-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
باعتبار السياحة الصحراوية قاطرة حقيقية للاقتصاد الجزائري

“كوموندوس” من الدرك لتأمين السيّاح وردع المهرّبين في عمق الصحراء

نوارة باشوش
  • 9269
  • 0
“كوموندوس” من الدرك لتأمين السيّاح وردع المهرّبين في عمق الصحراء

بين مطرقة تأمين السياح وسندان التصدي للمهربين و”مافيا المخدرات والمهلوسات”..  يظل أصحاب البدلة الخضراء العين الساهرة التي لا تنام.. يمكثون تحت لفح جهنم طوال النهار وتغلي رؤوسهم من الشمس الحارقة التي تطلق أشعتها مع بزوغ أولى خيوط الفجر.. يتوغلون في الدروب والأزقة بحثا عن المجرمين، يرصدون كل صغيرة وكبيرة.. فلا مجال للتقاعس، والخطأ سيعرض حياة الآلاف من الأشخاص للخطر.. شعارهم “أمة.. وفاء وواجب”.. إنهم رجال الدرك الذين يشكّلون السد المنيع للحدود الجزائرية وصحرائها الشاسعة لمنع كل من تسوّل له نفسه اختراق شبر من هذا الوطن أو يتجرأ على مس شعرة من مواطنيها أو سياحها الأجانب.

هي حقائق وقفت عليها “الشروق” خلال مرافقتها لرجال سلاح الدرك بولاية غرداية التي تغيرت فيها ملامح السواد التي عاشتها المنطقة منذ أزيد من 8 سنوات مضت، بسبب الأحداث الدامية التي حركتها بعض الجهات التي تعمل على نشر خطاب الكراهية والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد، ليعود الهدوء والأمن إليها وتدبّ الحياة بهذه المدينة التجارية والسياحية من جديد، وترجع الأسواق والشوارع إلى سابق عهدها.. وها هي الآن “تغرديت” أو “جوهرة الواحات” تستعد بأحيائها القديمة التي تعود لآلاف السنين وقصورها التي تتوزع على وادي ميزاب، المنيعة، زلفانة، متليلي، لاستقبال سياحها، سواء الجزائريين أو الأجانب الذين يجدون متعتهم في مراقبة غروب الشمس في مثل هذه الأماكن التي تتربع على مساحة هائلة وتعزل المدينة الحديثة بالقصور القديمة.

غرداية تستعيد أمنها وهدوءها  

الساعة كانت تشير إلى الخامسة والنصف بعد الزوال عندما وصلنا إلى مقر المجموعة الإقليمية للدرك الوطني بولاية غرداية، بعد رحلة دامت أزيد من 8 ساعات، وكان برفقتنا المقدم عبد القادر بزيو، رئيس مصلحة الاتصال بقيادة الدرك الوطني، والنقيب وائل بوناب من نفس المصلحة، استقبلنا قائدُ المجموعة العقيد عبد الواحد ناصري وعدد من ضباطه، وتلقينا بعض التفاصيل حول الإجرام عموما بالولاية، وأجمعوا على أن غرداية استعادت أمنها بالكامل، وأن نسبة معدلات الجريمة منخفضة مقارنة بالولايات الأخرى إلا أنها تعتبر “مركز عبور” بامتياز لشبكات المتاجرة بالأقراص المهلوسة باعتبار أن الولاية لها حدود مع أقصى الجنوب الشرقي والولايات الحدودية الأخرى على غرار تمنراست والمنيعة وورقلة والوادي المحاذية لليبيا والنيجر، ناهيك عن الطريق الوطني الذي يربطها بولايات الوسط والغرب.

أزيد من 36 ألف سائح جزائري و1235 أجنبي حجوا إلى غرداية في 7 أشهر

ومع هذا، يقول العقيد عبد الواحد ناصري، فإن الخطة الأمنية المحكمة التي سطرتها قيادة المجموعة الإقليمية لدرك غرداية تمكنت من الإطاحة بعدة شبكات ونجحت في حجز الملايين من المهلوسات وتوقيف المئات من الأشخاص، وهذا من خلال تعزيز التشكيلات وتكثيف نقاط الحواجز الأمنية للمراقبة الفجائية على مستوى المسالك المؤدية  للولاية، وهي أهم التدابير الأمنية التي يسهر على تطبيقها السلاحُ الأخضر، خاصة مع بداية موسم السياحة الصحراوية التي انطلقت نهاية شهر أكتوبر، تصديا لكل التهديدات والأفعال الإجرامية والحفاظ على أمن وسلامة السياح سواء الجزائريين أو الأجانب.

وقبل أن نشرع في عملنا الميداني، عرجنا على مبنى قاعات العمليات بالمجموعة الإقليمية، حيث عاينّا بعض التدريبات التي يقدمها عددٌ من الضباط لأعوان الدرك من مختلف الفرق الإقليمية المتعلقة بالتدخل السريع لوقف المجرمين الخطيرين مع توفير الحماية للمتدخلين من طرف عناصر أخرى.

تفكيك المئات من شبكات تهريب المهلوسات وحجز الملايين من هذه السموم

وفي عين المكان أعطى قائد المجموعة العقيد ناصري، تعليمات صارمة بالتطبيق الصارم للقانون بدون هوادة، كل حسب مجال اختصاصه مع الحرص على حماية وصون حقوق الإنسان من دون تخطي حدود المهمة المكلفة لكل عنصر، تنفيذا لتعليمات القيادة العليا للدرك الوطني، وفي هذا الأثناء وصدفة، ورد اتصالٌ هاتفي إلى قائد المجموعة من الوحدات العاملة في الميدان على مستوى الطريق المؤدي إلى زلفانة بتوقيف سيارة تحمل كمية معتبرة من الأقراص المهلوسة من نوع “بريغابالين”، وعلى هذا الأساس أعطى الضابط الأمني تعليمات للقيام بالإجراءات اللازمة.

وفور تلقي المعلومة، انطلقنا إلى عين المكان رفقة الرائد سمير زواوي، رئيس مكتب الإيصال والإعلام والتوجيه بالقيادة الجهوية الرابعة للدرك الوطني بورقلة، وكذا “مايسترو” الخرجة الميدانية بغرداية النقيب “عبد الغني أراميس”، المكلف بالإعلام على مستوى المجموعة الإقليمية لدرك غرداية، إلى جانب قائد الكتيبة الإقليمية لدرك غرداية الرائد عبد العلي باقة وعدد من الضباط والأعوان ومختلف التشكيلات، وحضرنا على مستوى الحاجز الثابت الذي يربط غرداية وزلفانة على الطريق الوطني رقم 1 للسيارة من نوع “سامبول” قادمة من ولاية بجاية “06” وعلى متنها أزيد من 16740 قرص مهلوس خطير من نوع “بريغابالين 300 ملغ” مخبَّأة بإحكام من خلال توزيعها على مختلف أجزاء السيارة.

وتزامنا مع هذا فقد تم في عين المكان حجز أزيد من 5 قناطير من الدجاج الفاسد على متن شاحنة كانت موجهة للاستهلاك، بالرغم من أنها تشكل خطرا على صحة المواطنين.

العمل الميداني لمختلف تشكيلات ووحدات الدرك ترجمتها الأرقام التي كشف عنها النقيب أراميس، الذي أكد عن تسجيل ارتفاع رهيب في شبكات تهريب الأقراص المهلوسة، من خلال حجز قرابة 300 ألف كبسولة، إلى جانب تنامي ظاهرة تهريب السجائر والتبغ، إذ تم حجز 21 ألفا و778 علبة سجائر و258 ألف و608 غرام من شمة “ماكلة الهلال”و400 وحدة من ورق التبغ.

الويل لمن يمس شعرة من السياح

لا يخفى عن أحد أن ولاية غرداية تستقطب الآلاف من السياح الجزائريين والأجانب الذي يحجون إليها من كل حدب وصوب للاستمتاع بمعالمها الأثرية وقصورها السبعة التي تشكل فسيفساء رائعة جعلتها قلعة من قلاع الماضي تمتزج فيها جمالية الكثبان الرملية، تعطي من خلالها  للزائر صورة حقيقية عما تختزنه الصحراء العميقة من طبيعة خلابة تنبثق من الصخور المتراصة، تحاذيها ثروات باطنية فيها امتداد لا ينتهي، وجمال ساحر يمزج فيه الإنسان أصالته وتقاليده وعاداته، كما تعدّ هذه المنطقة مقصد الزوار ومحبي التبرك بالأولياء الصالحين والذين يجدون راحتهم في إشعال الشموع وأعواد العنبر والذي يترك هو الآخر عبقا يفوح من القلاع الشامخة والتي ما زالت تتحدى الطبيعة وهمجية الإنسان.

وبالرغم من الأحداث الدامية التي اندلعت شرارتها خريف 2013 بولاية غرداية، وأسفرت عن مقتل وجرح العديد من المواطنين، صاحبَها التعدي على الممتلكات حرقا ونهبا وإتلافا، سواء في السكنات أو المحلات أو الحركات التجارية، إلا أنه بفضل جهود الجيش الوطني الشعبي ومختلف الأسلاك الأمنية، عاد الأمن إلى المنطقة وتحولت هذه المدينة العريقة المسكونة بماضيها المتسامي والمناظر الطبيعية الخلابة، إلى وجهة مفضلة من قبل كافة السياح والزوار وغيرهم من المسافرين العابرين للمنطقة.

ولأن الدرك الوطني يساهم بصفة غير مباشرة في تطوير وترقية الجانب السياحي للجزائر، فإن “الشروق” رافقت أصحاب البدلة الخضراء في مهمتهم الصعبة لتأمين تنقلات السياح، خاصة الأجانب الذين يقصدونها من كل أنحاء العالم، تزامنا مع انطلاق موسم السياحة الصحراوية من جهة، ومن جهة أخرى فنحن على مرمى حجر من احتفالات السنة الجديدة 2023، إذ كانت وجهتنا “السوق العتيق” أو المعروف عند الجزائريين بـ”سوق جحا”، والذي  يعدّ متحفا مفتوحا، يعود تاريخ إنشائه إلى نحو 1000 سنة، وكان أحد أهم الأسواق الذي يربط الجزائر بالقارة الإفريقية، وفي عين المكان وقفنا على التعزيزات الأمنية المشكَّلة من مختلف وحدات الدرك، على مستوى جميع مداخل ومخارج وأزقة هذا السوق الذي يتربع على مساحة واسعة… إذ صادف تواجدنا في عين المكان توافد عدد كبير من السياح من فرنسا، وسويسرا، وبولونيا، وكوريا الذين انبهروا بسحر وجمال غرداية، إذ أكد السائح “غابريل أمول” القادم من بولونيا رفقة زوجته وعدد من السياح، أن الصحراء الجزائرية جنة الله في الأرض، لكن يقول وهو يشير بيده إلينا “عليكم بالترويج لها بطريقة جيدة، لأن زيارة غرداية وقصورها ومنشآتها التي تعود إلى قرون مضت، فرصة ذهبية باعتبار أنها نموذج عال في الثقافة المعمارية، التي تشهد على عبقرية مشيديها القدامى الذين أبدعوا في هذه البناءات ولحضارة ألفية يتعين المحافظة عليها”.

من جهتها، أكدت إحدى السائحات القادمة من البرتغال رفقة عدد من السياح في رحلة منظمة لـ”الشروق” أن “غرداية فعلا جوهرة الصحراء، فقبل أن أزور هذا السوق العتيق فقد قمت بزيارة منطقة نتيسة وهي منطقة فلاحية بضواحي بني يزقن المميزة بنقوشها ورسومها الصخرية، وسنواصل اكتشاف غرداية في الأيام المقبلة”.

وبلغة الأرقام، كشف النقيب “عبد الغني أراميس” أن مصالح الدرك لغرداية أحصت تدفق 59595 سائح من داخل الوطن و1131سائح أجنبي خلال سنة 2021، مقابل 36463 سائح من داخل الوطن و1235 سائح أجنبي خلال سبعة أشهر من سنة 2022 بزيادة تقدر بـ8.42 بالمائة بالنسبة للأجانب، مما خلق حركية كبيرة في الجانب السياحي، إضافة إلى توفر المنطقة على مؤهلات التوسع السياحي على غرار ثلاث مناطق مصنفة منها منطقة في بلدية زلفانة ومنطقة في بلدية القرارة، إذ تمنح هذه المناطق فرص الاستثمار السياحي في مجال السياحة الحموية.

السياح وجدوا ضالتهم في غرداية بعد أن أحسوا بالأمن والطمأنينة بفضل جهود الدرك الذين يسهرون على حمايتهم وأمنهم ومرافقتهم 24 ساعة على 24 ساعة منذ نزولهم بالمطار إلى غاية عودتهم إلى ديارهم، وهي مهمة صعبة، لأن أي خطأ سيكلف سمعة الدولة الجزائرية التي يتربص بها الأعداء ثمنا باهظا.

عيونٌ لا تنام

خيم الظلام بولاية غرداية، دخل السياح إلى إقامتهم، وقلّت الحركة في شوارع وأزقة المدينة، وأغلقت أبواب معظم المحلات والأسواق، إلا أن رجال الأمن مازالوا يقومون بمهامهم في حفظ الأمن والأمان للمواطنين وممتلكاتهم، منتشرين في كل الزوايا والطرقات، مشكلين سدودا وحواجز عبر مداخل إقليم الولاية ومخارجها لرصد المجرمين وشبكات التهريب ومافيا المخدرات والأسلحة والسجائر وغيرها والتي تجد في الليل ضالتها لتوسيع نشاطها، لكن رجال الدرك بالمرصاد حتى ولو استعملت هذه العصابات “دليلا” لمراقبة الطرقات وترصُّد دوريات وحواجز الأجهزة الأمنية.

“الشروق” حضرت إلى ساعات متأخرة من الليل، مداهمة مشتركة بين مصالح الدرك والأمن الوطنيين، وهي المداهمات التي تدخل في إطار الخطة الأمنية المشتركة بين الجهازين التي أطلقتها  القيادات العليا عبر جميع ولايات الوطن، لمحاربة كافة أشكال الجريمة، وبسط الطمأنينة والسكينة، واتخاذ الإجراءات الاستباقية اللازمة للوقاية من كل ما من شأنه المساس بأمن وسلامة المواطنين، عبر تعزيز الخرجات الميدانية المشتركة ومداهمة النقاط المشبوهة وأوكار الجريمة والأماكن التي يرتادها مدمنو المخدرات والسكارى.

مرافقتُنا لمختلف التشكيلات الأمنية على شاكلة فرقة الأمن والتحري للدرك الـ”BSI” أو ما يعرف عند الجزائريين بـ”الصاعقة” أو “النينجا” وفرق “البياري” الـ” “BRIالتابعة للأمن الوطني المعروفين هم أيضا باسم “القناصين”، وهي فرق مختصة في التدخلات النوعية والصعبة في إطار مكافحة الإجرام المنظم، وتتميز بالتغلغل وسط الشبكات الخطيرة، كانت على مستوى أزقة وشوارع غرداية الشبيهة بأزقة القصبة العتيقة، حيث وقفنا على عمليات عديدة لتفتيش الأشخاص المشتبه فيهم، مع تحديد هويتهم الكاملة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!