الرأي

كورونا.. هل يُفقِد أمريكا ريادتها العالمية؟

حسين لقرع
  • 1670
  • 10

لأول مرة منذ ظهور فيروس كورونا بالصين في أواخر ديسمبر الماضي، احتلّت الولاياتُ المتحدة الأمريكية الصدارة العالمية في عدد الإصابات، وسجّلت 85505 حالة صبيحة الجمعة مقابل 81781 بالصين. وذكرت بعض التقارير الإعلامية العربية أنّ الولايات المتحدة سجّلت نحو 4 آلاف إصابة بكورونا في ظرف ثلاث ساعات فقط يوم الخميس، وهو رقمٌ قياسي لم يسبق للصين أن سجّلته في ذروة أزمتها مع الوباء في الأشهر الثلاثة الماضية.

المفارقة أن الولايات المتحدة تسجّل هذا الرقم المهول بالإصابات، والذي ينذر بتفش خطير لكورونا بين سكانها في الأسابيع القادمة، في حين تعلن الصين السيطرة تماما على المرض على أراضيها، وتخفّف حركة التنقّل داخل محافظة هوبي، مركز الوباء، مع استمرار تسجيل حالات قليلة للصينيين العائدين من الخارج.

هذا يعني أنَّ الصين بصدد تحقيق انتصار تاريخي على هذا الوباء المُرعب، لاسيَّما أنها سجَّلت تعافي 74055 مريض إلى غاية يوم الخميس مقابل تعافي 676 أمريكيا فقط، أي أنه لم يبق في المشافي الصينية سوى أقلّ من 4 آلاف مريض فقط باحتساب عدد المتوفين، في حين أنّ الوباء يضرب الولايات المتحدة بقوة، ويجعلها بؤرته الأولى في العالم حاليا. وبالنظر إلى انتشاره السريع بها، فإن الولايات المتحدة باتت مهدّدة بكارثة صحّية لم يسبق لها مثيلٌ في تاريخها، وسيرافَق ذلك بكوارث اقتصادية ضخمة قد تنتهي بإسقاطها من عرش الزعامة العالمية وانحسار نفوذها بشكل غير مسبوق لصالح منافستها الأولى: الصين.

خلال الأسابيع الماضية، وحينما كان انتشارُ كورونا بها محدودا مقارنة بالصين وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا ودول أوربية أخرى، لم تتصرّف الولايات المتحدة كزعيمة للعالم، ولم تقُد أيّ مبادرات لمساعدة حلفائها الأوربيين، بل إنها سارعت إلى إغلاق حدودها دونهم، وأعلنت إيقاف الرحلات الجوية المتبادلة مع القارة العجوز، ومن دون استشارة حلفائها أو التنسيق معهم، فحزّ في نفوسهم أنّ أكبر دولة في العالم تخلّت عنهم في ساعة العسر ولم تكلّف نفسها عناء مساعدتهم أو التنسيق معهم لبحث كيفية المواجهة المشترَكة للفيروس. وبالقابل، ما إن تعافت الصين من هذا الوباء وتحكّمت فيه، حتى بادرت إلى إرسال مساعداتها الطبية إلى إيطاليا وإسبانيا وتركيا وعددٍ من الدول الأوربية وغير الأوربية، لمساندتها في محنتها ووضع خبرتها في مكافحة الوباء تحت تصرُّفها. وبغضِّ النظر عن مدى فعالية هذه المساعدات، في ظلِّ عدم اكتشاف أيِّ دواءٍ أو لقاح للفيروس إلى حدّ الساعة، فإن سلوك الصين قد جعلها تكسب القلوب على حساب الولايات المتحدة.

العالم بعد انحسار محنة كورونا مستقبلاً لن يكون كما كان قبلها.. هناك تحوّلاتٌ جذرية تحدث وقد تغيِّر الأوضاع رأسا على عقب في العالم، وهناك مؤشراتٌ على قيام نظام دولي جديد تقوده الصين بعد أن ينجلي الوباء. وإذا طال أمدُه، فستُمنى أمريكا ودول الاتحاد الأوربي وشتى دول العالم بخسائر اقتصادية ومالية كبيرة، وستحتاج الولايات المتحدة إلى وقتٍ طويل لمعالجة تداعياتها، وستترك الريادة للصين إذا استطاعت قهرَ المرض نهائيا في وقتٍ قريب، مع ما يعنيه ذلك من تحجيم خسائرها، لكنّ المشكلة الأكبر أنّ الدول الصغيرة والضعيفة اقتصاديا لن تقوى على مواجهة تداعيات خسائرها، وستواجه أخطر محنة في تاريخها.

مقالات ذات صلة