-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كورونا وجدل الشعائر الدينية عند الجزائريين

كورونا وجدل الشعائر الدينية عند الجزائريين
الشروق أونلاين

أربك وباء كورونا العالم بأسره، فاختلّ نظام الحياة بأكمله، ساعده في تفاقم الأوضاع عنصر الفجأة؛ إذ لم يكن أحدٌ يتوقع هذا الوباء بهذا الشكل، إضافة إلى شراسة الفيروس وشدة فتكه وهجومه، الذي مس بالدرجة الأولى أكثر جوانب الحياة حساسية وأهمية بالنسبة للأفراد والدول على السواء وهما: الأرزاق والأرواح. إضافة إلى أن عالم ما قبل كورونا في الأصل كان منهكا في عدة جوانب لعلها الأزمة الاقتصادية والمالية وكذلك الحروب والصراعات والأزمات بمختلف تمظهراتها زادت كورونا من شدة إنهاك العالم وضاعفت من تحدياته.

ومن المتوقع حسب المهتمين والباحثين والمختصِّين أن وباء كورونا سيضاعف من هذه الأزمات ويعقدها وذلك بالنظر إلى التخوُّفات التالية التي أصبحت تزدادا بمرور الزمن وتعاقب الأيام والأسابيع وربما لأشهر:

– استمرار شراسة الوباء وحصده اليومي لآلاف الضحايا في العالم.

– استمرار الإغلاق الكلي للعالم؛ فلا مطارات ولا موانئ ولا نقل ولا تنقل…

– التوقف شبه التام لحركة الإنتاج والاقتصاد والتجارة والسياحة وحتى المناسبات الرياضية والفنية.

– استمرار الحجر الصحي وما سينجرّ عنه من تداعيات نفسية واجتماعية غير متوقعة.

– طول مدة الوباء الذي لم يستطع المختصون تقدير وتدقيق ومعرفة الزمن الذي سوف يستغرقه الوباء مستقبلا.

لقد سالت أقلامٌ كثيرة وهي تتناول مختلف التداعيات التي مسها ويمسها يوميا وباءُ كورونا، وقد تحدثنا عن بعضها في مقالات ومساهمات سابقة، كالتداعيات السياسية والاقتصادية والمالية والسوسيولوجية والنفسية والعلمية وحتى العسكرية والدبلوماسية… لكن ومن أهم التداعيات أيضا التي أثَّرت في الجانب النفسي والحياتي للشعوب، وبخاصة العالم العربي والإسلامي، وهو تأثير وباء كورونا على الطقوس والشعائر الدينية وبخاصة في الجزائر التي يدين أغلب سكانها بالدين الإسلامي، وما يميز هذا الدين من شعائر جماعية مسها كورونا في العمق والصميم وقد يمس مستقبلا شعائر أخرى ما خلف جدلا ونقاشا كبيرين، ولعل من أهم مظاهر هذه الشعائر التي مسها الوباء وأخرى قد يمسها مستقبلا هي كالتالي على سبيل المثال وليس الحصر:

– تعطيل شعيرة صلاة الجماعة والتي اعتبرها الجزائريون حادثة غريبة هي الأولى من نوعها، وقد تقبَّلها البعض على اعتبار أن الأمر وقاية للنفس والروح معا وحمايتهما من الهلاك، وهو أمرٌ مقدم على كل شيء بما في ذلك الشعائر الدينية فرائض كانت أو سننا، والكثير تقبَّلها تنفيذا وتسليما لكنه لم يستصغها من الناحية النفسية والشعورية كون أن الأمر كان صعبا جدا لما يمثله الدين من عامل نفسي وإيماني مهم في حياة الأفراد.

– تعطيل شعيرة صلاة الجمعة وهو عيدٌ أسبوعي حاشد للمسلمين والجزائريين وما يمثله من فرصة للعبادة والتلاقي والتغافر وتحصيل الأجر والثواب، فتعطيلُها أحدث إرباكا كبيرا لدى عموم الجزائريين خاصة وأن الأمر يحدث لأول مرة.

– تجميد شعيرة العمرة ما أثّر في الجزائريين الذين كانوا قد سجّلوا للاعتمار في فترة وباء كورونا وأنفسهم وأرواحهم تتوق إلى بيت الله الحرام وإلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

– مصير شعيرة التراويح والتهجّد وصلوات الجماعة في شهر رمضان المعظم وهو على الأبواب والأجر الثمين والمضاعف للشعائر والصلوات فيه، إضافة إلى الزيارات والصدقات والجانب الحميمي بين العائلات والجيران في هذا الشهر الفضيل.

– نفس التخوُّفات والهواجس تنسحب أيضا على شعيرة عيد الفطر السعيد وصلاته والشعائر المرافِقة له من تزاور وتغافر بين العائلات والأصحاب.

– تخوُّفات الجزائريين من تعطيل موسم الحج أيضا هذه السنة وما أدراك ما فريضة الحج وما تعنيه عند الجزائريين كونها فرصة العمر الثمينة وربما الوحيدة التي قد ينالها البعض ويحرم منها البعض الآخر، وإلى هذه اللحظة الأمور غير واضحة ولا تدعو إلى التفاؤل تماما.

كلها مناسباتٌ وشعائر قد تجمَّد هذه السنة إذا استمر الوباء في التفاقم والاستمرار.

لكن هذا الإجراءات والأوضاع الجديدة لم تمرّ دون جدل ونقاش كبيرين أختصره في الجوانب الأساسية التالية:

الجدل الفقهي:

على اعتبار أن مسلمي هذا العصر والجزائريين أيضا لم يتعودوا على أن تتعطل شعائرهم الدينية بهذا الشكل المباشر والمفاجئ، خاصة ما تعلق بغلق المساجد وتعطيل صلوات الجماعة والجمعة، فثار جدلٌ فقهي بشأن حجية هذه الفتاوى وهل تلقاها الناس قناعة وثقافة كونها السبيل الأنجع لتعزيز إجراءات الوقاية، أو أنه تقبُّل المضطر وهو كاره لها وغير مقتنع بها؟ وهل لو لم تفرضه السلطة وتمنعه بقوة الواقع والإجراء هل كان ليكون ثقافة ومبادرة واعية من الجزائريين؟ ولا يزال هذا الجدل متجددا ومتفاعلا خاصة مع اقتراب شهر رمضان الكريم وشعيرة التراويح والتهجُّد وكذا صلاة العيد وما يرافقه من تغافر وتزاور.

الجدل العلمي:

ثار في بداية المطالبات التي دعت إلى غلق المساجد وتعطيل مختلف الشعائر، وهل الشرع هو من يفصل أو العلم؟ وهو في الحقيقة جدلٌ لا يجرّ أي فائدة سوى أنه انعكاسٌ لسطحية كبيرة ومعرفة ضئيلة بالشرع والعلم معا، على اعتبار أنه لا تعارضَ بين الشرع والعلم؛ فالشريعة جاءت لتحفظ النفس البشرية التي تهمّ أمر المسلمين والبشرية جمعاء.

كما انسحب للأسف الشديد هذا الجدل أيضا حول شهر رمضان وجدلية الصوم من عدمه، وما العلاقة المباشرة ما بين الصوم ووباء كورونا، وعليه وجب على العلم أن يأخذ مكانته وما على الشريعة إلا التكيُّف وإصدار الفتاوى بناء على أراء ودراسات خبراء علوم الأوبئة والفيروسات، ولعل هذا الجدل مردّه إلى تغليب الشعوب للعاطفة على العقل والعلم، بالإضافة إلى أن الجزائريين والمسلمين عموما لم يتعودوا على مثل هذه الظروف والأوضاع التي عطلت حياتهم الروحية وشعائرهم الدينية التي كانت وستظل السند الروحي لهم في مواجهة أزمات وصدمات الحياة ومنعرجات هذا الزمان الصعب.

الجدل السياسي:

والذي لم يكن للأمانة كبيرا وواسعا ولكن هناك من حاول أن يُقحمه في تداعيات وباء كورونا وبأن السلطة تحاول استغلال الموضع وتعطيل الشعائر الدينية كما عطّلت الحراك الذي لم يُتوقع أشهرا وأسابيع متواصلة، ولكن في الحقيقة أن دعاة هذا الطرح لم يقدموا الأدلة المقنعة ولا البراهين الدامغة بأن السلطة حاولت استغلال الظرف خاصة وأن اغلب القطاع الديني تحت سلطة الدولة وهيمنتها في الجزائر، كما أن أغلب الدول اتخذت هذا القرار بالغلق بل وسبقت الجزائرَ إليه.

الجدل الإيديولوجي:

ثار تحديدا بين الإسلاميين والعلمانيين وجدلية لماذا أغلقت في البداية المساجد ولم تُغلق الحانات والملاهي؟ واندلع نقاش خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فخطوة غلق المساجد وتعطيلها لم يستسغها كثيرون خاصة لما جاءت بعض المطالب من التيار العلماني، ما أثار حفيظة التيار الإسلامي وأتباعه الذين رأوا في مطالبات العلمانيين فرصة للانقضاض على شعائر الجزائريين الروحية التي ما يلبث العلمانيون يتربصون بها مع كل فرصة سانحة أو محطة مواتية.

جدل الأولويات:

ساهم كورونا في تجدد جدل كان بالأصل موجودا سابقا: هل الأولوية في بناء المساجد أم في بناء المستشفيات والمستوصفات ودور العلاج والوقاية؟ وهل أثناء الأزمات والأوبئة والظروف الاستثنائية يفيدنا وجود مستشفيات أو مساجد؟ جدلٌ حسمه عموم الجزائريين بالتمسك بكل ما هو ديني أو روحي وبعاطفة قوية لا تحتمل التشكيك، فالمسجد حسبهم له دوره كما المستشفى له دوره أيضا وأن دولة مثل الجزائر لا يعيقها بناء كل المؤسسات والمنشآت بمختلف أنواعها وقطاعاتها وتخصصاتها ووظائفها، فأزمة مثل كورونا جعلتنا جميعا كجزائريين نقف على حقيقة مرة وهي أن جميع المؤسسات تحتاج إلى تطوير وجودة واحترافية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!