الرأي

كورونا يعيد ترتيب القيم

رشيد ولد بوسيافة
  • 1563
  • 5
أرشيف

أعادت جائحة فيروس كورونا التي تفتك بأوروبا وأمريكا تصحيح العديد من المفاهيم، وأعادت ترتيب سلّم القيم في المجتمعات، بعد أن طمستها ثقافة الاستهلاك، وهوى بها الإعلام المبتذل، والفن الهابط، إلى مستويات سحيقة من التّخلف، لدرجة أصبحت نجمة الإغراء أعلى درجة في المجتمع من الطبيب الذي ينقذ المرضى، وما يجنيه لاعب كرة قدم يكفي لتمويل جامعة كاملة تضم آلاف الأساتذة والطلبة.

هذا في الغرب الذي لازال يقدس العلم ويرفع أهله، أما عندنا فإنّ سلم المجتمع بلغ درجة من الاختلال لم تحدث في العالم أجمع، بدليل أن المتسرب في السنوات الأولى من الدراسة يمكن أن يتحول أحد أعيان المجتمع، بعد أن يشترى كل شيء بالمال، من المناصب إلى الدرجات العلمية إلى التكريمات والجوائز والأوسمة!

ومن الطبيعي عندنا أن يتحول الطالب المجتهد الذي نحج في مشواره الدراسي إلى موظف عند المتسرب من الدراسة، ومن الطبيعي كذلك أن تجد عاملا عاديا في شركة بترولية يبني بيتا واسعا ويحتل مكانة في المجتمع، بينما الباحث والعالم والبروفيسور في الجامعة يتذيل السُلم في المجتمع بسبب وضعه المادي السيء.

الآن فقط؛ أدرك أن الناس أن طبيبا أو ممرضا أو حتى عامل نظافة في مستشفى أهم بكثير من نجوم الرياضة والفن ومشاهير السوشل ميديا التافهين، الذين تحولوا إلى نجوم لأنهم ينشرون يومياتهم ولا يترددون في الخروج على الناس بمباشر على “الفيسبوك” أو “الأنستغرام” قبل أن يغسلوا أعينهم من آثار النوم، ولا تحدثني عن الذي أصبح مُلهما في المجتمع بعد أن رمى بنفسه في شاحنة زبالة من أجل تحدي تافه للحصول على 1000 دينار!

عامل النظافة الذي يمر يوميا أمام بيوتنا ليرفع قمامتنا، هو الأولى بالتكريم والتبجيل في المجتمع، وهو الأحق بالأجور المرتفعة، لأنه يحمينا من الأوبئة والأمراض، وليس لاعب كرة القدم، أو الفنان، أو غيرها من المهن التي وُجدت في الأصل لتُسلينا في أوقات فراغنا لا لتشغلنا عن حياتنا وأعمالنا وأدوارنا في المجتمع، والمعلم الذي يُكوّن كل الفاعلين في المجتمع من أطباء وممرضين ورجال الأمن وغيرهم، يستحق المكانة الأولى في سلم القيم، حتى يحتفظ بصورته الناصعة أمام تلاميذه.

إن القرار الرسمي الصادر عن رئاسة الجمهورية بإقرار منحة شهرية للفئات التي تحارب الوباء هو بداية الاعتراف بالجرم المرتكب في حقهم، ولا بد من عمل كبير مستقبلا لإعادة ترتيب سلم المجتمع، والبداية بالاهتمام بكل من لديه علاقة بالعلم من تلاميذ وطلبة ومدرسين وباحثين وعلماء ووضعهم في أعلى هرم المجتمع.

مقالات ذات صلة