-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا غاب المثقف الأمازيغي المعرب عن معركة اللغة الوطنية الأمازيغية؟

أمين الزاوي
  • 7580
  • 18
لماذا غاب المثقف الأمازيغي المعرب عن معركة اللغة الوطنية الأمازيغية؟

لماذا يخطئ المثقف المعرب في بلادنا موعد إقلاع قطار التاريخ دائما؟ ما هي الباطولوجيا المعرفية التي يعاني منه المثقف المعربي في الجزائر والتي تجعله لا يتخذ الموقف السليم في المكان المطلوب وفي الوقت المناسب؟

  • مع كل ما قيل ويقال في تاريخ الثقافة الجزائرية الحديث والمعاصر من قبل مجموعة كبيرة من المشككين في العمل الذي قام به أولئك الذين حملوا وحموا الثقافة واللغة الأمازيغيتين في الجزائر منذ الاستقلال وحتى الآن، وقد استعملوا ضدهم جميع الأسلحة غير الشريفة إذ قصفوهم بكل التهم، التخوين تارة والعمالة تارة أخرى والفرنكوفيلية وحتى معاداة الدين، ومع ذلك ظل المثقفون المؤمنون بالمسألة الوطنية الأمازيغية يواصلون معركتهم في زمن صعب كان فيه الحديث عن هذه المسألة كما الحديث عن المس بالثوابت الوطنية.
  • ولكن الملاحظ على هذه المجموعة من المثقفين الذين قاوموا بشرف وشراسة اغتيال الثقافة واللغة الأمازيغيتين في فترات عويصة من تاريخ الثقافة الجزائرية الحديثة والمعاصرة أنهم كانوا يمارسون الدفاع عن هذا المكون الوطني الأساس وفي أغلب الأحيان باستعمال اللغة الفرنسية وسيطا معرفيا، أو بالأحرى فإن جميع من ناضل من أجل إعادة توطين اللغة الأمازيغية في بلدها حتى الوصول بها اليوم إلى لغة وطنية، والذهاب بها قريبا إلى لغة رسمية، هم من المثقفين الجزائريين مفرنسي اللسان.
  • من منا لا يقرأ اليوم، كل ما جاء الحديث عن الثقافة الأمازيغية، أعمال طاووس عمروش(1913 – 1976) التي استطاعت أن تجمع شتات ذاكرة شعب كانت معرضة للتفتيت والاندثار، من منا أيضا لم يقرأ ما قام به مولود فرعون (1913 – 1962) وهو يجمع ويترجم ويقدم لأول مرة قصائد أمير شعراء الجزائر الأمازيغ الشيخ محمد أومحند، ومن لم يطلع على الحفريات المعرفية التي قام بها الكاتب والروائي والأنتربولوجي مولود معمري (1917 – 1989) حول الشعر الأمازيغي و”أهل الليل” بالجنوب، وما قام به أيضا الشاعر والأكاديمي رابح بلعمري (1946 – 1995) في جمع الأمثال الشعبية والحكايات التي تشكل جزءا كبيرا من مكونات المخيال الجزائري، وما قام به الباحث اللساني عبد النور عبد السلام في العمل اللغوي والمعجمي، وما قامت به الباحثة الجامعية تاسعديت ياسين ببحوثها المتعددة في التاريخ الثقافي للجزائر ومن خلال إشرافها على مجلة “أوال” بجدية علمية عالية بعد رحيل مؤسسها مولود معمري، وما قام به الأديب يوسف مراحي في جمعه لأيام القبائل تواريخ الأعياد والأعلام والأماكن، وما قام به الأكاديمي يوسف نسيب حول التأريخ للشعر الأمازيغي والتوثيق له والكاتب يوسف عدلي وغيرهم كثير.
  • لا أريد هنا أن اتحدث عن الأغنية والموسيقى فذاك مجال آخر له فرسانه الذين رفعوا الموسيقى الأمازيغية وحفظوها من الضياع وبإمكانات ضعيفة وبسيطة ولكن بإرادة كبيرة وإيمان قوي.
  • لا أحد اليوم يريد أن يبحث في الثقافة الأمازيغية أو اللغة الوطنية الأمازيغية دون المرور على أعمال هؤلاء الذين حفظوا وحافظوا على الجزائر الثقافية كبيرة وواسعة وحداثية من موقع البحث والدرس والنقاش والإقناع الثقافي والسياسي.
  • ولكن الذي يثيرني ويقلقني كثيرا هو: لماذا لم يشتغل المثقف الجزائري الأمازيغي معرب اللسان على الثقافة الوطنية الأمازيغية ولم يعتن بها، بل إن بعضهم هاجمها هجوما كبيرا وعنيفا؟
  •  أتساءل وأنا أدرك يقينا بأن الكثير من المثقفين المعاصرين، فرسان العربية في جزائر الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، والذين يفقهون سر العربية هم من أبناء هذه منطقة القبائل، أحفاد ابن أجروم والغبريني والزواوي وغيرهم من العلماء الأمازيغ الذين أضافوا للعربية وللعلوم التي كتبت بها الكثير والمتميز، ولكن للأسف فإن هذه المجموعة من المثقفين الجزائريين الأمازيغ لم يهتموا ولم يكتبوا باللغة العربية التي أتقنوها وأبدعوا فيها وبها عن الثقافة واللغة الأمازيغيتين سعيا لحفظ هذا التراث الوطني النبيل والأصيل، مع أنني أعرف أن اللغة الأمازيغية بالنسبة  لغالبية هؤلاء المثقفين هي اللغة التي رضعوا بها ومعها حليب الأم، فكيف للإنسان أن ينسى أو يتنكر لحليب أمه، لا وطن بدون أمي، ومن هؤلاء المثقفين الجزائريين الأمازيغ  ذوي اللسان العربي والذين لهم صورة كبيرة ومحترمة لدى الخاص والعام أذكر على سبيل المثال كل من: الباحث والمترجم حنفي بن عيسى، والمرحوم الكاتب والباحث الوزير مولود قاسم نايت بلقاسم، والمرحوم عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين، وشيخ أدباء الجزائر وعقّادُها محمد صالح الصديق، والدكتور الوزير سعيد شيبان، والباحث والروائي السفير الأستاذ عثمان سعدي، والأستاذ الباحث والشاعر والباحث عمر أزراج والروائي إبراهيم سعدي وغيرهم.
  • في حدود علمي أيضا لم يهتم المثقف الأمازيغي معرب اللسان بجمع التراث الثقافي الأمازيغي، ولم يعتن بتعليم اللغة الأمازيغية والبحث في ترقيتها، ولم يهتم أيضا بترجمته إلى العربية كما هو الشأن مع المثقف الأمازيغي ذي اللسان الفرنسي الذي اشتغل كثيرا في البحث والترتيب والجمع والحفظ والترجمة إلى الفرنسية، وبالتالي تكاد تكون المكتبة الجزائرية الأمازيغية اليوم مكتبة حيث أرصدتها في غالبيتها مكتوبة بالفرنسية أو مترجمة إليها، وأعتقد أن هذا هو الأمر الذي عقد مسألة الحسم في اختيار الأبجدية التي تكتب بها اللغة الوطنية الأمازيغية، والتي حتى الآن لا يزال أمر كتابتها معلقا. وأعتقد أن النشاط العلمي للمثقف الأمازيغي ذي اللسان الفرنسي هو الذي جعل غالبية الانتاج الأمازيغي المعاصر من رواية وشعر ومسرح وغيره يكتب بالحرف اللاتيني، وأن أكثر وثائق ومنشورات المحافظة السامية للغة الأمازيغية تكتب بالحرف اللاتيني.
  • دعوني أقدم قراءتي الخاصة لهذه الحالة الباطولوجية الثقافية والسياسية التي يعيشها المثقف المعرب في بلادنا منذ الاستقلال (هناك استثناءات تؤكد القاعدة)، بغض النظر عن اللغة التي بها شرب حليب أمه، عربية أو أمازيغية، لقد بينت العواصف التي عاشتها الثقافة واللغة الأمازيغية والصراع الذي وقع حولهما من أن هذا المثقف المعرب حتى ولو كان أمازيغي لغة الأم والرضاعة فهو مثقف “سلطة”، هو لسان من “يحكم”، والحال يدوم ويستمر منذ الاستقلال، وهو مثقف “تابع” يفتقد إلى روح الإبداع والمبادرة و”خواف” من الحداثة، وقانع بانتمائه إلى الكوليج الثاني في سُلَّم القيم، فكثير من المثقفين المعربين والعروبيين والمستعربين الذين كانت ألسنتهم “مدلوقة” قبل سنوات قليلة ضد ترقية اللغة الأمازيغية وضد رموزها النضالية السياسية والثقافية، ولكن وبمجرد أن قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترقية اللغة الأمازيغية إلى مرتبة اللغة الوطنية حتى كانوا من الأوائل الذين سارعوا إلى التصفيق والزغاريد والاحتفال وهم الذين كانوا، قبل ربع ساعة، يتهمون كل من تخول له نفسه الدفاع عن هذا الإرث الوطني بالخيانة الوطنية وبفيالق “حزب فرانسا” وما إلى ذلك من التهم التي امتلأت بها أعمدة بعض الصحف الصفراء.
  • اليوم وبعد أن كانت بعض الأسماء الثقافية من الكتاب والباحثين الذين تم التشكيك، ولزمن طويل، في وطنيتهم والذين ظلوا محاربين ومهمشين ها هم اليوم يعودون إلى الساحة الثقافية، إلاَّ مَنْ رفض، كالأمراء لتفرش لهم الزربية الحمراء كأبطال الهوليود، في الملتقيات والمعارض والتظاهرات الثقافية الكبرى، هذه العودة أما تطرح علينا سؤالا مفصليا وهو: أما دقت ساعة كتابة تاريخ الثقافة والمثقفين في بلادنا؟ أنه المفتاح المركزي لقراءة جزء كبير من أزمتنا السياسية.
  •  aminzaoui@yahoo.fr
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
18
  • misoum

    يا دكتور لقد قالها دات يوم المرحوم نايت بلقاسم نحن امازيغ عربنا الاسلام هده الجملة كفيلة بان ندرك دالك الاسلام الدي عرب الامازيغ واولاءك العرب كيف كانو يشعرون بثقل المسؤلية الملقات على عاتقهم فكيف بربك نلوم الامازيغى الان عن الاستقاله وهو يري ما يحدث من قبل هؤلاء العرب المسلمين سلاطين كانوام رعيه اين هى النوايا الحسنه اين هو التفانى اين هو العطاء اين نكران الداة اين الصدق اين واين واين...............!

  • بدون اسم

    نرجو من الشروق ان تفتح استفتاء حول ترسيم و تعميم تدريس الامازيغية و شكرا لاميننا على جراته

  • بدون اسم

    نرجو من الشروق ان تفتح استفتاء حول ترسيم و تعميم تدريس الامازيغية و شكرا لاميننا على جراته

  • بدون اسم

    اابنة مازيغ
    شكرا يا اميننا

  • Ahcene

    كل الشكر و العرفان للكاتب الأديب الأستاذ أمين الزاوي، نود ان تكون المساهمات و المقالات الصحفية كلها من هذا المستوى الراقي، جامعا لا مفرقا، صريحا لا منافقا، موضوعيا لا شعبويا، عاليا لا سافلا. شكر لكم أستاذنا المحترم. للأسف في الجزائر أمثالكم يبعدون و يهمشون.

  • سفدان

    شكرًا استاذ على المقال لكن السؤال الحقيقي لماذا لا يستوعب المتقف الجزائري سواء كان امازيغيا او عربيا تقافة وطنه الأصلية

  • Akli

    تحية حب و احترام لأديبنا أمين الزّاوي على ما يبذله من جهود في خدمة كل الثقافة الجزائرية. إنّك يا أستاذنا المسيردي طرحت هنا للنقاش موضوعا في غاية الأهمية، و مسألة جديرة بدراسة جامعية جادة. لماذا لم يساهم المثقف الأمازيغي بالعربية في الدفاع عن الثقافة الأمزيغية؟ و لماذا يعادي كثير من الجزائريين الثقافة الأمازيغية و غالبيتهم من أصل أمازيغي و بعضهم تعربوا مؤخرا و وجدوا جداتهم لا يتقن إلاّ الأمازيغية في عين كييرة، عين ولمان، جيجل، بسكرة، باتنة، تيسمسيلت، تلمسان على سبيل المثال لا الحصر؟ يتبع

  • بدون اسم

    الى 8 استعد لليوم الذي ستتحدث بهذه اللهجة الغريبة البربرية لان النظال من اجلها بدا ليل الى هدفه وصيصل بسرعة غير متوقعة امام ضعف تخلف وانحطاط مستوى اشباه الشعوب الارهابيين البدو اصحاب الخيمة والخيمة
    مشروع الجزائر العربية فشل وهو سبب كاف التغيير ولمعلوماتك فتسمية بربر اطلقت على الجرمن والغال والفراعنة ووطنتها فرنسا مثلما وطنت القومية البدوية بتقسيمها للجزائريييين الى عرب واوروبيين

  • massi

    Thanks Doctor, le fait de'entamer le debat sur la culture amazigh et son ecriture,..etc c'est deja un pas
    Tanmirt

  • بدون اسم

    شكرا الدكتور

  • أبو العباس

    كأنك يا أستاذ لا تدري أو تتجاهل عن عمد بأن ماقام به المفرنسون في سبيل البربرية
    هو فقط للحرب على العربية ولم يكن لوجه البربرية (أستعمل كلمة البربر التاريخية حتى لا أتورط في تزييف التاريخ لأن كلمة مازيغ صفة وليست اسم علم ) وانا بعد بربري ، لكني اليوم لا أفهم ما يقال في الإذاعات التي تستعمل هذه اللغة الغريبة المفبركة التي هي أشبه ما تكون بلغة الإسبرنتو..
    إن النية لم تكن لا ثقافية ولا علمية ولكنها سياسية فقط..

  • souiad

    شكرا الدكتور امين الزاوي والله كلام منطقي ياليت يسمعوك ويفهموك بل هم كالاصم الدي لايسمع وكالابكم اللدي لايتكلم وكالاعمة اللدي لايبصر ولاكن دكر فان الدكرى تنفع الواعين

  • عزيز

    السيد الدكتور أمين
    ألا زال هذا التقسيم واردا... مثقف معرب و مفرنس، و إن كان كذلك فإلى أي المثقفين تنتمي و أنت تكتب بالعربية و الفرنسية.
    أرى أن هذا التقسيم متجاوز إلى حد ما.
    وشكرا

  • عبد الكريم

    إن كاتب هذا المقال يعرف جيداً مربط الفرس، ولا حاجة له ليدور حول الموضوع أو ليوهم القراء بما ليس واقعاً، إن مسألة اللغة الأمازيغية في الجزائر لها بعدها التاريخي، ولا اقول الثقافة الأمازيغية لأنها كانت ولا تزال في واقع الشعب الجزائري بادية للعيان من خلال الأغاني والأمثال الشعبية التي يستخدمها الناس في حياتهم اليومية، ولكن المسألة كما يعلم أستاذنا الكريم أنها انطلقت مسيسة في عهد الاستعمار، وبقيت كذلك ـ مع بعض التحفظ ـ إلى أيام الاستقلال، وما انجر عنها من مشاكل معروفة. وإلا لماذا المفرنسون هم الذين

  • El GUELLIL

    تعظيم سلام دكتور
    رائع انت في الصدع بالحق والحقيقة
    ومع ان اهلك استعربوا من زمان لكن اتحفونا بلغة جميلة في وفاق من الامازيغية والعربية انها لغة امسيردة والطرارة ...
    انا حزين لان لغتنا التي كانت الى منتصف القرن الماضي متداولة اراها تنقرض هذه الايام : لغة اخوانكم وجيرانكم "اث سنوس"

  • أمينة

    الموضوع الذي تطرحه يحتاج الى جدال طويل ولكن في رايي ان مشكل المثقف الامازيغي سواء معربا كان او مفرنسا هو اللغة اعتقد انها العائق الذي يقف وراء مشكل الثقافة الامازيغية ربما اللغة الامازيغية هي الحل الامثل من اجل نشر وحماية هذا الارث الامازيغي الغني عن التعريف.ثم ان معظم الامم والحضارات التي تقدمت واشتهرت عبر العالم وعبر التاريخ انما وصلت الى ما وصلت اليه بلغتها الاصلية والا فلماذا الموسيقى الامازيغية نجحت وبامكانات بسيطة.اي المشكل في اللغة المستعملةعجزت عن احتواء الفكرالامازيغي.ربما..

  • و.مصطفى

    يتسائل أستاذنا الفاضل لماذا لم يكن انتاج ادبي وعلمي من الطبقة المغاربية المعربة
    دوي الاصول البربرية ؟ هذا السؤال حمال أوجه من جهة تعريف الدقيق والعلمي لاي لغة يجب ان تكون اللغة في شموليتها تابة لاتخذع الى زمان أو مكان ودلالة المعنى بلفظه وتركيبته فمصطلح اللغة ليس كل من تكلم بكلام ذاته يملك لغة علمية
    فهناك اللهجة وهناك اللغةحسب التقرير الدولي الذي انعقد بجامعة هافردا بأمريكا
    و من المشاركين كان أخضر غزال صاحب أول من وضع الحروف العربية بالحاسوب ان هناك لغتين في العالم العربية وربيبتها العبرية

  • mustapha

    ان شاء الله الامازيغية سترقى الى للغة رسمية ليس فقط للغة وطنية
    اما السيد امين الزاوي فاكن له احتراما كبيرا
    الجزائر امازيغية حب من حب و كره من كره