لا دعوشة ولا دروشة!
كلمات الدّاعية طارق السّويدان كانت صادِمة بالنّسبة لأولئك الغارقين في ممارسات يعتقدون أنها هي الإسلام، تصريحات السويدان وضعت الإصبع على الجرح وجاءت في وقت ضاع المجتمع فيه وغرق في سيل الاعتقادات الخاطئة التي يعطيها مروجوها طابعا دينيا ويسوقونها في قالب مشوّه لا علاقة له بالدّين الصحيح.
صحيح أنّ الرّجل تكّلم في قضايا خلافية أثبتها بعض العلماء ورفضها علماء آخرون، لكن ما صدر منه جاء في وقته لأن كل المجتمعات العربية ضاعت بين ظاهرتين خطيرتين هما التطرف الذي تجسد في تنظيم مسلح بدأ يزحف على الدول العربية ويهدم أساساتها وباتت الدّعوشة ظاهرة تهدّد القيم وتقلب المفاهيم على كل المستويات، أمّا الظّاهرة الثّانية فهي ظاهرة الدّروشة التي انحرفت بالمجتمع إلى ممارسات غيبية تجعل من حياة الإنسان عرضة لتدخل عالما آخر لا يمكن رؤيته، هو عالم الجنّ الذي بات يتحكم بالبشر، وعليه تطوّع جيش من الرّقاة الذين نصّبوا أنفسهم وسطاء بين الإنس والجن، وباتوا يفكون النّزعات ويردّون الاعتداءات بين الطرفين.
هل يُعقل أنْ يترك النّاس الأطبّاء والمخْتصّين في الأمراض المستعصية ويتزاحمون على الرّقاة والمُشعوذين ومدّعي الطّب البديل، وهل يجوز أنْ نستغني عنْ خدمات الآلاف من الأخصّائيين النّفسيين المتخرّجين من الجامعة وتُتْرك الأمراض النّفسية لعبث مدّعي الرّقية الذين لا يفقهون شيئا في عالم النّفس البشرية!
من جانب آخر يجب التّساؤل، كم مشكل وقع في العائلات وبين الجيران بسبب المبالغة في موضوع إلحاق الأذى بالنّاس من خلال العين؟ وكم هي الخصومات الخطيرة التي حركتها الشّكوك والاتهامات في موضوع السّحر، وكم هو عدد المرضى الذين أُشبِعوا ضربا مبرحا بحجة أنّهم يضربون الجنّ الذين يسكنونهم… هل يُعقل أن يسقط المجتمع في كل هذا التخلّف الذي لم يحدث في زمن الرّسول الكريم والصحابة؟
“آن الأوان لنرقى بديننا عن هذا اللّعب ونهتم بقِيَمِه السّامية” هذا ما قاله السُّويدان وله الحقّ في ذلك لأن ما يحدث كارثة بكل المقاييس، فالإسلام أصبح في نظر العالم رديفا للذّبح والقتْل والجلْد والرجْم والسّبْي وغيرِها من الموبقات التي يرتكبها الدّاعِشِيُّون، ومن جهة أخرى غرقت المُجتمعات في الخرافات والممارسات المنحرفة، وعندما يصيح قادةُ الفكر والعلماء ويقولون إنّ هذا ليس من الدّين، تَجِدُ من يتصدّى له ويتهمه بالكفر والزندقة والإلحاد وما تعرض له الشّيخ محمد الغزالي رحمه الله يثبت أنّ الخطر الحقيقي على الإسلام يأتي من المنتسبين إليه..