-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لمَ كل هذا الجدل الفقهي حول شيرين أبو عاقلة؟!

محمد بوالروايح
  • 13187
  • 1
لمَ كل هذا الجدل الفقهي حول شيرين أبو عاقلة؟!

في خضم حادثة مقتل الصحفية “شيرين أبو عاقلة”، أعاد بعض المسلمين من هواة الجدل الفقهي تكرار بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالمخالفين ومنها حكم الاستغفار  لهم والترحم عليهم. لقد وجد هؤلاء في الحادثة فرصة لتذكير الأمة -كما زعموا- بفتاوى الإمام أحمد والإمام ابن تيمية في تحريم الاستغفار والترحم على غير المسلمين. إن الخَطب جلل، ليس لإثارة الجدل وللحفر في الذاكرة الفقهية، بل لتوثيق أواصر الرابطة الوطنية الفلسطينية ضد عدو صهيوني لا يفرِّق بين حامل راية التوحيد وحامل راية الصليب.

لا يهمنا من شيرين أبو عاقلة أنها مسيحية، فهذه قناعة دينية نتعامل معها وفق الآية القرآنية: “قل كلٌّ يعمل على شاكلته فربُّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا”. ولا يهمنا من شيرين أبو عاقلة أنها من أتباع عقيدة الفادي بل ما يهمنا منها أولا وأخيرا هي أنها مناضلة فلسطينية ورائدة من رواد الكلمة، خاطرت بحياتها وهي تنقل صور الجرم الصهيوني في فلسطين.

اغتيلت الصحفية شيرين أبو عاقلة برصاصة غادرة أصابتها في رأسها ففاضت روحها وارتقت إلى الملكوت الأعلى ونعاها سكان القارات الخمس ممن يقدِّرون الكلمة حق قدرها. ماتت شيرين أبو عاقلة فاستعادت بموتها حياتها فليت من آذوها باللافتات الساخرة وقد رحلت إلى الدار الآخرة، يقدِّمون للقدس وللمسجد الأقصى معشار ما قدَّمته.

اغتيلت الصحفية شيرين أبو عاقلة وفي نفسها غصة وفي صدرها لوعة وفي داخلها حلم جميل لم يكتمل وهو أن ترى القدس آمنة مطمئنة وقد انفض جنود الاحتلال من حولها واستعاد أقصاها سيرته الأولى. اغتيلت وهي تحمل على صدرها الشارة الصحفية لأن جنود الاحتلال تلقوا أوامر باستهداف كل من يتحرك على الأرض. اغتيلت لتنضم إلى كوكبة الصحفيين، شهداء الكلمة الذين قضوا على يد جنود الاحتلال والمبرر الجاهز دائما الخطأ في تمييز الهدف!.

إن كثيرا من الفتاوى التي عجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي التي تحرِّم الترحُّم على شيرين أبو عاقلة قد أسهمت بطريقة أو بأخرى في تمييع الحادثة وصرف نظر الجماهير الفلسطينية والعربية والعالمية الغاضبة عن الانشغال بحيثيات هذه الجريمة والاشتغال بدلها بالثرثرة الكلامية والفقهية التي قدَّمت خدمة كبيرة للكيان الصهيوني.

لا أدري من أوحى إلى هواة الفتوى أن يصنّفوا الموتى الفلسطينيين تصنيفا طائفيا؛ فهذا مسلمٌ يترحمون عليه وذاك مسيحي يدعون الله أن يعامله بعدله؟ إن الغاية من هذا التصنيف هي صرف الأنظار عن الجريمة وتحويل الجنازة إلى فرصة للنفخ في خلافات الماضي.

ليت الأقلام الجريئة التي خاضت في الجدل حول حكم الترحم على روح شيرين أبو عاقلة كانت لها شية من هذه جرأة هذه الصحفية في فضح الأعمال الإجرامية التي ترتكبها العصابات الصهيونية في حق أبناء فلسطين بدعوى استعادة المجد اليهودي. إننا ننظر إلى أبو عاقلة من زاوية العمل النضالي وليس من زاوية الانتماء العقدي، ففلسطين تسع الجميع مسلمين ومسيحيين، وننظر إليها على أنها صوت إعلامي متميز في عالم الرداءة الإعلامية التي ضربت أطنابها في العالم العربي، وننظر إليها على أنها إنسانة نحتفظ لها بحق الإنسانية بغضّ النظر عن كونها مسيحية. إننا حيال حالة اعتداء على صحفية وإزهاق روح إنسانية فما حاجتنا إلى ما نشرته منصات دور الإفتاء مما لا يستحق أدنى الاهتمام لأنه كلام عامّ من جهة وكلام في الزمن الخطأ من جهة أخرى، ومن شاكلة ذلك ما قاله أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء: “إنه لا مانع شرعا من الترحُّم على غير المسلم الذي عُرف عنه الطيبة والأخلاق الكريمة، فإذا أراد المسلم أن يدعو له بالرحمة بالمعنى العامّ، فهذا جائز”.

إن كثيرا من الفتاوى التي عجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي التي تحرِّم الترحُّم على شيرين أبو عاقلة قد أسهمت بطريقة أو بأخرى في تمييع الحادثة وصرف نظر الجماهير الفلسطينية والعربية والعالمية الغاضبة عن الانشغال بحيثيات هذه الجريمة والاشتغال بدلها بالثرثرة الكلامية والفقهية التي قدَّمت خدمة كبيرة للكيان الصهيوني المعادي، وسيستثمر فيها أفيخاي أذرعي الذي يبدو أنه يحضِّر لكذبة كبيرة تبرئ الطرف الصهيوني وتضع الطرف الفلسطيني في قفص الاتهام، وهذا غير مستبعد من أفيخاي الذي يؤدي -إلى جانب دوره ناطقا باسم الجيش الصهيوني- دور الشيخ المفتي والداعية الواعظ؛ فقد سمعته يتحدث في إحدى مداخلاته لـ”ترشيد الوعي الفلسطيني” كما يدعي، عن فضائل يوم الجمعة ويحشد لها عددا من الأحاديث والآيات القرآنية!.

يعيش المسلمون والمسيحيون في القدس أسرة وطنية واحدة متحدة ضد كيان ظالم وغاشم لا يفرق في همجيته بين المعتصمين في باحات المسجد الأقصى أو المنعزلين في كنيسة يوم القيامة، ولهذا ينبغي على كل الفلسطينيين وكل العرب والمسلمين أن يفوِّتوا على الكيان الصهيوني فرصة الاستثمار في الثرثرة الفقهية حول جواز أو تحريم الترحُّم على روح أبو عاقلة لأننا ببساطة منشغلون بالجريمة وكشف الجناة وتعرية الطغاة ولسنا بحاجة للخوض في حكم الترحُّم على الضحية في هذا الظرف بالذات.

مما لا نختلف فيه مسلمين ومسيحيين هو أننا جميعا مستهدَفون من الكيان الصهيوني الذي يقتدي بأسلافه في الإساءة إلى المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء. إن الاختلاف العقدي بيننا يجب ألا يكون عائقا للتعاون المشترك من أجل التصدي للعدو المشترك وهو الاحتلال الصهيوني.

لقد أثلج صدري منظرُ التلاحم بين المشيِّعين لجثمان الصحفية شيرين أبو عاقلة من مسلمين ومسيحيين وكيف كانت صيحات التكبير تدوّي في المكان وتبث الرعب في قلوب جنود الاحتلال الذي لم يكفهم قتل شيرين والاعتداء على حقها في الحياة، بل تجرأوا على الاعتداء على الأموات وقد رأينا كيف هجموا على المشيعين حتى ترنَّح التابوت وكاد يسقط أرضا. يفعل الكيان الإسرائيلي كل هذا الجرم في حق الأحياء والأموات ثم نسمع أو نقرأ لبعض العرب المستلبين فكريا وحضاريا من يقول “إن التجربة الديمقراطية الإسرائيلية تجربة رائدة في منطقة الشرق الأوسط”!

لم يعهد عن شيرين أبو عاقلة أنها تحيَّزت للمسيحيين على حساب المسلمين في تغطيتها للاعتصامات والاحتجاجات في نابلس وجنين ومناطق كثيرة من فلسطين، بل كانت تبث الصورة وتنقل الحقيقة وتنصف هؤلاء وهؤلاء لأنها ببساطة ابنة فلسطين وما أدراك ما فلسطين.

إن أبو عاقلة والمطران عطا الله حنا وغيرهما كثير نماذج مسيحية راقية في تعاطفها مع المسلمين، فلن ننسى لشيرين نضالها الإعلامي لإسماع صوت المسلمين المعتصمين بالمسجد الأقصى، ولن ننسى لعطا حنا مشاركته للمسلمين في وقفاتهم ومسيراتهم للتنديد بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، ولن ننسى له أيضا  قوله: “إن الفلسطينيين جميعا مسيحيين ومسلمين يجب أن يكونوا دوما في خندق واحد وعائلة واحدة في الدفاع عن قدسهم وفي الدفاع عن وطنهم وقضيَّتهم الفلسطينية العادلة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Dada Youssef

    مع فلسطين ظالمة أو مظلومة مع فلسطين مسلمين ومسيحين.وتسقط إسرئيل الفاشلة الكاذب.وشرين رمز الحق و الحرية رحمها الله