-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

… لماذا يموت الجزائريون بالاستهتار؟

… لماذا يموت الجزائريون بالاستهتار؟

أرقام مرعبة تقدمها مصالح الحماية المدنية يوميا عن ضحايا الطرقات والشواطئ والمسطحات المائية خلال موسم الاصطياف، إلى درجة صار معها الأمر مثيرا للقلق ويستوجب النقاش المؤسساتي والمجتمعي، للبحث في الأسباب وتكريس وسائل الوقاية لصيانة الأرواح البشرية.

إذا كنا نعتقد يقينًا أن الموت حق ويأتي في أجله المحتوم، ولا منجاة منه في كل الأحوال، فإنّ كثيرا من الحوادث المتكررة التي يموت بها الجزائريون خلال السنوات الأخيرة توجب الانتباه وطرح القضية للدراسة السوسيو-نفسية.

لم يعد مفهوما، بل أن يكون مقبولا، موت الجزائريين بالجملة، خلال فصل الشتاء بحوادث تسرب غاز المدفأة، ثم هلاك الآلاف سنويا في مجازر المرور عبر كل الفصول، وإذا حلّ الصيف ضيفا للاصطياف والاستجمام نزلت معه فجائع الغرقى بلا حساب، لتحيل راحة النفوس والأبدان في عطلتها إلى جزع شديد، بل إن أفراحنا الاجتماعية، العائلية والوطنية منها، من أعراس واحتفالات رياضية وثقافية، لم تسلم هي الأخرى من الضحايا دوريّا، الذين نفقدهم بالبارود أو مناورات الطيش على قارعة الطريق، وحتى التدافع على أبواب الدخول.

صحيح أن هناك جملة من الأسباب المادية الموضوعية تقف وراء تلك الفجائع تتعلق أحيانا بالوسائل المغشوشة والمركبات المتهالكة والطرقات المهترئة والتي تتحمل فيها السلطات التنفيذية، عبر أجهزتها المختلفة، وزر الرقابة وحتى التقصير الجهوي والمحلي في النهوض بحاجيات التنمية القاعدية، لكن ستظل المسؤولية الأكبر على عاتق الأفراد المستهترين بأنفسهم وبحياة الآخرين دون أدنى شعور بالعواقب الوخيمة.

لا يمكن إنكار ما تقوم به مصالح الحماية المدنية ومختلف الأجهزة الأمنية والمساجد والمجتمع المدني، مرفوقين بالإعلام الوطني، العمومي والخاص بكل ألوانه، من حملات تحسيس بشكل دائم للوقاية من كل تلك الحوادث الموسمية، غير أن الأرقام تبقى في تصاعد مخيف، يستدعي دق ناقوس الخطر وطرح الأسئلة الغائبة.

لماذا يصرّ نفر من الجزائريين على انتهاك قواعد السلامة المرورية بصورة جنونية، لا سيما في وضعيات مناخية حرجة؟ ويتهاون آخرون في صيانة المركبة، خاصة بالنسبة لأجزائها الخطيرة؟ مثلما تستغل شركات نقل جماعي سائقيها لمسافات طويلة جد مرهقة، عوض العمل بالتناوب على قيادة الحافلات؟ كما يتساهل ناقلو بضائع في زيادة الوزن المسموح به؟

لماذا يعيد مواطنون نفس الخطأ كل شتاء، بغلق شققهم ليلا دون ترك أي مسامات للهواء، ولا يبادرون لاقتناء كاشف تسرب الغاز وهو بثمن زهيد؟ مثلما نستغرب اختيار شباب، وربما عائلات، السباحة في شواطئ غير محروسة ومعزولة، وكذلك في وقت هيجان البحر؟ والتساؤل نفسه يطال أولئك الذين يغامرون بجنون في الأفراح دون أخذ العبرة من أقراح تسبب فيها الفرح المتهور؟

إنّ ما أوردناه مجرد عينات لوقائع كثيرة الحدوث في بلادنا، وإنْ بمعدلات فوق المتعارف عليه لدى غيرنا، لكنها ليست على سبيل الحصر، سيجتهد الكثيرون في توفير مسببات ومبررات لها، تتعلق بالحاجة أحيانا وإهمال المسؤولين في أحايين أخرى، بينما المشكلة الأبرز في تقديرنا الخاص على الأقل هي افتقاد “ثقافة الحياة” لدى البعض، بشكل يجعلهم متهورين في كل شيء ومستخفين بالمصير، حتى يخيل إليك أنهم غير مبالين بأرواحهم وذويهم والآخرين.

ثقافة الحياة هي التي تدفعنا إلى الحرص على سلامة العقل والنفس والبدن، لأنها أمانة نحاسب عليها عند الله، وكلها محلّ واجبات دنيوية وأخروية، تتصل بتحقيق الذات والعبودية وإعمار الكون، ضمن رسالة الاستخلاف الرباني فوق الأرض.

إذا كان من الأدوار الرئيسة المطلوبة هو استكمال العمل التوعوي لتطويق تلك الحوادث المأساوية، فإنّ على المختصين في مخابر علم النفس الاجتماعي دراسة دوافع السلوكات غير السوية لدى قسم من المجتمع وعدم تقبله للتوجيه التربوي، لأنّ الوضع الحالي يتجاوز ما يمكنه اعتبارها حالات إحباط نفسي لدى أفراد معينين، يمكن فهم خلفيات تصرفاتهم الاستثنائية، إلى ظاهرة عامّة تشمل الأشخاص الأصحاء معنويّا وعاطفيّا.

سنظل بحاجة إلى فهم عميق ودقيق لسلوك جزء من الجزائريين يتصفون بالتهوّر وإهمال شروط السلامة وعدم الانضباط أمام القوانين وتجاوز كل ما يرمز للسلطة العامّة، مع أنها تصب كلها في مصلحته الخاصة قبل مصالح المجتمع، بعدها يمكن رسم الحلول المرتكزة على التربية واكتساب الحسّ الحياتي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!