لا توقظوها في الجنوب.. الفتنة نائمة!
يبدو واضحا أن جهات كثيرة متربصة وأطراف فاشلة سياسيّا ومعزولة شعبيّا تسعى كعادتها السيئة لتعفين الوضع بمدينة تين زاوتين على حدودنا الجنوبية مع مالي بأقصى تمنراست.
صحيح أن الوضع مقلق هناك منذ أيام وليس فقط بسبب حادثة الاثنين، وقد وصل الأمر حدّ المواجهات الخطيرة مع أسلاك الأمن، لكنّ اتهام أطياف حزبية للسلطات العمومية بالعمل على الدفع نحو تعفين العلاقة بين القوات الأمنية والشعب في المنطقة هو محاولة عبثية للاستثمار الدنيء في مشاكل السكان وتحديات الدولة، طمعًا في خلط الأوراق وتحريك الفوضى عبر ركوب موجة الغضب الشعبي، ربما تحضيرا لحركة احتجاجية أوسع يكون الجنوب المكبوت شرارتها الحارقة.
أولا وقطعًا لدابر التأويلات المغرضة والإشاعات التي تروم تأجيج مشاعر الجزائريين وشحنهم ضد مؤسسات الدولة، يجب التذكير أنّ الأوْلى هو الأخذ برواية وزارة الدفاع بخصوص تفاصيل ما جرى من عنف أودى إلى وفاة أحد المواطنين، والتي تؤكد أنّ مصدرا مجهولا أطلق النار على أشخاص بمنطقة إخرابن أثناء تدخّل عناصر حرس الحدود لتهدئة الأوضاع، على خلفيّة احتجاج يقف وراءه أشخاص معروفون في المنطقة بنشاطاتهم المشبوهة في مجال التهريب والجريمة المنظمة بهدف تخريب الجدار الحدودي العازل وتحريض السكان على العنف والتظاهر.
لذلك سيكون من التآمر والدناءة والسعي لإثارة الفتنة التجرؤ غير الأخلاقي على قذف أفراد الجيش بارتكاب الحادثة دون دليلٍ، بينما تدخّل هؤلاء فور سقوط الضحية لإجلائه والتكفل به، قبل مفارقة الحياة، ولو يثبت عليهم اقتراف الفعل بالخطأ أو العمد، فإنّ قيادة المؤسسة العسكرية لن تتوانى عن التعامل بصرامة مع الموقف، وهي التي أمرت فورًا بفتح تحقيق لمعرفة الملابسات.
إن الجيش ليس في حاجة إلى أن ندافع عنه في سياق المرحلة القائمة، وهو الذي رافق حراك الشعب وحماه من مخططات العصابة طيلة عام كامل وزيادة، دون أن تُراق قطر دم واحدة، ناهيك على أن تُطلق رصاصة على مواطن حرّ، حتّى صارت الجماهير تسير في الشوارع عبر مدن الجزائر العميقة تحت أهازيج ” جيش شعب ..خاوة خاوة”.
لن نقبل أبدا أن يلعب العابثون باستقرار البلد، من خلال المساس بسمعة المؤسسة العسكرية، والتعرّض لشرفها الوطني، عبر السعي الخائب لتأليب الرأي العام ضدها بترويج الأكاذيب الباطلة والدعايات المفضوحة، وقد سقطوا في الخطيئة المُوبقة بسوء اختيارهم للعدو، وهو جيشنا الباسل المفدّى، القائم الأمين على أمننا في الداخل، والحارس الساهر على حدودنا الشاسعة في وجه الأعادي، قِوامُه أولئك الأبناء الأخيار من سُلالات الأطهار، فهو سليل جيش التحرير والثورة النوفمبريّة المظفرة.
إنهم يدركون في قرارة أنفسهم أنّ النيل من معنويات وصورة الجيش ليس في مقدورهم بلوغه، فهو محصّن في الوعي الشعبي والذاكرة الجماعية، ولكنها طريقتهم الحقيرة في ابتزاز السلطة السياسية وخطتهم الخبيثة لإشعال الفتنة، من خلال تصيّد الانشغالات المشروعة للمواطنين هنا وهناك، ثمّ استعمالها سياسويّا لتحقيق مآربهم الضيقة وأغراضهم الخاصّة على حساب التطلعات الشعبيّة.
إنّ مؤشرات كثيرة تتراكم هذه الأيام، توحي بأنّ دوائر عديدة تخطط لتحريك الشارع، وقد صرح رئيس الجمهورية بذلك علنا في المقابلة الأخيرة مع الصحافة الوطنية انطلاقًا من التقارير الأمنية التي بحوزته، وهذا ما يجب أن يفتح أعين الجزائريين على ما يُراد بهم من طرف الأقليات المنبوذة التي ألفت أن تركب ظهر الأغلبية في كل المحطات، وتستغلّ عواطفها خدمةً لأجنداتها المشبوهة.
إن تحذيرنا أعلاه لا ينفي البتّة أن قطاعا واسعا من المواطنين يئنّ اليوم تحت وطأة المشاكل الاجتماعية والمادية، وأنّ من واجب السلطات التكفل العاجل بمطالب الغاضبين في تين زواتين، ولا يلغي أبدا حقنا في رؤية الجزائر الجديدة التي آمنّا بها وعلقنا عليها الآمال تتحقق في الميدان.
إنّ سعْي الحكماء لإعطاء فرصة للتصحيح، بالدعوة إلى توخّي الحذر من الانسياق وراء مخططات الآخرين تحت شعارات الحراك البرّاقة، ينبغي أن تقرأه السلطة الجديدة قراءة سليمة، حيث تقيّم كافة قراراتها وخياراتها واختياراتها ومسميّاتها، فما رأته صائبًا وجب تثمينه وتفعيله، وما كان خادشا في إراداتها نحو التغيير أو مُسيئا لجهودها الإصلاحية، فعليها بالمسارعة لاستدراكه قبل فوات الآوان، وهي بلا شكّ تملك من الأدوات ما يُتيح لها قياس صداها ومصداقيتها في الوسط الشعبي، وتعرف جيدا أين يمكن وعاؤها السياسي؟