات التنمية والاقتصاد، وتبا لاقتصاد يعادي يوم الجمعة الذي هو عيد المسلمين والمسمى باسمه في القرآن سورة تسمى (الجمعة) وفيها شروط ومواصفات التمتع بهذا اليوم.

وكما تبين لي أن طلبها هذا تهدف به إلى الضغط على الحكومة لإرغامها على القبول بكثير من التنازلات، ومن ثَمَ وضعها في موضع المتهم والضعيف أمام أعين الشعب والمعارضة والموالاة، وتصويرها بصورة الشخص غير الأمين على الحفاظ على هوية الأمة. وبحسب قراءاتي السياسية لهذا الطلب القديم الجديد، الذي تقدَّم به أشباه هؤلاء في عهد نظام العهدات الأربع الماضية وبنفس الحجج الواهية التي تتصدر طلبهم، وهي خسارة أيام من العمل والتعاملات الاقتصادية والمالية والتجارية ونحوها.. ورفض طلبهم في المرات الماضية لتحويل يومي الخميس والجمعة إلى السبت والأحد، وخُفّف الإجراء ليصير يومي الجمعة والسبت، على مبدأ (خذ ليصير حقا)، و(طالب بالباقي ليصير حقا)، ورفض يومها الرئيس السابق تحويل يومي العطلة الأسبوعية إلى يومي السبت والأحد، وخفَّف الأمر على الصورة التي ترون بالجمعة والسبت.

ولأنه وكما يقول المثل العربي (إن وراء الأكمة ما وراءها)، ولأن الأمر لا يتعلق فقط بالطابع الاقتصادي البحت والبريء للطلب، ولأن المسألة يجب أن لا تمرَّ بهذه السهولة، إذ أحكم الاستئصال اليوم وأعداء الأمة الطوق على أموال الأمة وعقاراتها وأراضيها وثرواتها باسم التشغيل والتنمية والنهضة والحد من الاستيراد والقضاء على البطالة وتنشيط مشاريع الاستثمار الذي قوامه أموال الأمة من البنوك وأراضي الأمة والشعب الجزائري.. وتستروا اليوم –كما البارحة- وراء الاقتصاد الريعي والبترولي المنهار، ولتبدو المسألة في ثوبها البريء المدعم بحماية الاقتصاد والثروة ودفع عجلة التنمية..  ولندخل في أتون المعركة الخفية التي يرفعها التيار الاستئصالي والمعادي للهوية الوطنية من باب الاقتصاد والمعاملات التجارية والمالية.. ليس ضدَّ السلطة القائمة فحسب، بل ضد الشعب وماضيه وحاضره ومستقبله..

والحقيقة غير هذا كله البتة، وسأضع في تحليلي ونصب عيني دور ووظيفة الجهات التآمرية الخفية، وتقاسمها الأدوار مع هذه الجهات البارزة في عالم الاقتصاد، ليبدو الأمر عاديا وطبيعيا، وأنه يسير وفق الأطر المرسومة له لمشروع وورقة خطة الجزائر الجديدة، وأن تقديم الطلب لا يعدو أن يكون أمرا تقنيا بحتا، لا علاقة له بالكشف عن توجُّهات ومقاصد وأهداف تلك الجهات التآمرية الخفية، التي لا تكف عن صناعة ووضع المشاكل والعراقيل في وجه السلطة القائمة، فإن فشلت في مجال داخلي عملت على المستوى الخارجي، وهكذا لعبة ترويع وإفشال الجزائر الجديدة وشغلها بالمطالب غير المناسبة في وقت الاسترخاء.

وأعتقد أن على السلطة أن تعي جيدا حجم المؤامرة لاعتبارات كثيرة، ولاسيما أنها على أبواب انتخابات وتشريعات واستحقاقات قادمة، ليس من صالحها الارتماء تحت ضغط كنفدرالية أرباب العمل ومن يقف ويصطف خلفها، ممن لفظهم الحَراك، وممن حاولوا تزعم الحراك وقيادته، وممن حاول رفع شعار المعارضة الخارجية، وممن بقي وفيا للدولة العميقة من أرباب الفساد ومن تحلّق وتجمَّع حولهم من فتات وغبار المفسدين والفاسدين، الذين ينتظرون الفرص النادرة لتأجيج لهيب الصدام، وشق صفوف الجبهة الداخلية، التي تحتاجها السلطة اليوم في استحقاقاتها القادمة.. وتكتيف أيدي السلطة ومنعها من المناورة والحركة.. ومن أصحاب المرحلة الانتقالية والمجلس الانتقالي..

والسلطة أدرى بنيّات وضع هذا الطلب في مثل هذه الأوضاع الهشة والظروف غير المناسبة وغير المواتية للتلاعب بالمكتسبات المحصل عليها في مجال الهوية، وإلاّ ستجد نفسها في موضع المتراجع عن قيم وثوابت الأمة، ولو افترضنا براءة وصدق ووطنية مقدِّمي هذا الطلب.. وجهلهم بتأثير قضايا الهوية في أعماق الشعب الجزائري.. لأن الشعب الجزائري سيفهم مباشرة ومن غير أدنى تفكير أنها عملية تآمرية منظمة تقودها تياراتٌ استئصالية خفية فشلت في قيادة الحَراك وفرض المرحلة الانتقالية.. ليصير هدفها جني المزيد من الأرباح والنقاط على حساب السلطة والشعب المسكين الذي يخضع لضغوط الحياة اليومية التي عجزت السلطة عن حلها في ميدان حياته، وبالتالي ستكون ردة فعله غير منتظرة في هذه الظروف العصيبة.. على السلطة إحالتها لبرلمان الأمة القادم، لأن من يريد تغيير قانون يجب عليه أن يتقدم وفق الطرق القانونية المتعارف عليها وفق قوانين الجمهورية، ليُصدر البرلمان قانونا جديدا حولها.. ولا يتم الأمر بتقديم طلب للحكومة كما فعلت هذه الكنفدرالية.

وفي حالة قبول السلطة هذا الطلب غير القانوني ستجد نفسها في وضع لا تُحسد عليه لو انصاعت دون تفكير أو استشارة أ و استفتاء شعبي أو برلماني حيال مسائل الهوية للكنفدرالية، التي ستصير لعبة بين أيدي القوى الخفية في الجزائر.. الوفية لتحقيق ضغوط القوى الحاقدة على الجزائر وشعبها الأبيّ لأنه يساند الشعوب المقهورة (فلسطين، الصحراء الغربية).

وفي سياق الحديث عن الكنفدرالية، أحب أن أروي واقعة جرت معي الصيف الماضي حينما التقيت مع مجموعة من (أرباب العمل) على طاولة عشاء في أحد أفخم المطاعم في الجزائر العاصمة، وأرادوا فقط أن يتسلوا بالحديث مع مثقف مطَّلع على الدين والتاريخ فقط، فكنتُ معهم أستمع، ولم أخض سوى في تخصُّصي، غير أني قلت لهم جملتين في الاقتصاد لما سمعتهم يتحدثون بلغةٍ لصوصية واحتيالية عن الاستثمار والمستثمرين، والمستثمِر الفلاني ماذا صنع؟ وكنت أحسب سابقا أن الاستثمار غير ذلك، لكوني قرأتُ تجارب رجال المال والأعمال الغربيين الحقيقيين (روكفلر، مردوخ، فورد، روتشيلد، بيل غيتس..) ومفاد جملي التي حتمت مكانتي الدينية أن أقولها عملا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلمة حق عند سلطان جائر) وهؤلاء جاروا وعدوا على أموال وأراضي الشعب وكانت كالتالي: ((قلت لهم: المال تأتون به من البنوك. والأراضي من ملك الشعب الجزائري، ولا تدفعون شيئا من جيوبكم، فماذا تقدِّمون سوى ملفات أغلبها كذب واحتيال ولصوصية على أموال الأمة ومستقبلها واستيراد وتضخيم فواتير ورشاوى وعدم تصريح..؟))، وهناك اربدَّ الجو واكفهرّ المجلس وصمت الجميع، وأحس مضيفي أنني فجَّرت المجلس فغيَّر الحديث، ثم اعتذر وقمت معه ولم أنبس ببنت شفة..

وفي ختام هذا المقال أودُّ أن أقول إننا خضنا معركة كبيرة قبل ثلاثين سنة مع مثل هذا الطلب في داخل الجزائر وخارجها، واقرأوا ما كتبته على صفحات الشروق حول (البُعد الحضاري والديني لأيام العطلة الأسبوعية)، وأخيرا أتمنى أن يتشجَّع (الأرباب) ويكتبوا لنا مذكراتهم وكيف بنوا ثروتهم، ومراحل حياتهم حتى صاروا أغنياء بجهدهم وعرقهم وكدهم، ليكونوا أنموذجا حيا للشباب وللأمة، ولنفتخر بهم أمام العالم.. أعتقد أنه لن يستطيع أحدٌ أن يكتب مساره الثرواتي، لأن أهل كل بلدة يعرفون أغنياء بلدتهم منذ عهد الاستعمار إلى الاستقلال إلى اليوم.. ويعرفون كل واحد كيف جمع ثروته وصار غنيا؟ أللهم اشهد أني بلغت..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • الناصح الأمين

    أين هي مناطق الظل التي وعدتم بالنهوض بها رفقة الإدارة؟؟؟ لعلمكم مازال الكثير من ارباب العمل يقدم ملفا للاستثمار كي يحصل على رخصة الاستيراد ثم يستورد السلعة ويعيد بيعها لمن بمتلكون المصانع من المنتجين الحقيقيين... هذا هو عين النهوض بالاقتصاد الوطني.. تحققوا من هذا النزيف الذي مازال يسرق العملة الصعبة باسم الاستثمار الكاذب؟؟؟

  • المقنع الكندي

    وأين هي كنفدرالية ارباب العمل من أزمة الأوكسجين وباقي الأزمات التي عصفت بالأمة الجزائرية ؟؟؟؟...

  • محمد

    أنا أقول شيئا لهِؤلاء أنني أتحداهم أن يستثمروا أموالهم عند أمهم فافا لأنهم لن يجرءوا لأنها سوف تسلخهم بالضرائب والتي لن يجرؤا حتى التفكير في التهرب منها كما يفعلون في بلدهم التي تعطيهم الأرض باطل و التسهيلات المختلفة عيب أن يصرح وزير المالية أن 45 بالمئة من جباية الدولة من الموظفين و العمال الغلابة

  • مع سهيلة فرصة سعيدة

    كما حدثتنا استاذ ان كانت زوجتك تحظى بخدمة مجانية فلآن تغيرت الاوضاع وحان للجيل ان يعترف لجيل تأخر في رفع رسوم ومستحقات الانجازات التي قمت بها فالصراع على الدينار والدرهم منذ الازل تعيشون في ظله

  • سهيل

    لا أعتقد انا كلمة ارباب العمل هنا يراد بها الكبر والاستعلاء او مضاهاة منزلة الربوبية لله عز وجل ولكن من باب التوصيف لا غير ربما كلمة السيد هي المنهي عنها في الاسلام لقول رسول الله " لا تقولوا للمنافق سيد ..." اما كلمة رب فالله عز وجل ذكر في قصة سيدنا يوسف " وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٍۢ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيْطَٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِى ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ "
    فليس هذا من ربوبية العبادة ، بل هو من ربوبية الملك والتصرف...قال العلماء : لا يطلق الرب بالألف واللام ، إلا على الله تعالى خاصة ، فأما مع الإضافة فيقال : رب العمل . رب المال ..

  • مواطن

    إن محاولة ربط تدهور أداء الاقتصاد الوطني - و مهما كانت طبيعة و حجم هذا الربط - بكون العطلة الأسبوعية
    تقع يوم الجمعة بدل الأحد هو كمحاولة إخوة يوسف اتهام الذئب بأكل يوسف. و عطلة يوم الجمعة بريئة من أي مس سلبي بالاقتصاد براءة الذئب من دم يوسف. على العكس تماما فإن راحة المسلم يوم الجمعة و أداؤه لفروضها و سننها و منها الغسل و قراءة سورة الكهف و كثرة الصلاة على النبيء و اغتنامه من بركتها و بركة دعائها هي شحنة و نور لأسبوع مقبل من الجد و العمل.

  • المنصدم

    و هل سورة الجمعة تدعوك للكسل و الخمول و النوم في هذا اليوم العظيم الذي هو أيضا يوم عيد للمسلمين. أعد قراءتها و افهم معناها و اتقي الله في نوايا الناس. لا يعلم ما في الصدور إلا الله عز و جل.

  • روبن هود

    لما تواصلت معهم وكانوا معك كالطيور الاليفة حتى انتفضت صاروا امام اعين الديدان مثلنا نسورا و خفافيش تصطاد اجيال بعد اجيال عمال وموظفين

  • روبن وهود

    انت تطبق نظرية انا معك حتى اصبح ثريا اطعنك في ظهرك واتجولةفي الغابةمع الفقراء