-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لصوص الأحلام في الجزائر!

لصوص الأحلام في الجزائر!

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة الاحتيال على ذوي الأحلام من الشباب على وجه التحديد، وقد وجد اللصوص الجُدد ضالتهم في وسائط التواصل الاجتماعي لاصطياد ضحاياهم بسهولة وبعيدا عن الأعين، لولا أن الله يمهل ولا يهمل. ولا تزال أجهزة الأمن تطالع الرأي العام في كل مرّة بتفكيك شبكات نصْب ذات امتداد وطني ودولي، وآخرها توقيف مجموعة محتالين على الطلبة الراغبين في الدراسة بالخارج بعد ما تسرّبت الفضيحة عبر الإعلام.

لقد أصبح الالتحاق بالجامعات الأجنبيّة حلم النجباء من طلبة الجزائر وميسوري الحال لاستكمال دراساتهم العليا، وعندما تنعدم السبل الرسمية المعروفة لهؤلاء لتحقيق رغباتهم فإنهم يقعون ضحية شبكات احتيال تعرض خدمات مشبوهة على المواقع الالكترونيّة.

لكن للأمانة، فإنّ ممارسات اللصوصيّة لا تقتصر على هؤلاء، بل هي ظاهرة في توسُّع لافت، حيث تستثمر بطريقة غير مشروعة في أحلام الطامحين لترقية أوضاعهم المهنية والاجتماعية، خاصة في عالم التدريب المفترى عليه من فاشلين لا صلة لهم بالنجاح.

لا يخفى عن أحد مدى انتشار مراكز التدريب والمدرِّبين مؤخرا في مختلف التخصصات، لاسيما في عالم الصحافة التي تستهوي بأضوائها خريجي الجامعات من الحالمين بالظهور على شاشات التلفاز ونيل إعجاب المشاهدين.

ولا شكّ أنّ التكوين العملي المهني مطلوبٌ ومحمود عندما يكون محترفًا ومفيدا لأصحابه بواسطة كفاءات مشهود لها بالسيرة والخبرة، إذ لا اعتراض من حيث المبدأ على الانخراط فيه والتشجيع عليه، لكن ما ينبغي الوقوف عنده والتحذيرُ منه هو الاحتيال والتدليس الواضح على الناس واستغلال حاجتهم لكسب المال.

إنّ كل من يتابع إعلانات “التدريب” سيكتشف من دون عناء شيوع الكذب والتغرير لجذب الزبائن، إلى درجة أنّ بعض “المدرِّبين” المزعومين لا يستحي مثلا أن يُرفق الإعلانَ بوعود العمل والمساعدة عليه، ما يجعل المتدرّب يأتي طامعًا في التوظيف قبل التكوين، مع أنه لا يوجد أصلا تكوينٌ يمكن أن يتحقق في دورة تستغرق بضع ساعات لمدة يوم أو يومين، إنما هي دردشاتٌ فارغة، وفي غالب الأحيان تحت إشراف هواة، زادُهم الصحفي برامج تافهة تقتات على فضائح المجتمع، صنعت منهم، أو هكذا يتوهَّمون، نجومًا في زمن الرداءة، ليتحوَّلوا بقدرة قادر إلى “مدرِّبين” يقبضون الملايين من غافلين قادتهم أحلامُهم إلى العنوان الخطأ.

لماذا لا تتمّ مصارحة هؤلاء الشباب الحالمين بأن تلك الشهادات التي يُوقّعها لهم مغمورون لا معنى لها في واقع الممارسة، وأنّ ما يدفعون لأجله من عرقهم وجيوب ذويهم يمكنهم الاستمتاعُ بما هو أفضل منه بكثير ومجّانًا على مواقع “اليوتوب” من مدرِّبين عالميّين؟ لكن الكثير للأسف يعلم تلك الحقيقة المرّة، غير أنه يلهث وراء “الورق المقوّى”، لاعتقاده الساذج أنه يفتح أمامه أبواب المستقبل.

وأسوأ من هؤلاء صنفٌ آخر، جعل من الصحة عنوانًا للاحتيال ومن طلب الراحة الماليّة مدخلا سهلا للإيقاع بالبسطاء في هاوية الإفلاس، وهو ما صار معلومًا لدى الجميع باسم “التسويق الشبكي الهرمي”، خاصة في ميدان المكمِّلات الغذائية.

إنّ ما يحدث في هذا المجال من تجاوزات خطيرة يستدعي التدخُّل العاجل لكافة سلطات الرقابة القانونيّة والإداريّة في الجزائر، وصدْح الأئمة بحكم الشريعة البيّن في هذا الكسب الحرام، والذي رفع فئة قليلة من نواة التجارة الكاسدة عند الله إلى أرباب مال وأعمال، بينما رمى الأغلبية الساحقة من المغرَّر بهم، تحت سحر الوعود الكاذبة، في آفات الفقر والدّيون وضياع الوظائف والأرزاق.

ولعلّ سؤالا بسيطا واحدا يمكن أن ينسف كل دعايات التدليس التي يمارسها هؤلاء اللصوص من دون وازع ديني ولا أخلاقي وهو الآتي: لنفترض أن الجميع تخلّى عن العمل المقدَّس، بحجة أنه لا يحقق الراحة المالية وفق خطابهم السرّي، فهل سنجد أنفسنا أمام مجتمع يحترف كلُّ أفراده التجارة الهرميّة؟

هؤلاء هادمون لقيم العمل الشريف قبل كل شيء، وحديثهم المعسول عن فرص النجاح والمشاريع وريادة الأعمال كله محض افتراء، لأنّ المقصود الوحيد به هو جرّ المفتونين والمقهورين والطامعين إلى وحل التسويق الهرمي.

إنّ المسؤولية تقع على عاتق أجهزة وزارة التجارة بالأساس، إذ أنَّ هذه الظاهرة الاحتيالية المكشوفة عندنا ممنوعة في كثير من الدول العربيّة، بينما يصول روّادُها في الجزائر ويجولون تحت عناوين كثيرة، من دون أن تتدخّل أيُّ سلطة عامّة للرقابة على ممارساتهم الدنيئة، وهم يُراكمون منذ سنوات ثرواتٍ غير شرعيّة، مقابل توريط الآلاف من المواطنين، كما أنّ من واجب جمعيات حماية المستهلِك التحرُّك سريعًا ولو بالتأسّس قضائيّا لتوقيف هذا النشاط المخالف لكل الأصول.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!