-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لعنة الله على…!

لعنة الله على…!

خرّ على ركبتيه، يذرف الدمع، وتعتصره الدهشة، وهو لا يستوعب ما فقده من أهل وبيت وتفاصيل الحياة التي كانت تنسحب من روحه، طأطأ رأسه، حاول أن يضمه بين كفيه، كان المفجوع يبحث عن نفسه يتحسّس شهقاته، فلا يجدها، ثم حلّق بعينيه، وتمتم بلازمة أحزان أبناء فلسطين: “حسبي الله ونعم الوكيل فيكم، حسبي الله ونعم الوكيل فيكم”.

ولأن المصيبة التي ضيّعت أهله، وارتقت بهم بعيدا عن حضيضنا، أكبر من أن تسكن في الجوارح، انفجر شهيقا وأمسك بابنه الذي ما عاد في دنياه، وقال: “لعنة الله على …”، ثم سافر بعينيه من دون أن يكمل جملته اللغز، وخرّ مع جثمان ابنه على الأرض.. عفوا على الركام الذي يعلو الركام، في حيّ الزيتون بغزة، ولا أحد يعلم من عنى باللعن.

هو مشهد هارب من مشاهد الفواجع التي بدأت في اليوم الموالي لـ”طوفان الأقصى”، منذ أن قرّر الصهاينة أن يقتلوا ثم يقتلوا، وقرّرت البشرية بعجمها وعربها، أن تصمت بل وتتواطأ، وقرّر الفلسطينيون أن يصبروا إلى ما لا نهاية، حتى عندما انفجرت الكلمات كالبركان، من جوف فتى حي الزيتون، أطلق: “لعنة الله”، ودفن المعني أو المعنيين باللعن في قلبه إلى الأبد.

لقد حاول أبناء المقاومة الفلسطينية أن يوفّروا كل أسباب النجاح، عندما أعلنوا غزوتهم في السابع من أكتوبر من السنة الماضية، في الذكرى الخمسين لانتصار العبور العربي، وكان من أهمّها إطلاق اسم “طوفان الأقصى” على غزوتهم، الأمر الذي يعني ملياري مسلم، ووفّر القدر للغزوة أن تستمر إلى شهر رمضان، حيث التقوى ويوم القرآن والرحمة والتذكير بغزوة “بدر” وجهاد المسلمين وفتح مكة وعزة الإسلام، ومع ذلك، لا العرب همّهم الأمر، ولا المسلمون استذكروا بعضا من أمجادهم، فمرّت الأيام والليالي وقتل وقتل، وصمت وتواطؤ، فاختلطت على الفتى الوجوه الشريرة بالصامتة، فرشق “اللعن” من المسافة صفر، فأصاب الصامتين والمتواطئين، لأن القتلة أصابتهم “كتائب القسام”، ولعنتهم خالدة في القرآن الكريم في قوله تعالى: “لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل…”، وقوله: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا”.

أعلنت إسرائيل الحرب على قطاع غزة وكل فلسطين، في السابع من أكتوبر، وصمتنا، وأعلنت بعدها عن حربها البرّية، وصمتنا، وباشرت قتلها الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، وصمتنا، وقصفت المساجد والمستشفيات والمدارس والمقابر وصمتنا، وقنصت العرسان والحوامل والرضّع وصمتنا، وقصفت طالبي القوت في رمضان وصمتنا، وأعلنت عن هدفها القادم في رفح وصمتنا، وهي التي قتلت في دير ياسين وصبرا وشتيلا وقتلت محمد الدرة وهند ودنّست بيت المقدس، وصمتنا، وترصّدت حي الزيتون وقتلت عائلة هذا الفتى الذي خرّ على ركبتيه يذرف الدمع، وتعتصره الدهشة، وصمتنا.

بربّكم هل إسرائيل ومن أعلنوها دعما ومساندة لها، وحدهم من يستحقون “اللعن”؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!