-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا تطبيع على حساب التعريب والإنجليزية!

لا تطبيع على حساب التعريب والإنجليزية!

إنّ إعلان وزير التربية الوطنية موقف الوصاية من قضية إدراج مادة الانجليزية بالطور الابتدائي مستقبلا، يثير العديد من التساؤلات المشروعة حول النية الفعلية في تحقيق الانتقال اللغوي، بما يواكب تحوّلات العصر وتحرير الأجيال من قيود “غنيمة الحرب” المسمومة.

ذلك أن حديث عبد الحكيم بلعابد مؤخرا، أمام أعضاء مجلس الأمّة، بصيغة أن “المشروع وارد”، ثم التذرّع في جوابه بـ”ضرورة التحضير المحكم وفق مخططات تربوية وتنظيمية لاعتماد الإنجليزية في المرحلة الابتدائية”، من دون الإفصاح عن قرار نهائي في الملفّ، كل ذلك يرسم علامات تردّدٍ واضحة وغير مبرَّرة عن المطلب النخبوي والشعبي للجزائريين.

والغريبُ في ردّ الوزير أنه يأتي مناقِضا ضمنيّا لتوجُّهات مفتشي البيداغوجيا للتعليم الابتدائي، والذين اقترحوا قبل أيام على الوزارة الوصيّة إدراج اللغة الانجليزية، بدءا من السنة الثالثة ابتدائي، وفق توصيات مسودّة مشروع إصلاح وإعادة هيكلة الطور الابتدائي.

قد لا نتفّق بالضرورة مع نظريات تلقين اللغات الأجنبيّة للتلاميذ في مرحلة مبكّرة قبل تحكّمهم في اللغة الأمّ، خاصة في ظل التشتُّت اللغوي للناشئة الجزائريّة، ولكن إذا كان ولا بدّ من إدراجها في الطور الابتدائي، فإنّ الواقع يفرض علينا تفضيل الإنجليزيّة لفتح الآفاق المعرفيّة والإنسانيّة أمام أبنائنا، في عصر العولمة الأنجلوساكسونيّة.

كما لا نختلف مع الوزير في أنّ دخول المشروع حيِّز التنفيذ، يتطلب التحضير الجيّد من حيث توفير الإمكانات التعليمية والتقنية والبشريّة، مثل أي عملية إصلاحية أخرى، لكنَّ هذا الأمر لا يمثل أبدا ذريعة للهروب من الاستحقاق، بل هو حجَّة أخرى على الوزارة، لأنّ مسؤوليتها تقتضي منها التكفُّل بتوفير شروط نجاح الانتقال، ولذلك كان منتظرا من مسؤول القطاع الأوّل الإعلانُ عن قرار فاصل أولا، ثم الكشف عن أجندة زمنيّة مضبوطة للتنفيذ، عوض ترك الملف مفتوحًا على كل الاحتمالات، وأقواها واقعيّا هو صرف النظر عن المطلب الملحّ.

ونودّ تذكير الوزير أن توصية لجنة بن زاغو في 2003 بتنزيل الفرنسية من الرابعة إلى الثانية ابتدائي (قبل تأخيرها إلى الثالثة) تمّ تطبيقُها مباشرة في الموسم الموالي، لأنّ الإرادة العليا كانت في صفها، فلم تعقها العقبات المادية.

إنّ هذا التردُّد يفتح المجال واسعًا أمام المشكِّكين للطعن في كل المكاسب الوطنيّة، ومنها بهذا الصدد النيل من الموقف الرسمي تجاه تعزيز عناصر الهوية ومحاصرة النفوذ الفرنسي المرفوض من الجميع، حيث يشيع هؤلاء المنتقدون أن قضية استبدال الفرنسية، بصفتها لغة أجنبية في التعليم العامّ، بالإنجليزية، لم تكن سوى ورقة ابتزاز ومساومة ضدّ الطرف الفرنسي، وبتطبيع العلاقات الدبلوماسية عادت مياه فولتير إلى مجاريها “غير الطبيعية” في الجزائر.

ومثل ذلك يُقال أيضا عن تعليمات سيَّادية صدرت عن دوائر حكوميّة، بخصوص إلزامية احترام قانون تعميم استعمال اللغة العربية وعدم التسامح مع التواصل الرسمي بالفرنسيّة، حيث تبيَّن عمليّا أنها مجرّد “فقاعة سياسيّة”، إذ لم تتوان حتّى تلك الإدارات المركزيّة ذات الصلة بالقطاعات الوزاريّة المعنيّة عن مخاطبة الجزائريين بغير لغتهم، وهو نموذج الإتحاد الجزائري لكرة القدم مع وزارة الشباب والرياضة.

إنّ هذا التفكير المُخالِف للمنطق، سواء كان حقيقة أو تخمينًا عارضًا، لا يصحُّ في إدارة السياسة اللغوية للدولة، باعتبارها من مظاهر السيادة الثقافيّة، فلا يمكن أن تكون أيُّ لغةٍ أجنبيّة، وتحت أي ظرف سياسي أو اقتصادي أو تاريخي، بديلا عن اللغة الوطنية، كما لا يُقبَل على الإطلاق، وتحت إكراه علاقات استعمارية موروثة، أن نرهن مستقبل أجيال بالبقاء عنوة خارج تحوُّلات زمن أضحت فيه الفرنسية لغة آيلة للزوال، ناهيك عن أنها متخلفة حاليّا في الإنتاج العلمي والتكنولوجي وحتّى الأدبي والإنساني قياسًا بمستوى لغة العالم الأولى.

والقضية هنا مبدئية ولا علاقة لها بالضغط على الآخر أو التلويح بوضع حدّ لنفوذه اللغوي، بل ذلك ما ينبغي أن يكون في السِّياق الطبيعي لدولة مستقلّة ذات سيادة، لها كيانها الحضاري، وخلاف ذلك يبقى وضعًا شاذّا وطارئًا لا نقبل التعايش معه في كل الأحوال، بل المطلوب من كل القوى الحيّة، عبر مختلف المواقع، النضال العلمي والمدني والثقافي والسياسي، لأجل إبطاله بكلّ الوسائل المشروعة.

إنّ المأمول اليوم هو تدخُّل رئيس الجمهوريّة بكل ثقله الدستوري والسِّياسي والتنفيذي، لتصحيح الوضع اللغوي الأعرج في الجزائر، تكريسًا أوّلاً للهوية الوطنية، بإنزال العربية منزلتها السيادية والقانونية والتعليمية والاجتماعية والإداريّة، حتى تعود لسانًا ناطقا ومعبِّرًا باسم الجزائريين، وثانيًا للتماشي مع التحوُّلات الكونيّة باتخاذ قرار سياسي شجاع واستشرافي، بخصوص إنهاء الوصاية اللغوية الفرنسيّة في مدارس الجزائر وفضائها العامّ، قبل الانتقال تدريجيّا إلى مرحلة التعليم العالي وفق خطة دولة متكاملة ودقيقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • اسماعيل

    و هل الاستعمار البريطاني احسن من الفرنسي؟ الم يمنح الاستعمار البريطانني فلسطين و القدس للصهاينة.؟ كفاكم من لغة الخشب

  • القرن 20

    لا مدرسة محترمة ومواكبة لعصرنا ما دامت أمواج ايديولوجية الظلال والظلام تحاصرها من كل حدب وصوب .