الرأي

لا ثقة في فرنسا!

قادة بن عمار
  • 1227
  • 2

الحديث عن قرار الرئيس الفرنسي برفع السرية عن بعض الأرشيف الوطني الجزائري، أو تسهيل الوصول إليه، يشبه تماما اعتراف باريس بجريمة اغتيال الزعيم علي بومنجل، كلاهما خطوتان قد تظهران في الاتجاه الصحيح شكلا لكنهما مضمونا بحاجة إلى قراءة صحيحة مع ضرورة طرح بعض التساؤلات المشروعة.

بيان قصر الاليزي يتحدث عن قرار ماكرون بتسهيل الوصول إلى المواد الأرشيفية وخصوصا تلك التي يفوق عمرها الخمسين عاما، لكنه يتحدث أيضا، عن ضرورة “احترام ما يتناسب مع المصلحة الفرنسية العليا، وخصوصا ما تعلق بأسرار الدفاع الوطني” فهل يمكن لهذه الأسرار أن تعترض الكشف عن الحقيقة التاريخية؟ وهل مجرد رفع الغطاء عن بعض الأرشيف يعدُّ كافيا للتسامح مع الجرائم التي قد يتم رفع الغطاء عنها؟ وهل من مصلحة باريس إضافة جرائم جديدة إلى تاريخها الأسود في الجزائر؟

إننا لا نتحدث عن مجرّد أوراق مبعثرة هنا أو هناك، أو عن صور مهرَّبة أو مسروقة وإنما عن أطنان من الأرشيف تم منع الولوج إليها لعقود طويلة، وعن ذاكرة ما تزال جريحة وغير قادرة على تجاوز ما حصل لها من عطب ونتوءات واضحة ومستترة.

ماكرون يريد التعجيل باتخاذ خطوات في سبيل الحصول على اعتراف جزائري “رسمي” بنيَّته السليمة في حلّ ملف الذاكرة، لكنه أمرٌ لا يمكنه الحصول عليه بسهولة، ولا يمكن لأي جهة واحدة مهما كانت، منحه ببساطة، فالاعتراف بقتل زعيم جزائري واحد أو الإفراج عن صورة آخر، أو حتى السماح برفع الحظر عن بعض الأرشيف المحبوس لسنوات، ليست هي الخطوات المطلوبة من فرنسا، أو ليست كل ما يريده الجزائريون من المستعمِر الفرنسي السابق.

مسألة الذاكرة تبدو أكثر تعقيدا من كل هذا، والسماح بالاطِّلاع على بعض الأرشيف الآن يثير تساؤلا آخر: لماذا “البعض” وليس الكل؟ ومن سيحدد هذا “البعض” ومن سيحصل عليه؟ ثم هل سيكون رفعُ الحظر عن الأرشيف الوطني وفي مثل هذا التوقيت بالذات مناسبا لمصلحة الجزائريين أم لا؟

رحم الله شيخنا عبد الحميد بن باديس فقد علَّمنا يوما إنه لا يثق بفرنسا، ولو قالت له “قل لا إله إلا الله” لما قالها، فالقضية أكبر من مجرد تعيين مؤرخ أو تكليفه بعمل ثم استقباله بقصر الرئاسة والتقاط صورة معه، ثم الشروع في اتخاذ خطوات شكلية وانتظار الاحتفال بها جزائريا والتصفيق عليها!

القضية تتعلق بتاريخ طويل تعرَّض فيه الجزائريون إلى أبشع صنوف القتل والتعذيب والإبادة، وهنالك جرائم لو اطلعت عليها الأجيال الجديدة في كلا البلدين، لاحتار الفرنسيون من درجة وحشية أسلافهم ولافتخر الجزائريون مرة أخرى بمدى صمود أجدادهم.

مقالات ذات صلة