-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لقد أسمعت لو ناديت حيا

‬فوزي أوصديق
  • 5622
  • 0
لقد أسمعت لو ناديت حيا

خلال هذا الأسبوع احتفل العالم بحرية الرأي والصحافة فكثر “الهرج والمرج”؛ والكل يدعي وصلا بليلي وليلى لا تقر لهم بذاك!!، الكل يهلل وينادي بحرية الإعلام والصحافة، فتكثر “الزردات” وكأن ما ينقص الإعلاميين هو الأكل!! نعم إنهم جوعى ولكن السؤال المطروح هو هل وفرنا إطارا تشريعيا لمهنة المتاعب، إذا استثنينا مادة أو مادتين في الدستور لا نرى أنهما تضمنان فعليا وإجرائيا هذه الحريات؟

هل الصحافة سلطة رابعة، مستقلة لها “شنبات” العزة وأظافر الإيذاء لمن يستحق، لا تخشى في إظهار الحقيقة كما هي لومة لائم إلا المهنية الإعلامية واحترامها للقانون؟؟؟

إن  العمل ما يزال طويلا والطريق لا يزال شاقا للوصول إلى هذه المرحلة…

 فالصحافة رغم التضحيات الجسام التي قادها رجال آمنوا برسالتهم ما زال يعتبرها البعض مجرد لعبة وليست مهنة ولا رسالة، لعبة يريد البعض تسييرها، من وراء الستار، أو إخضاعها لمراكز النفوذ، البعيدة عن الاهتمامات والمشاغل اليومية للأفراد، والمجتمعات… كما أن البعض قد لا يجيد التعامل لعمل الخير مع هذه “اللعبة”؛ فيستعملها “كطعم” لزرع الفتن  وتحويل اهتمامات الناس! وبث الإشاعات داخل المجتمع.. مما يستدعي النظر وبجدية إلى هيكلة القطاع السمعي البصري إنني لا أضيف جديدا إذا قلت إن عالمنا اليوم متغير، وإن العجب العجاب في دولة تدعي الحداثة ومواكبة التكنولوجية والعمل على مواكبة الحضارة، وهي لا تزال تصر على المعالجة القاصرة للقطاع، إن هذا العور البين والعجز الواضح قد ظهر جليا في كثيرا من معالجات بعض  “الأحداث” التي عرفتها الجزائر، إذ كيف نتكلم عن ديمقراطية حقة بدون إعلام جاد ومهني نزيه ومفتوح…

الإعلام هو الركيزة “الأساسية” لأي عمل ديمقراطي جاد

إن مما يؤسف له في حالة الصحافة الجزائرية رغم كثرة “عناوينها” أن هذه الكثرة لا تعكس تعددا في الرأي ولا مغايرة في الطرح، فهذه العناوين تكاد تكون استنساخا مشوها لبعضها البعض، وما ذلك إلا نتيجة طبيعية لما تعانيه الصحافة من ضغوطات ومعوقات… فالإشهار يوزع حسب “المزاج” والموالاة بدون ضوابط عادلة، بل إنه يستعمل أحياناً كأداة “للابتزاز” مما يدفع بعض الجرائد المهنية لكي تكون مبرمجة على ما يمكن أن نطلق عليه الانتحار!! وذلك بوقف “الإشهار”، فيقود ذلك قطعا للتوقف عن الصدور…

ليست تلك هي المعوقات الوحيدة، فالمعوقات أكثر من أن تحصى، انظر مثلا إلى المعوقات الهيكلية، وعدم وجود وعاء جامع شامل يحمي “ظهر” الصحافيين، كنقابة قوية مهنية تدافع عن الصحافيين وتعلي شأن المهنة، قد توجد “هياكل” صحافية يغلب عليها التسييس، منقسمة على نفسها على تحكمها الأيديولوجيا!!.

إننا نرى الحل في وحدة صف الصحافيين وإعلاء شأن مهنتهم، صحيح أن ذلك لا يزال بعيدا في ظل الانقسامات الحالية، المشوهة للمهنة ولرسالة الصحافة، إنه تقسيم غير مبني على منطق متعارف عليه، فكيف يرضى الصحافيون لأنفسهم هذا التقسيم البغيض؟ فهذه صحافة خاصة، وأخرى حكومية، وأخرى صحافة رأي وصحافة حزبية، وهنالك تقسيم آخر، تقسيم مبني على مسألة الموقف من الآخر؛ صحافة مفرنسة وأخرى معادية..

إنني أزعم أن البعض له مصلحة في الإبقاء على هذه التقسيمات التي أضرت بهذه المهنة التي يمكن أن يكون لها دور في التنمية السياسية وحرية الرأي والنهضة بالبلاد.

إن مما يؤلم أن بعض الصحافيين خدعوا واستجابوا وابتلعوا الطعم، وذلك من خلال تغذية هذه الانقسامات ودخولهم تحت عباءات الأيديولوجيا في بعد واضح عن مهنتهم التي يفترض فيها الحياد والمهنية والنزاهة…

ومن المعوقات أيضا.. “ضعف” التكوين لدى عدد كبير من أصحاب هذه المهنة التي نعول عليها كثيرا في تنوير الرأي وإحداث تحول في الوعي.. فجامعاتنا أصبحت تخرج موظفين لا صحافيين، هناك نقص واضح في مسألة التدريب وخلل أكبر منه في الوعي برسالة الإعلامي، وأن أهم عناوين هذه الرسالة عدم خضوعه للمساومات وعدم رضوخه للابتزاز…

فالصحافة بعناوينها المختلفة، بالوعود المعسولة من للمسؤولين مثلها، كمثل الشجرة التي تخفي الغابة، فهذه “المعوقات” هي “الحارة” الخلفية التي لا تظهر للعيان…

إننا ندعو إلى معالجة جادة لهذه المعوقات، ولن يكون ذلك إلا بوجود بيئة صالحة للرأي الحر والعمل المهني تكون فيه الصحافة بحق سلطة رابعة بعيدة عن مقص الرقيب من جهة وعن المنافسة غير المهنية..

وإنني كرجل قانون أؤكد أن العديد من النصوص القانونية، وبالأخص قانون العقوبات، والإجراءات الجنائية، تجعل الصحفي محلا للعقوبة مما يعيق بعمله الصحفي.. من خلال استخدام بعض العبارات العامة كالإخلال بالنظام العام، أو الآداب العامة، أو الصحة العامة، أو السيادة الوطنية، بدون تحديدها، فهي “مفردات” متعددة التفسيرات تحمل أكثر من دلالة، لذلك يجب إدخال هذه المواد العقابية في مدونة تهتم بالصحافيين، على شكل ميثاق أو قانون منظم، وعدم اقحام جرائم النشر في ميثاق أو قانون منظم، إننا يجب أن نرتقي بالقوانين المنظمة للصحافة للمعايير الدولية، وعدم وجود هذه المسطرة يفقدنا الحيادية والنزاهة في التعامل مع هذا القطاع الهام.. إنه يجب أن لا يلتفت إلى أولائك الذين يتكلمون عن حرية صحفية أو حرية إعلام وهم في الواقع يخفون في أنفسهم احتقارا وبغضا لهذه المهنة ولفرسانها.. كيف ذلك وهم يتعاملون مع هذه المهنة كأنهم أوصياء الرأي عندما يمسكون بمقص الرقيب.. أو عندما يدفعون لقوانين تدين الصحافيين حتى يدفعوهم إلى أخطر ما يمكن أن يلحق بالصحفي وهو الرقابة الذاتية… فيدفع أصحاب هذه المهنة تحت ضغت لقمة العيش، والقوانين الجائرة ، والابتزاز الرخيص إلى اختيار الانتحار… فهل ينفع بعد ذلك الحديث عن اليوم العالمي لحرية الإعلام… عندها يصدق المثل فينا، لقد أسمعت لو ناديت حيا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!