الرأي

لا تتركوا العربية وحدها

حسان زهار
  • 1506
  • 12
ح.م

  لم ير الجزائريون بعد، ثمرة النوفمبرية الباديسية في حياتهم إلا قليلا، ومع ذلك، الخير في القليل كما يقال.

ولعل أهم ثمار المرحلة الجديدة بشعارها الجديد، هو إسقاط الراية غير الوطنية من السواعد ومن شرفات المنازل، وتهيئة الظروف لعودة العربية إلى مكانتها التي تليق بها في وطنها.

أمران إلى حد الساعة، يثلجان قلب كل وطني غيور على وطنه ودينه ولغته، حتى وإن خالط ذلك أمور أخرى هي من “المنغضات”، التي لا تتماشى إطلاقا وشعار النوفمبرية الباديسية، لعل من أبرزها، بعض الوجوه “الباريسية” في لجنة الحوار والوساطة، واستمرار عقلية الزردة والرقص، في إحياء فعاليات الثقافة الميتة، ولنا في العلامة (سولكينغ) خير مثال، إضافة إلى بؤس الخطاب الإعلامي والديني (المسجدي) وغيرها من الظواهر السلبية الأخرى.

لكن ما يهمنا الآن، هو أن نستبشر الخير، في ما تأتي به الخيل.

راية الشهداء، عادت بكل عنفوان الدم الذي تحمله ممن ضحوا بأنفسهم بالأمس، لكي تتربع على عرش الحراك من جديد، وتهدأ أنفس الشهداء في قبورهم، ويتنفس الوطنيون الصعداء من جديد.

بينما تتلمس اللغة العربية طريقها من جديد، لتحتل مكانتها المطلوبة، عبر توالي القرارات الرسمية، بداية من وزارة التعليم العالي، ونهاية بوزارة التجارة التي قررت تعريب واجهات المحلات، لاسترجاع هوية الشارع، الذي اغتالته الفرنسة المتوحشة، ونالت منه أحقاد القوى الفرنكوبربرية.

لكن ومع هذا الاستبشار، يجدر التنبيه إلى قضايا بالغة الأهمية، حتى يدرك الجميع أن ما يحدث الآن هو مجرد بداية بسيطة لمعركة ستكون طويلة ومرهقة، في مواجهة أولاد فرنسا، وما أكثرهم في الدوائر الرسمية والشعبية للأسف.

ولمن يتابع يوميات الحراك، لا بد أنه أدرك أن منع رافع الرايات غير الوطنية مثلا، طبق في جميع الولايات إلا في منطقة القبائل، حيث لا تزال الرايات “الضرار”، ترتفع من دون حسيب ولا رقيب، وهو ما يطرح تساؤلات في الصميم، لماذا يتم استثناء قرار المنع في هذه المنطقة تحديدا؟ هل المقصود تقزيمها إلى رايات جهوية مناطقية، أم إن الأمر يتعلق بعجز أجهزة الدولة عن تطبيق القانون على الجميع؟

أما في موضوع التعريب، فالوضع يبدو أكثر تعقيدا، ليس فقط في منطقة القبائل وحدها، حيث واجهات المحلات هناك تقريبا كلها بلسان فرنسي غير مبين، وإنما هي في حجم المعارضة الشرسة التي ستشرع فيها قوى معروفة بولائها لفرنسا، منذ استقلال البلاد في عرقلة العملية، وتحويل تلك القرارات الصادرة من الجهات الوصية، إلى مجرد حبر على ورق.

لقد فشت كل المحاولات السابقة في العقود الماضية في فرض عملية التعريب، بداية من لجنة حجار، إلى مجلس الراحل مولود قاسم، وصولا إلى اللجان والمجالس التي جاءت بعدها، كما جمدت كل المراسيم والقوانين التي صدرت في صالح العربية منذ الاستقلال، لأن قوة رهيبة معادية، مصرة على منع ذلك بأي ثمن.

لذلك، من المهم، أن تخرج الجماهير العريضة، التي هي في الغالب داعمة لعروبة الجزائر وإسلامها، من دائرة التصفيق والتهليل، إلى دائرة الفعل والتجنيد، لمواجهة المؤامرات التي سوف تطبخ بالتأكيد لمنع عودة العربية إلى مكانتها الطبيعية، وهذا يعني أن تتكون اللجان الشعبية في كل الولايات، لمنع العصابات المناوئة، من تنفيذ مخططاتها، حتى وإن تطلب الأمر قيادة حراك جديد لهذا الهدف تحديدا.

إن الأجواء التي صنعتها انتفاضة الشعب وحراكه، تقتضي أن تتجاوز الأغلبية سلبيتها المعروفة، وأن تتخلى عن عقلية “اللامبالاة، بأن تفرض مثلا على المجلس الأعلى للغة العربية أن يؤدي مهامه التي وجد من أجلها أو ليرحل”.

إذ ليس معقولا، ولا مقبولا، أن تواصل هذه الأغلبية نفس لعبتها القديمة، عبر دس الرأس في الرمل، في انتظار مرور العاصفة، لأن العاصفة قد تأتي في هذه الحالة على جزء آخر من الجسم، بأن تكون “المؤخرة” في مهب الريح.

الاعتماد على المؤسسة العسكرية وحدها ليس شجاعة.. والتخندق السلبي خلفها.. لن ينفعها في شيء، بل سيكون عبئا إضافيا عليها.. فلا تتركوا العربية لوحدها هذه المرة.. كما فعلتم من قبل.

مقالات ذات صلة