-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في‭ ‬اليمن‭ ‬وليبيا‭ ‬وسوريا

لماذا‭ ‬التكلفة‭ ‬باهظة؟؟

صالح عوض
  • 5407
  • 0
لماذا‭ ‬التكلفة‭ ‬باهظة؟؟

منذ أشهر عدة والاشتباك الصعب متواصل بين المنتفضين والأنظمة في البلاد العربية الثلاث اليمن وليبيا وسوريا… وفي السياق، تأتي أيام الجمع المتوالية ليتجدد التصميم من قبل المحتجين في هذه البلدان الثلاثة على مواصلة التقدم من أجل إنهاء الجولة وإسقاط رموز النظام وتفكيك حقبته..

  • ولئن استطاع المنتفضون اليمنيون تجنيب احتجاجهم الاشتباك المسلح وذلك لأسباب ترجع لطبيعة علاقات التركيب الاجتماعي اليمني فإن المعركة دامية في شوارع المدن السورية وعلى أبواب البلدات الليبية..
  • لقد جاءت هذه المواجهات بعيد تحقيق الجماهير في تونس ومصر الانتصار الكبير بخروج الحاكم من  القصر وانهيار الأجهزة الأمنية والقوى الحزبية المساندة له.. فكان هذا الانتصار الكبير دافعا قويا لتحرك الجماهير في أكثر من مكان في بلداننا العربية. ولعل الكثير من المتابعين‭ ‬والمحللين‭ ‬وصناع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية‭ ‬يقفون‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬وعلى‭ ‬إجابات‭ ‬متنوعة‭ ‬عن‭ ‬الفارق‭ ‬في‭ ‬صيرورة‭ ‬الثورات‭ ‬العربية‭ ‬ويقدمون‭ ‬إجابات‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬هذه‭ ‬الفوارق‭..‬
  • من المتابعين انطلق رأي مفاده أن حالة المفاجأة والصدمة الأولى أربكت النظامين التونسي والمصري فيما تكون الأنظمة في اليمن وليبيا وسوريا قد امتصت الصدمة وتجهزت لمواجهة رياح العاصفة واستفادت من الدرس!!.. ومن المتابعين من ذهب إلى التصور بأن رأفة في نظام مبارك وبن علي وعدم رغبة من قبلهم في ارتكاب مجازر هو السبب في انكسار نظاميهما بسرعة فائقة!! وأشاروا إلى أن العناد الذي انتهجه النظام اليمني والقسوة التي انتهجها النظامان الليبي والسوري هي التي أطالت عمر المواجهات..
  • قد يكون ذلك صحيحا في ظاهر الأمر، لكنه ليس السبب العميق والمكون الجوهري للحالات المختلفة.. وبعيدا عن الجدل يمكن الإشارة إلى أن ما يقدمه المحللون يحمل نقيضه في داخله من دوافع مشوشة وضبابية لصعوبة العملية التغييرية.. ثم لا يستطيع أحد أن يرى في سلوك نظام مبارك‭ ‬أو‭ ‬نظام‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬ما‭ ‬يحيله‭ ‬إلى‭ ‬الرأفة‭..‬
  • باختصار يمكن القول، إن السبب الكبير في اختلاف الحالات العربية يعود إلى طبيعة التركيب الاجتماعي والسياسي لكل بلد من البلدان العربية.. ففي البلد الذي يتمتع أكثر من غيره بوحدة التجانس الاجتماعي وبتعدد المؤسسات والأحزاب والنقابات والتعليم وانتشار الثقافة وتعدد‭ ‬المنابر‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬تكون‭ ‬الثورة‭ ‬أيسر‭ ‬حالا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تفقد‭ ‬سمات‭ ‬المجتمع‭
  •  ‬والدولة‭.‬
  • في تونس واجهت الثورة دولة بمؤسسات سياسية ونقابات وأحزاب وقوى فكرية ولم يكن التضييق كاملا وان كان الفساد كبيرا واستئثار الحاكم وحاشيته فادحا، وكان المجتمع التونسي متكاملا على صعيد الإحساس بالمواطنة والوحدة السياسية بين جهات الوطن بما تشمله من وحدة المشاعر والإحساس بالارتباط بالدولة قربا أو بعدا.. وفي مصر كانت الأحوال في هذا كله أحسن من تونس، فاحتاجت الثورة في مصر لايام اقل من تلك التي احتاجتها في تونس.. فعلى صعيد الدولة كان الجيش في الدولتين مؤسسة وطنية لكل البلد ولم يكن له سابقة اشتباك مع الشعب. وعلى صعيد المجتمع كانت النقابات القوية العمال والطلبة والقضاة والمحامون والأطباء والقضاة وغير ذلك حاضرة بفاعلية.. الأمر الذي يعني تنظيم المجتمع حول عناوين مطلبية ناضجة وفي صفوف منتظمة بقيادات واضحة ولم يحتج الأمر إلا لمن يطلق الطلقة الأولى المغامرة والواعية تلك التي تمثلت‭ ‬في‭ ‬شباب‭ ‬الثورة‭ ‬الذين‭ ‬كسروا‭ ‬حاجز‭ ‬الخوف‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭ ‬المنتصرين‭.‬
  • أما في اليمن وليبيا وسوريا فلا توجد مؤسسات دولة ولا يوجد تجانس مجتمع.. فالدولة مركزة في جهاز أمن تنفق عليه الأموال الطائلة وتطلق يديه في حياة الناس الخاصة والعامة ويستحوذ على الأموال ومصادر الثروة ويسيطر على كل مجالات الحياة.
  • في هذه الدول الثلاثة نموذج آخر يختلف عن النموذج المصري التونسي.. نحن هنا إزاء مجتمعات مزقها الاستبداد إلى مناطق وجهات، كما هو في اليمن، لكل مزقة همّها وقضيتها أو أن يكون الاستبداد قد سحق المجتمع وألغى الشروط الإنسانية للمواطنة وحول المجتمع كله إلى ملك يمين‭ ‬وقطيع‭ ‬وحرم‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬الإحساس‭ ‬بالرابط‭ ‬الحميم‭ ‬بالدولة‭ ‬ومؤسساتها،‮ ‬كما‭ ‬فرغ‭ ‬كل‭ ‬النقابات‭ ‬من‭ ‬جوهرها‭ ‬وحولها‭ ‬الى‭ ‬أبواق‭ ‬لمهرجين‭ ‬تسمم‭ ‬الهواء‭ ‬بمقولات‭ ‬جوفاء‭ ‬تمعن‭ ‬في‭ ‬إهانة‭ ‬الناس‭..‬
  • ولئن كانت البلدان الثلاثة قد استحكم فيها الاستبداد وما يستتبعه بالضرورة من الفساد بأشكال مختلفة.. كانت المعركة عنيفة وحادة بين رغبة شرائح المجتمع التي وجدت متنفسا لها في الشبكة العنكبوتية ووسعت مداركها ورغباتها من خلال إطلاعها على ما يجري في بلدان كثيرة من حيوية الشباب ومساهماتهم في مستقبل بلدانهم.. لم يكن من المتوقع أبدا أن تستطيع القوى السياسية اليمنية المعارضة أن توحد اليمن وتشكل جبهة رفض ومقاومة موحدة بشعاراتها ضد النظام لأنها أصبحت بشكل أو بآخر جزءا من الأزمة.. إلا ان تفتّح طبقة من الشباب على الهموم المتنوعة وانفتاحهم على الوعي العام والخاص، هداهم الى جملة شعارات وحدت اليمن وتجاوزت أخطر نتائج الاستبداد.. في ليبيا وسوريا كان الرصاص لغة النظام المثلى للإجابة على طلبات المحتجين الذين كسروا حاجز الخوف.. لم يتوقع النظام أن هناك صوتا في البلد يمكن أن يخرج عن سياق جوقة المداحين والمطبلين له.. فوجئ النظام بصدور عارية لمجموعات من الشباب تهتف في الشوارع من أجل الحرية. وتهجم على الموت وتقدم مئات الشهداء في أيام معدودة. كانت الدولة مفرغة من مؤسساتها وكان المجتمع أعزل من نقاباته وكانت النخب كلها مهاجرة والإعلام بيد أجهزة الأمن.. ولم يكن في الخيال أن يكون للأحزاب السورية المعارضة المطاردة في المنافي أي دور للتغيير إلا على الطريقة الأمريكية في العراق. ولقد كانت بعض أحزاب المعارضة السورية على استعداد لأن يدخلوا البلد على ظهر الدبابة الامريكية.. لقد أصبحت الأحزاب في ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬بفعل‭ ‬الزمن‭ ‬متكلسة‭ ‬تجتر‭ ‬شعاراتها‭ ‬القديمة‭ ‬ولا‭ ‬تلتفت‭ ‬لما‭ ‬عليه‭ ‬تطورات‭ ‬المحيط‭ ‬والعالم‭.. ‬ولقد‭ ‬شاب‭ ‬شعاراتها‭ ‬نتن‭ ‬جهوي‭ ‬أو‭ ‬طائفي‮ ‬وضيق‭ ‬حزبي‭ ‬ولغة‭ ‬غير‭ ‬سوية‭ ‬أصبحت‭ ‬الأحزاب‭ ‬معها‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭..‬
  • لهذا كله كان الاشتباك عنيفا وشرسا.. وأصبح من الواضح أن الجماهير لن تحقق مطالبها بالحرية السياسية وحقوقها الانسانية دون بذل تضحيات باهظة جسيمة.. وللأسف فإن هذه الاشتباكات العنيفة تتم ليس بعيدا عن مراقبة الغرب، بل ومساهمته أحيانا في تعميق الأزمة.. وهكذا نجد أن‭ ‬الاستبداد‭ ‬يقدم‭ ‬للغرب‭ ‬فرصة‭ ‬تاريخية‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يتشبث‭ ‬في‭ ‬خندق‭ ‬الحرب‭ ‬المفتوحة‭ ‬ضد‭ ‬إمكانية‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الاستبداد‭ ‬والتفرد‭ ‬بالسلطة‭ ‬والمال‭..‬
  • إنه‭ ‬الامتحان‭ ‬القاسي‭ ‬والعنيف‭ ‬فإن‭ ‬نجحت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬بنيل‭ ‬حريتها‭ ‬وكرامتها،‮ ‬فإن‭ ‬الاستبداد‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬سيصبح‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬كان‭ ‬ويومئذ‭ ‬يفرح‭ ‬المؤمنون‭. ‬ 
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!