-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كيف يُصمَّم الكتابُ المدرسي؟

خير الدين هني
  • 412
  • 0
كيف يُصمَّم الكتابُ المدرسي؟

المعرفة النظرية هي الإطار الفلسفي الذي تؤخذ منه المبادئ الكبرى، التي يتم على أساسها التنظير للأعمال التطبيقية والمقاربات الثورية وفلسفاتها النظرية، فبها تعرف مناهج البحث وطرائق التربية وتقنيات التدريس ومعايير التقويم والتشخيص والفعالية والجودة والإتقان، والأهداف التي هي من انتظارات المجتمع وتطلعاته، وهي الأساس في التقويم التربوي الممعْير  بمقاييس تقنية تشخّص نظم التربية وأبعادها الإستراتيجية التي هي محل تنفيذ وتطبيق، بناءً على ما تحقق أو لم يتحقق من فعالية ومردودية، من الاحتياجات العلمية والفنية والتكنولوجية، ويقوم بالتقويم خبراء أكاديميون وتقنيون إداريون مشهودٌ لهم بالموهبة والكفاية العلمية والفنية، باعتماد مناهج عمل علمية وتربوية ونفسية معروفة في خطوات البحث الأكاديمي والتقويم التربوي.

ومناهج التقويم والتشخيص ترتكز على التدقيق في دراسة فلسفة بناء المناهج وأهدافها، وطرائق التدريس وأساليب العمل والوثائق التربوية ووسائل العمل ونظم التقويم والتحفيز والمكافأة والجزاء، ومعايير التأهيل للوظيفة التعليمية وتكوين المدرِّسين والمكونين والبرامج العلمية والتربوية والمدة الزمنية التي تتم فيها عملية إعادة الرسكلة، وكفاءة الإطارات الذين تُسند إليهم عمليات التكوين، والتشخيص يعتمد التقويم الشامل لمكونات النظام التعليمي، ومن تقنياته المنهجية الاستبيانات والمقارنة بين الأهداف والغايات والأساليب والمضامين الدراسية، والوثائق التربوية ومختلف القيم التي تتضمنها الأهداف والمحتويات التعليمية، وبين النظم التعليمية السائدة في العالمين المتقدم والنامي.

تجمع البيانات والملاحظات والاستنتاجات في جداول مصفوفاتية، ثم تُمعْيَر بمعادلات رياضياتية يقوم بها متخصصون في الإحصاء، يقيسونها بمقاييس الانحراف المعياري، من دون اللجوء إلى الوصف الكمي الذي لا يتناسب مع مؤشرات القياس المعياري.

مراعاة النمو العقلي في تصميم الكتاب المدرسي:

ويراعي التشخيص مراحل النمو العقلي والنفسي واللغوي والاجتماعي ومستوى الأداء لدى المتعلمين، وأن النمو العقلي لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية مازال مقتصرا على المدركات الحسية في بناء المعرفة، لذلك يراعى في تصميم الكتاب المدرسي الأمثلة الحسية التي تقرِّب المعرفة إلى عقولهم وتبسّطها، وتُعدُّ المعرفة المجردة من خصائص النمو العقلي في المرحلة المتوسطة، لذلك تصمّم كتب هذه المرحلة على المدركات العقلية، لأن النمو العقلي في هذه المرحلة ترقَّى إلى مستويات التجريد، وفي المرحلة الثانوية يكون النمو العقلي قد وصل إلى نهايته في تعقّل المعرفة الموغلة في التجريد، ولذلك يصمَّم الكتاب المدرسي في العلوم الأدبية والعقلية والتطبيقية والفلسفية على مجاهيل معقدة، وفق مباحث عميقة عمق قدرتهم على الفهم والاستيعاب والتجريد، وفي المرحلة الجامعية يكون النموُّ العقلي للطالب قد وصل إلى مرحلة الإبداع والابتكار والقدرة على البحث وتنظيم المعرفة ذاتيا، وعلى هذا تصمَّم الكتبُ الدراسية.

وعلى هذه الأسس العقلية والنفسية تصمَّم الكتب الدراسية وتوضع معايير  التقويم التربوي، والمقارنة بين تصميم الكتب ومناهج المراحل التعليمية ومحتوياتها، لا تكون إلا من حيث تركيب العلاقة البنائية للمعرفة تدريجيا، بالانتقال من  المحسوس إلى شبه المحسوس، فإلى المجرد البسيط ثم إلى المجرَّد المركَّب في مجاهيل معقدة، لأن أهداف التربية تستدعي أن تُبنى المعرفة حلزونيا من نقطة البداية إلى نقطة المنتهى في البناء المعرفي، كي يحدث الترابط بين سلاسل المعرفة، ولا تقع فيها ثغراتٌ تؤثر على انسجام مخرجات التعلّم المستهدَفة، من السنة الأولى ابتدائي إلى آخر مرحلة من التعليم الجامعي.

ولذلك احتلّت منهجية تصميم الكتاب المدرسي أهمية قصوى، لأنه يمثل الحجر الأساس في العملية التعليمية التعلّمية، لما له من أهمية بالغة في تسهيل عملية التحصيل الدراسي، وبناء المعرفة بناءً ذاتيا من طريق تفريد التعليم، وجعله نشاطا حيويا يتسم بالفعالية، في جودة الأداء وتحقيق المردودية بمعايير الجودة والإتقان، التي حددتها أهدافُ المناهج وغاياتُه البعيدة ومخرجاته المنتظرة، ويحتل الكتاب المدرسي الصدارة في الأهمية ضمن الوثائق التربوية المرافقة للمتعلمين في مختلف المراحل التعليمية، لأنه يتضمَّن في محتوياته المختلفة جمّا هائلا من المعارف الدينية والعلمية والأدبية والأخلاقية والفلسفية والفكرية والتقنية والفنية، وبدون إطار نظري فلسفي للمقاربات التعليمية، يكون تقييمنا للنظم التربوية ارتجاليا تخمينيا، ولا تحكمه المعايير الموضوعية التي تبنى عليها أسس المعرفة الصحيحة.

والكتاب المدرسي مهما توفرت فيه معايير التصميم الجيدة، فلا يمكن أن يحقق أهداف التربية بالفعالية التي تتوخاها انتظارات المجتمع، لأن المدرِّس هو الذي يبعث فيها الحياة ويضفي عليها الحركة والنشاط، يقول (ألان)، مربي فرنسي: اعطني معلما أعطك تلميذا، فـ(ألان) من هذه الوجهة التي بناها على أسس تربوية ونفسية ومنهجية وواقعية، يعطي أهمية كبرى للمدرِّس الذي تقوم على كاهله العملية التعليمة برمتها، سواء أكان معلما أم أستاذا أم أكاديميا، فمعلم المرحلة الأولى هو من يكيّف الأجواء التربوية والنفسية للمتعلمين بما يلبي احتياجاتهم المعرفية والثقافية، وهو الذي يهيئ لهم سبل الاندماج في المحيط المدرسي الاصطناعي الذي تنفر منه نفوسهم، لأنه نظامٌ يقيد حريتهم ويضبط حركتهم، فيكيّف لهم ظروف الاندماج والتعلّم بأساليب التشويق والترغيب، بما يوفره من وسائل وأدوات وتقنيات وفنيات.

وهو بحسن توجيهه يساعدهم على العمل بشوق وفاعلية، ويختار أفضل طرائق التدريس والوسائل التربوية لبناء معارفهم، ويشحذ ملكاتهم في التفكير والتأمُّل ويصقل مهاراتهم التعليمية، ويعمّق خبراتهم وتجاربهم وينمِّي قدراتهم على حل المشكلات التي تعترضهم، وعلى هذا المنهج يسير مدرِّس بقية المراحل، كما أن الأكاديميين في الدراسات العليا، تؤهلهم كفاياتهم العلمية والمنهجية من رسم خطة عمل عالية الجودة، تعرِّف الطلبة بأسس المنهج العلمي بخطواته الفنية والتقنية والبحثية، فيتعمقون في معرفة حيثياته التأسيسية، من الناحية الشكلية والمضمونية، ويقدمون لهم نماذج مدوَّنة من إنشائهم ليتخذها الطلبة أنموذجا يقتدون به في خططهم وبحوثهم ودراساتهم، ولا يكتفون بالسرديات والمنهجيات والمقولات المقتبسة من الكتب والمراجع، مما يجعل الطلبة يرتبكون حين يعدون الخطة وحين يبحثون وحين يحررون ويكتبون وحين يناقشون، وحين تطبع رسائلهم وتظهر عليها ركاكة الأسلوب وإسفافه وخنقه وحشوه، وتداخل المعاني وغموضها واضطرابها وسرقة المعاني والأفكار والأخيلة والصور والاستنتاجات، والألفاظ والكلمات والمصطلحات، والجمل والسياقات والفقرات، من غير تنصيص ولا توثيق وإحالة إلى المراجع محل الاقتباس.

يراعي التشخيص مراحل النمو العقلي والنفسي واللغوي والاجتماعي ومستوى الأداء لدى المتعلمين، وأن النمو العقلي لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية مازال مقتصرا على المدركات الحسية في بناء المعرفة، لذلك يراعى في تصميم الكتاب المدرسي الأمثلة الحسية التي تقرِّب المعرفة إلى عقولهم وتبسّطها، وتُعدُّ المعرفة المجردة من خصائص النمو العقلي في المرحلة المتوسطة، لذلك تصمّم كتب هذه المرحلة على المدركات العقلية، لأن النمو العقلي في هذه المرحلة ترقَّى إلى مستويات التجريد.

وهذه الأعمال التي تفتقر إلى دقة المنهج، والضبط بالأمثلة النموذجية، معروفة وذائعة الانتشار في الجامعات والمعاهد العليا، ويعرفها كل من درس بها وعانى من تجربتها.

نخلص إلى أنَّ المدرِّس الماهر هو أكسير الحياة للكتاب المدرسي، والتصميم الجيد يساعده على تنفيذ خطة التدريس بمعايير الجودة والإتقان، إذ لا فاعلية ولا جودة وإتقان لأي فعل تعليمي تعلّمي، إلا بما يحمله المدرِّس من كفاية علمية ومهنية ومهارات فنية عالية في الأداء، لأن التدريس مهنة تعتمد على الإحاطة العلمية والمهارة الفنية، لكونه حديثا ذا شجون (ذو طرق)، لأن الكلام يجذب بعضه بعضا مما تستدعيه طبيعة المناقشة، والحوار والبحث والدراسة والتجريب والمقارنة والموازنة والملاحظة والاستقصاء والاستنتاج.

وهو عمل فني رفيع الأداء يتقنه المدرس بمواهبه أثناء التدريس، بالانتقال من طريقة إلى طريقة، ومن نشاط إلى نشاط ومن أسلوب إلى أسلوب ومن سؤال إلى سؤال، ومن وسيلة إلى وسيلة، ومن تجربة إلى تجربة، ومن ملاحظة وتوجيه وإرشاد إلى غيرها مما يناظرها أو يخالفها، حينما تقف العوائق والصعوبات أمام الموهبة والسجيّة والطبيعة، فإذا اجتمعت  العوامل العلمية والفنية والمنهجية بلغ المدرس الغاية في التدريس وحقق المعجزات، لأن المدرس الماهر هو الذي يحوّل الكتاب المدرسي والوثائق التعليمية إلى وسائل ناطقة ومفعمة بالحيوية والنشاط ونابضة بالحياة، وهو الذي يهيئ الأجواء المشوِّقة  للمتعلمين، بما تقتضيه أحوالهم النفسية والعقلية وتكيفاتهم الجسدية، وميولهم الشخصية ورغباتهم ودوافعهم التي تحرّكها غرائز القابلية للتعلّم، وهو الذي يهيئ لهم فرص التعلّم الذاتي من طريق تفريد التعليم، ويوجّههم لاستغلال وسائل التربية والتعليم، وهي مجتمعة من يمكّنهم من بناء المعرفة ذاتيا عبر أنشطة مختلفة تظهر فيها قدراتهم ومواهبهم ومهاراتهم الفردية، اعتمادا على خبراتهم وتجاربهم المكتسبة.

ويُعدّ الكتاب المدرسي أكثر الوثائق التربوية أهمية واعتبارا، لكونه المصدر الأول للتعلّم وبناء المعرفة والتثقيف، والمدرس بمهاراته العالية في التدريس هو من يقود المتعلمين إلى اعتماد أنشطة فردية وجماعية،  واستعمال الطرائق الحية النشطة المتضمنة في المقاربات الجديدة التي تركز على النشاط الذاتي للمتعلمين، خلافا للمقاربات القديمة التي تعتمد منهجية التعليم  التلقيني إذ كان المدرس هو مركز الاهتمام في تقرير الفعل التعليمي، لذلك كان هو المصدر الأول لبناء المعرفة، وهذا ما ركّز عليه كثيرا المربي (ألان) ومن اتبع منهجه من المربين والمشتغلين بالتربية والتعليم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!