-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لقاح.. لله يا محسنين!

قادة بن عمار
  • 1156
  • 2
لقاح.. لله يا محسنين!
ح.م

وأخيرا، وبعد طول انتظار، نشرت منظمة الصحة العالمية خبرا مفرحا يقول إن الجرعات الأولى من اللقاحات المعتمدة لمكافحة فيروس كورونا ستصل إلى الدول الفقيرة خلال الربع الأول من السنة المقبلة.

الأمر يبدو مريحا جدا، بعد ما كان مخيفا؛ ففي الساعات والأيام الماضية وبالنظر إلى إصابة 75 مليون إنسان بهذا الفيروس وتهديد البقية، كانت الدول الفقيرة التي تنتظر كغيرها أيَّ بصيص أمل أو ضوءٍ في نهاية النفق، تدرك تماما أنها لن تكون في مقدِّمة المستفيدين، طالما أنه مفعولٌ بها منذ فترة طويلة، أي قبل كورونا وبعده، وبالتالي فهي تخشى انتشار المرض وتخشى العجز عن مكافحته.

هذا ما يشبه تماما أفلام السينما الأمريكية التي كنا نشاهدها لسنوات، إذ تقتضي الحروب أو عمليات الغزو الفضائي أو حتى انتشار الأمراض والأوبئة، التخلص من ثلاثة أرباع البشرية لإنقاذ الربع الأخير، وطبعا فنحن لسنا ضمن هؤلاء المحظوظين، بل إن جهلنا وتخلفنا ووقوعنا لسنوات وعقود تحت نير الاستعمار أوَّلا، ثم الاستبداد، جعلنا عالة على كوكب الأرض وعبءا يسعى الآخرون إلى التخلص منه!

لكن المشهد ليس سينمائيا بالمطلق، ففيه من الواقع الشيء الكثير، فهذا العالم الذي نعيش فيه مثلا ليس عالما واحدا، ومنظمة الصحة العالمية تدرك ذلك جيدا، لذلك حرصت على القول إن الدول الفقيرة ستستفيد من الجرعات المضادة لكورونا، بل وضمنت لها ملياري جرعة حتى الآن.

الخوف الحقيقي ليس في ضمان تلك الجرعات، بل في عدم وصولها إلى من يستحقها، فقد شهدنا بسبب كورونا تمييزا بين الناس، وتخلفا في تسيير الأزمة، وعنصرية بائسة عبر الكثير من الدول التي ننتمي إليها، نحن سكان العالم الثالث، أو البشر الذين نستهلك التكنولوجيا دون أن ننتجها!

قبل أيام، قال وزير الصحة عندنا، البروفيسور عبد الرحمن بن بزيد، إن الجزائر سجَّلت اسمها ضمن الدول التي ستحصل على اللقاح بموجب “آلية كوكافس”، وهذه الأخيرة تعني، الوصول العالمي للقاح المضاد لكوفيد 19، وبالتالي فنحن من تلك الدول التي كان يعنيها إعلان المنظمة العالمية للصحة.

وإذا كنّا غير قادرين على إنتاج اللقاح، بل وننتظر دورنا في الصف الطويل للحصول على الجرعات، فلا مفرَّ من ممارسة الواقعية مع شعوبنا وعدم الكذب عليها في مثل هذه الامتحانات الخطيرة التي تمرُّ بها البشرية. هل يُعقل مثلا أن وزير الصحة في بريطانيا، وبناءً على تقارير علمية وطبية مختصة، يتحدث عن سلالة جديدة من الفيروس، ويدعو شعبه لممارسة مزيد من العزلة والحذر، في الوقت الذي يخرج فيه وزراءُ صحة في بعض الدول العربية قائلين إنهم تحكموا في كورونا بفضل السياسة الرشيدة لصاحب الفخامة أو الجلالة أو الزعامة؟!

الأمر يبدو مثيرا للسخرية، وللغضب أيضا، ويجعلنا متأكدين للمرة المليون بأننا لسنا ضحايا كورونا فحسب، بل نحتاج إلى مضادات لفيروسات أخرى، أشد فتكا، أولها فيروس الجهل الذي دفع بنا إلى مؤخرة الأمم، وثانيها فيروس الاستبداد الذي جعل الكفاءةَ آخر معيار للتمييز بين الناس، وثالثها فيروس الاتكالية الذي جعلنا بلا إرادة وبلا جدوى أحيانا.

لقد حان الوقت من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة، نستعيد فيها إرادتنا ونعطي الفرصة للعقل بدلا من أشياء أخرى في سبيل مواجهة المخاطر التي باتت البشرية عرضة لها منذ فترة وقد يكون فيروس كورونا واحدا منها فقط أو مجرد بداية.

لا نريد أن نكون مجرد لاعب احتياط في مباراة مهمة، أو كومبارس في السينما لا حول له ولا قوة، أو مجرد رقم إضافي ومفعول به، يتلقى المرض وينتظر العلاج من الآخرين كصدقة أو كإعانة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • فضيلة

    الأمر يبدو مثيرا للسخرية، وللغضب أيضا، ويجعلنا متأكدين للمرة المليون بأننا لسنا ضحايا كورونا فحسب، بل نحتاج إلى مضادات لفيروسات أخرى، أشد فتكا، أولها فيروس الجهل الذي دفع بنا إلى مؤخرة الأمم، وثانيها فيروس الاستبداد الذي جعل الكفاءةَ آخر معيار للتمييز بين الناس، وثالثها فيروس الاتكالية الذي جعلنا بلا إرادة وبلا جدوى أحيانا.

  • أحمد أحمد

    هذه حقيقة لاينكرها إلاّ جاهل، لكن مبلغ جهالتنا وحماقتنا أنّنا لا نعتبر و لا نتعظ ، فأين يكمن الخلل في ذلك يا ترى؟