الرأي

لا إفراط ولا تفريط في الروح…

حفيظ دراجي
  • 8274
  • 45

المتمعن في ذلك الحماس والتجاوب الجماهيري الكبير مع فوز الخضر على ليبيا وتأهلهم إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا، تختلط لديه مشاعر الفرح والاطمئنان على تألق منتخبنا وتعلق أبنائنا بوطنهم، بمشاعر الخوف من التفاؤل المفرط والمبالغة في التعلق بالكرة والمنتخب الذي أصبح العامل الوحيد لصنع الفرحة والسعادة والإحساس بالانتماء لهذا الوطن.. صار كذلك لدرجة أن خسارة المنتخب عندنا تصنف ضمن خانة الكوارث والمآسي الوطنية، وتعتبر عارا وعيبا أكثر من كل خسارة أو هزيمة أو تراجع في مجالات أخرى أكثر أهمية في حياة الأمة!

الأمر يقودنا إلى التحذير مجددا من مغبة الإفراط في الفرح والتفاؤل، أو التفريط مجددا في هذا المكسب وهذه الروح التي لمسناها لدى اللاعبين والطاقم الفني والجماهير على حد سواء.. أتحدث عن الروح وليس عن مصطلح “الإرادة والقلب” الذي تعوّدنا سماعه في الأوساط الكروية باعتباره عاملا مهما يصنع الفارق ويحقق الفوز أحيانا. وأتحدث عن تلك الروح الفردية والجماعية بكل ما تحمله من معنويات مرتفعة وعزيمة وتناغم وانسجام وانضباط تكتيكي وفني، أصبح لاعبونا يتحلون به منذ مجيء خاليلوزيتش، ويطورونه من مباراة إلى أخرى حتى صار ميزة وثقافة ونمطا وتقليدا كرويا في التشكيلة، يضاف إلى التحسن الواضح في أداء اللاعبين فوق أرضية الميدان، فانعكس الأمر على النتائج المسجلة والنزعة الهجومية لأداء التشكيلة الوطنية، رغم إصابات وغيابات بعض اللاعبين على غرار حليش وبوڤرة ويبدة ولحسن وبودبوز وزياني..

– الروح التي أتحدث عنها تكمن في ذوبان كل اللاعبين في مجموعة واحدة لا تتأثر لغياب لاعب أو لاعبين، ولا تفرق بين لاعب محلي وآخر محترف، رغم أن المنتخب لم يلعب لحد الآن مباراتين متتاليتين بنفس التشكيلة في عهد خاليلوزيتش لأسباب مختلفة.

– الروح التي أتحدث عنها تتعلق بالنزعة الهجومية التي صار المنتخب يتحلى بها في مبارياته، فيسجل أكثر من عشرين هدفا في عشر مباريات وهو ما لم نسجل مثله في سنوات، ويسجل كل من سوداني وسليماني وحدهما خمسة أهداف في خمس مباريات.

– أتحدث عن روح التنافس على المناصب بين كل اللاعبين الذين صاروا معنيين باللعب، ولم تعد التشكيلة الأساسية حكرا على البعض مهما كانت أسماؤهم، ولم يعد هناك لاعب أساسي وآخر احتياطي، وكل اللاعبين وخاصة المحليين منحت لهم الفرصة.

– أتحدث عن الروح الانتصارية التي يتحلى بها المدرب الوطني الذي صار لا يختلف عن أي واحد منا في تعلقه بهذا الوطن وبالمنتخب والتي زرعها في اللاعبين فصاروا يتحلّون بها داخل وخارج الديار، وأصبحنا نلعب من أجل الفوز في كل المباريات، وصارت لدينا هوية لعب تترسخ مع الوقت في أذهان وقلوب اللاعبين.

– أما عن الروح الوطنية فإنني لن أبالغ لو قلت بأنها صارت واضحة في عيون اللاعبين وجهودهم وإرادتهم في الفوز وتشريف الألوان وتحقيق ذاتهم، وعيا منهم بأن الجماهير ستضعهم فوق الرؤوس عندما يلعبون بهذه الروح العالية التي نلمسها من مباراة لأخرى.

الحديث عن الروح الجديدة التي لمسناها عند منتخبنا مع مرور المباريات، وعن النتائج الإيجابية والنزعة الهجومية والصلابة الدفاعية، لا يعني أننا سنفوز بفضلها فقط أو بالقلب والإرادة فحسب، دون المهارة الفردية والجماعية، ودون استراتيجية وخطة لعب. ويجب أن لا ينسينا ذلك النقائصَ التي مازالت تطبع الأداء العام، لذلك يجب عدم التفريط في المكتسبات مهما كانت، ويجب عدم الإفراط في التفاؤل، لأن الاختبار الفعلي سيكون في جنوب إفريقيا، عند مواجهة المغرب وتونس ومالي وزامبيا وكوت ديفوار وجنوب إفريقيا، وفي باقي مباريات تصفيات كأس العالم، وعندها سندخل عهدا جديدا لسنوات طويلة بجيل غرس فيه المدرب روحا جديدة.

مقالات ذات صلة