-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كيف دخلت الوثنية إلى بلاد العرب؟!

خير الدين هني
  • 1255
  • 0
كيف دخلت الوثنية إلى بلاد العرب؟!

ينحدر عرب شمال شبه الجزيرة العربية ممن يسمون السعودية، من سلالة إسماعيل عليه السلام، وقد ورثوا عقيدة الحنيفية (دين التوحيد والاستقامة)،  عن إبراهيم عليه السلام، فظلوا على ذلك دهورا طويلة من غير أن ينحرفوا عن عقيدة الإسلام التي كانت مرجعا أساسيا لكل الأنبياء والمرسلين. ولكن الإنسان حينما يمتدّ به الزمن وتُلِمُّ به الخطوب، وهو بطبعه مَيّال إلى الزيغ والهوى، والنزوع نحو إشباع الرغبات والشهوات، ما يجعله ينزع نحو إشباع النزوات، بكل محظور ديني أو أخلاقي يلبي احتياجاته الغريزية والشهوانية.

والإنسان -كما هو معلوم- كائن ذكي مركّب بنيويا وعقليا ووجدانيا  بتركيبة معقدة، لبلوغ غاية سامية حددتها المشيئة العليا في عالم الأزل، بغية التكليف بواجبات دينية يؤديها عند الاقتضاء تسليما من غير تعليل لحكمة مرادة، وهذا التكليف الأسمى هو من يحدد له معالم السير – لزوميا- على الطريق المستقيم، حينما لا تنزلق به القدم ولا يعبث به الزيغ، ولكن هذا الإنسان المركب تركيبا آدميا، فيه سليقة تجنح به إلى الفضول وحب الاستمتاع بما تهوى نفسه وتشتهيه، ولكن الحياة غير معبدة الدروب للسالكين وهي مضنونة لمن يتعشّقها، ففيها العذاب والألم والبؤس والشقاء، والإنسان لذلك –دائما- حثيث السعي إلى تذليل كل صعوبة ومشقة، لتحقيق بغيته ومآربه وحاجاته.

وهو مفطور على حب التبديل والتغيير والتجديد، لإزالة الرتابة والملل والسأم وإن كان فعله المتكرر مشروعا ومقيَّدا بتعاليم دينية وأخلاقية توجب الالتزام، وهو ميّال -بالفطرة- إلى البحث عن كل جديد، وبخاصة حين يصاب بالخيبات والنكبات والانكسارات، ورغم أنه كائنٌ ذكيٌّ مدرِكٌ للعلاقات المركبة تركيبا جدليا، بين ماهياتها المحسوسة التي تقع تحت الإدراك والنظر،  وبين ماهياتها المجردة من الصور الحسية، والتي لا وجود لها  في عالم الحس، إلا بما يستبطنه العقل الباطني بقدرته على تجريد المعاني والحقائق من صورها الظاهرية، فتصبح معقولاتٍ يتلمّسها  بقدرته التجريدية.

وهي القدرة المميِّزة لخصائص نوعه، كمخلوق متفرِّد عن باقي المخلوقات التي تعيش معه على هذا الكوكب، وبهذه الخاصية المتفرِّدة أُنيط بالتكليف والجزاء على أعماله، إن كانت خيرا نال الجزاء الأوفى في عالم غيبي يسعد فيه بالنعيم السرمدي الذي لا تنقطع فيه الحياة السعيدة ولا يزول فيه النعيم الأبدي، وإن كانت شرا نال الجزاء من العذاب والشقاء والحياة الكالحة التي لا موت فيها ولا سعادة.

وعالم الغيب بتجليات الواحد الأحد الموجود بلا كيف، هو عالمٌ زاخر بالحركة والنشاط والحياة على غير ما  نعرفه ونحسه في عالمنا هذا، يزخر بوجود كائنات نورانية خُلقت على غير أشكالنا وهيئاتنا وصورنا، وهي تؤدي وظائف مختلفة أخبر بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وفيها يجري البعث والنشور والصراط  والنعيم والشقاء، والباري سبحانه هو من خلق عالم الغيب والشهادة ونوّع أشكالهما وأنماطهما والحياة فيهما، وعلى هذا خُلق الإنسان وكُلِّف بالإيمان به.

وعلى هذه الحقيقة الدينية النّيِّرة التي تضمنتها التعاليم الحنيفية، نشأ عرب الشمال يؤمنون بها ويعتقدون بحقيقتها ويحيون ويموتون عليها، وقد ظلوا على ذلك يصبحون ويمسون ويغدون ويروحون في حِلِّهم وترحالهم وفي ظعنهم وسفرهم، إلى عهد (عمرو بن لُحَيّ) الخزاعي أول من تسيّد على قومه  قبيلة خزاعة، فكانت إليه خدمة البيت وسدانتها، وكان أكثرهم ثراءً وغنى، حتى قيل: إن ثروته من الإبل بلغت عشرين ألف رأس، وقد حوّلتُها إلى الدينار، باحتساب عشرين مليون سنتيم للجمل، فبلغت قيمها المالية أربعمائة ألف (400 ألف)، مليار سنتيم، وهي ثروة ضخمة جعلته يبطر ويطغى ويبغي على  قومه، فحمى عليهم مواقعَ السحاب والكلأ  من الأراضي الخصبة، فكان أول عربي متجبّر حمى الحمى على الناس من غير وجه حق، لترعى فيها إبله أو من أجل البغي والبطر والطغيان وإبراز عظمته وسلطانه وجبروته في الأرض.

لما أتاها وجد قوما يعكفون على عبادة الأصنام، فقال ما هذا الذي تصنعون؟ فقالوا: آلهتنا “نستنصرها فتنصرنا ونستمطرها فتمطرنا ونستشفيها فتشفينا”، فقال: “ألا تعطوني واحدا منها”، فأعطوه (هُبل)، واسم هبل حسبما أفاده الإخباريون، هو اسم آرامي أو سرياني على اختلاف في الروايات، فأتى به قومه، ونصّبه في جوف الكعبة، وأمرهم بتعظيمه وعبادته، والفزع إليه حين يحل بهم خطبٌ من الخطوب.

وكان أول من أطعم الحجاجَ من العرب سدائفَ الإبل (شحم حدبة الجمل) وصنع لهم الثريد من لحمها (خبز يُفتّ في مرق اللحم)، وهو من  بحرَ البَحيرة (البَحِيرَة هي الناقة التي كانت إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها، أي: شقوها وتركوا الحمل عليها وركوبها، ولم يجزّوا وبرها ولم يحلبوها ولم يمنعوها الماء والكلأ وتركوها للآلهة)،  ثم نظروا إلى خامس ولدها فإن كان ذكرا جعلوه للآلهة وسموه الحام .. وهو من وصل الوصيلة (الوصيلة هي البكر من الإبل التي تلد بطنين متواليين من الإناث، فوصلت أنثى بأنثى فتُركت للآلهة وحرّموا الانتفاع بها)، وهو من سيّب السوائب (السوائب -جمع سائبة – وهي الأنعام التي كانوا يسيّبونها أي: يوقفونها لآلهتهم، فيحرّمون ركوبها وحمل أمتعتهم عليها، والانتفاع بها وبلحومها وألبانها).

وهو من حمى الحام (الحام فحلُ الإبل، يضرب الضراب المعدودة فإذا قضى ضرابه دعوه للآلهة  وأعفوه من أن يُحمل عليه شيء)، وهو من حمى الحِمى (الحِمى ما يُخصص من الأرض لرعي مواشي الأسياد، ويمنع مواشي الناس من الرعي فيها)، وهو أول من نصّب الأصنام حول الكعبة، (بلغ عددها 365 صنما يوم فتح مكة)، وهو أول من غيّر دين إبراهيم إلى الوثنية، كما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله (ص)، قال: “رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجرّ قصبه    -أمعاءه- في النار”.

وعمرو بن لحي هذا نال مجدا عند العرب لم يبلغه غيره، بسبب فحش ثرائه وكرمه وذيوع سمعته وبغيه على الناس، وإدخال طقوس الوثنية إلى بلاد العرب، ونسبتها إلى الله تعالى: قال جل ثناؤه: “مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ”،(المائدة: 103). ويقال: إن عمرو بن لحي هذا نحر في دفعة واحدة عشرة آلاف من الجمال، وتركها للناس والوحوش يصيبون من لحمها حتى شبعوا من لحومها.

قصة دخول الوثنية إلى بلاد العرب:

أصيب (عمر بن لُحَي) زعيم خزاعة  بمرض استعصى علاجُه على المطبّبين من حكماء قومه، فذُكرت له عين حميئة بأرض البلقاء تقع بالجزء الغربي من الأردن،  فلما أتاها وجد قوما يعكفون على عبادة الأصنام، فقال ما هذا الذي تصنعون؟ فقالوا: آلهتنا “نستنصرها فتنصرنا ونستمطرها فتمطرنا ونستشفيها فتشفينا”، فقال: “ألا تعطوني واحدا منها”، فأعطوه (هُبل)، واسم هبل حسبما أفاده الإخباريون، هو اسم آرامي أو سرياني على اختلاف في الروايات، فأتى به قومه، ونصّبه في جوف الكعبة، وأمرهم بتعظيمه وعبادته، والفزع إليه حين يحل بهم خطبٌ من الخطوب.

ومنذ ذلك التاريخ تحوَّل العرب من الحنيفية إلى الوثنية تدريجيا، اقتداء بما فعلته خزاعة التي كانت ترعى البيت، بعد أن غلبت  قبيلة جُرْهُم التي أصهر إليهم إسماعيل، إذ تزوج بـرعلة (الزوجة الثانية)،  بنت مضاض بن عمرو كبيرهم وسيدهم، وكان له   منها اثنا عشر ولدا، منهم عدنان الجد العشرون للنبي صلى الله عليه وسلم، في أشهر الأقوال لابن إسحاق وابن السائب الكلبي، فطغوا وبغوا وظلموا الناس في بيت الله الحرام.

انتشار الأوثان في بلاد العرب:

كانت العرب تتخذ الأصنام وسائط، بينها وبين الله ليقرّبوهم زلفى منه سبحانه، لذلك اتخذوها على صور الملائكة المقربين، فعبدوا تلك الصور ليشفعوا لهم ويقربوهم عند الله منزلة وينصروهم في حروبهم وغزواتهم، ويشفوهم من الأسقام والآلام.

أشهر الآلهة وأماكنها:

هبل بجوف الكعبة، وإساف على جبل الصفا، ونائلة على جبل المروة، واللات (مؤنث الله) في الطائف، والعزى (مؤنث العزيز) في وادي نخلة بالقرب من منًى، ومناة على شاطئ البحر الأحمر بين مكة والمدينة، وكانت الأوس والخزرج أكثر من يعظمها من العرب، بالإضافة إلى ودّ ويغوث، وسواع، ويعوق، ونسر، وهي أصنام كانت تعبد على عهد نوح عليه السلام في جنوب العراق، ثم تفرقت عبادتها على قبائل العرب في شبه الجزيرة العربية، ولا يتسع النطاق لذكر القبائل التي كانت تعبد هذه الطواغيت، وقد جعلوا الآلهة “بنات لله”  فقال تعالى “أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى  وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى” (ضيزى قسمة غير عادلة)، (النجم:19-22).

والمعنى يفيد تقريع المشركين،  على زعمهم أن الآلهة  “بنات الله تعالى”، لذلك اشتقوا من أسمائه سبحانه أسماء مؤنثة (اللات والعزى، ومناة أخت العزى واللات)، بإلحاق تاء التأنيث بالله والألف المقصورة  بالعزيز، وهما علامة للتأنيث كـ(عمرو) للذكر و(عمرة) للمؤنث، و(سليم) للذكر و(سلمى) للمؤنث، بعد أن اختاروا الذكور الذين يحبُّونهم لأنفسهم، وجعلوا ما لا يرضونه لأنفسهم من الإناث لله تعالى.

وخزاعة حكمت مكة من 160م إلى 460م، حين ظهر قُصي بن كلاب الجد الخامس للنبي (ص)، فانتزع منها البيت بعد حرب طاحنة، وخزاعة تغلبت على جُرهُم من قبل بعد أن استحلّت أموال الحجاج، وتكون الفترة ما بين عمرو بن لحي الذي أدخل الوثنية إلى بلاد العرب، وبين مبعث النبي (ص)، سنة 610م، حوالي 450 سنة، وهكذا تنتهي حياة كل ظالم على يد ظالم جبّار أقوى منه.

والوثنية لها تجلياتٌ كثيرة تظهر عبر العصور، كعبادة الذات والهوى والشهوة والمال والمنصب والشهرة والزعامة والأشخاص، وغير ذلك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!