-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
كتاب عن التحولات الكبرى في الفكر الغربي:

لماذا الحداثة وما-بعد الحداثة؟

الشروق
  • 1562
  • 1
لماذا الحداثة وما-بعد الحداثة؟
أرشيف

يسعى كتاب الباحث الجزائري، محمد بن سباع، “لماذا الحداثة وما-بعد الحداثة؟” إلى الإسهام في التعريف بأهم مميزات الفكر الغربي، وتَسلِيطِ الضَّوءِ على الكثير من القضايا والإشكاليات التي رافقت تَحَوُّلَهُ من الحداثة إلى ما-بعد الحداثة.

لقد نُظِرَ إلى الحداثة الغربية على أنها قامت بالأساس ضد كل ما يرمز إلى القديم أو السابق، وبالتالي الاعتراض عليه، وأنها ظاهرة متنوعة الأبعاد؛ تَرتَبِطُ بكل المجالات سواء الاجتماعية أو السياسية أو الفلسفية أو الجمالية وغيرها، وإن هذا التَّصَوُّر حول الحداثة زاد في نشره فلاسفة ومُفَكِّرُو الحداثة، خصوصا فلاسفة التنوير الذين ساهموا في تأسيس مملكة العقل التي تَرَتَّبَ عنها التَحَوُّلٌ من مركزية الدين إلى مركزية الإنسان، فساد الاعتقاد آنذاك بِيَقِينِيَّةِ المفاهيم الـمُطلَقَة والكُلِّيات، وهذا ما أعطى مَشرُوعِيَّةً أكثر للميتافيزيقا، بحسب الكتاب الصادر عن داري ابن النديم الجزائرية والروافد الثقافية ببيروت.

لكن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ظهرت انتقادات كثيرة للحداثة؛ وتحديدا مع ماركس ونيتشه، ثم تَعَمَّقَت وتطورت هذه الانتقادات في القرن العشرين؛ خصوصا مع هايدغر وفرانسوا ليوتار وفلاسفة مدرسة فرانكفورت من أمثال تيودور أدورنو وبنيامين وماكس هوركهايمر وغيرهم، فكان أهم ما ساهم به هؤلاء الفلاسفة هو نقد العقلانية الحداثية من جهة، والتمهيد لظهور مشروع ما-بعد الحداثة من جهة أخرى، وهو المشروع الذي بدأ فِعلِيًا في السبعينيات من القرن الماضي؛ وتحديدا مع ظهور ما-بعد البنيوية في فرنسا، خصوصا مع أعمال رولان بارث وجاك لاكان وجاك دريدا.

التشكيك في قدرات العقل الإنساني
يتفق أغلب المفكرين والباحثين على أن ما-بعد الحداثة هي رَدَّةُ فِعلٍ على الحداثة، حيث دعت إلى الشَّكِّ في كل المفاهيم الميتافيزيقية، من خلال التشكيك في قدرات العقل الإنساني، وهنا حدثت التحولات الكبرى في الفكر الغربي، فإذا كانت الحداثة تقوم على فكرة المركز، فإن ما-بعد الحداثة تدعا إلى إعادة الاعتبار إلى الهامش، وإذا كانت الحداثة تقوم على مفهوم الثبات والفكرة المطلقة والمغلقة، فإن ما بعد-الحداثة هي تَجسِيدٌ لمفهوم التَّحَوُّلِ والانفتاح، وإذا كانت الحداثة توصف بأنها عصر الايدولوجيا، فإن ما-بعد الحداثة هي إعلان عن دخول مرحلة الما-بعديات؛ ما-بعد الايدولوجيا وما-بعد التاريخ وما-بعد الإنسان، حيث وجد الإنسان نفسه في عصر ما-بعد الحداثة في عالم بلا تاريخ تَتَفَكَّكُ فيه كل العلاقات. ومثلما أن لِمَا-بعد الحداثة ايجابيات؛ أهمها تقويض مقولات الميتافيزيقا الغربية، فإن لها الكثير من السلبيات، جَعَلَتهَا مَحَلَّ انتقاد من طرف الكثير من الفلاسفة والمفكرين، الذين أَكَّدُوا على أن ما-بعد الحداثة تسعى إلى الهدم والتقويض فقط، دون أن تُقَدِّمَ بدائل عملية، كما أن دفاع ما-بعد الحداثة عن الآخر والـمُهَمَّشِ تَرَتَّبَ عنه تهميش الأنا وإِقصاؤُهُ. هذا، إضافة إلى الكثير من السلبيات التي جعلت ما-بعد الحداثة تَغرَقُ في عالم من الفوضوية والمفاهيم العدمية.
يساهم هذا الكتاب، والذي توزعه في الجزائر مكتبات ناجي ميغا بوكستور، في توضيح معالم الحداثة وما-بعد الحداثة الغربية، وتبيان خصائص وأهمية كل مرحلة، وهذا ما سعى إليه كل الباحثون المساهمون فيه، وهنا تكمن قيمة وأهمية، بل وضرورة هذا الكتاب.

وأعرب المحرر محمد بن سباع من جامعة قسنطينة أن يكون العمل محاولة فلسفية جادة، وإسهاما فعليا في إثراء المكتبة العربية بكتاب لا يتوقف هدفه عند حدود معرفة فكر وثقافة الآخر، وإنما عساه يكون سبيلا لتحديد موقعنا من الحداثة وما أحوجنا نحن العرب والمسلمين إلى حداثة تحررنا من تبعية الموروث وتقليد الآخر.
أما بالنسبة إلى الدراسات الموجودة بين دفتي هذا الكتاب، فمنها التي تدرس بعض القضايا والمفاهيم المرتبطة بالحداثة وما-بعد الحداثة مثل مفهوم الأنوار، والدولة، والكولونيالية وما-بعد الكولونيالية، والبيئة وغيرها، ومنها التي تختص بدراسة بعض النماذج من المفكرين الذين أَسَّسُوا للمراجعة النقدية للحداثة من أمثال هايدغر، أو الذين أَيَّدُوا مشروع الحداثة مثل هابرماس، أو الذين نَظَّرُوا للفكر ما-بعد الحداثي مثل فرانسوا ليوتار.
تسعى هذه الدراسة إلى تَقَصِّي للمدلولات وتَتَبُّع للتحولات”، إلى تَتَبُّعَ أهم تحولات الفكر الغربي في مرحلتي الحداثة وما-بعد الحداثة، حيث بَيَّنَّت أنه يمكن الحديث عن الحداثة وما-بعد الحداثة من خلال أهم خصائص ومميزات كل مرحلة؛ فبالنسبة إلى الحداثة الغربية فقد تَجَلَّت معالمها مع فلاسفة التنوير الذين أَكَّدُوا على ضرورة إِعمالِ العقل في كل مجالات الحياة، بِهَدَفِ التَّحَكُّمِ في الطبيعة والعالم كَكُل. لكن، رغم أن الحداثة نقلت الإنسان الغربي إلى حياة أفضل في كل المجالات، إلا أنها تعرضت إلى الكثير من الانتقادات، لذلك تُعتَبَرُ المرحلة الفاصلة بين الحداثة وما-بعد الحداثة مرحلة مُهِمَة جِدًا؛ لأنها من جهة أبانت عيوب الحداثة ونقائصها، وهي من جهة أخرى، ساهمت في تأسيس مرحلة ما-بعد الحداثة.

وتحاول كل الدراسات التي يتضمنها الكتاب، التَّعبِيرَ عن التحولات الكثيرة التي حدثت في ثقافة الإنسان الغربي في مرحلتي الحداثة وما-بعد الحداثة، والتي على الرغم من أنها كانت تحولات جذرية، إلا أن القاسم المشترك بينها هو أن الإنسان كان ولا يزال يبحث عن معنى لحياته.
س.ع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • دولة ميؤوس منها

    التشكيك في قدرات العقل الإنساني و لماذا الحداثة وما-بعد الحداثة و التحولات الكبرى في الفكر الغربي ..... مقالات وكتب موجودة في النت إذن !!! Notre cerveau en proie au doute Le postmodernisme renouvelle le geste inaugural de la modernité التحولات الفكرية الكبرى للحداثة