-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لهذا تهبّ نسمات الجنّة في رمضان

سلطان بركاني
  • 611
  • 0
لهذا تهبّ نسمات الجنّة في رمضان

من بشائر رمضان أنّ أبواب الجنّة تفتّح في أوّل ليلة من لياليه، بل في أوّل ساعة من ساعاته، لنتذكّر أنّ مساكننا وبيوتنا الباقية التي ينبغي أن نسعى حثيثا لسكناها، ليست هنا في هذه الدّنيا الفانية، إنّما هي هناك في الجنّة العالية.. نحن في هذه الدّنيا ضيوف وعابرو سبيل، نمرّ سريعا، وتتوالى سنوات أعمارنا سريعا حتى يحين موعد الرّحيل، لننتقل إلى بيوتنا الباقية، بيوت لبناتها من ذهب وفضّة وملاطها المسك، نسكنها ونجد فيها من كلّ ما تشتهيه أنفسنا وتلذّ أعيننا ومن كلّ ما يخطر ببالنا، بل ونجد فيها ما لم يخطر لنا على بال من النّعيم المقيم الذي لا ينقطع.

الأهمّ من لذائذ الطيبات التي نجدها في الجنّة ممّا لم يكن يخطر على بال؛ أنّ الله يجمعنا فيها بأهلينا وأبنائنا ووالدينا الذين عملوا الصالحات: ((وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)).. بل والأكثر من هذا إسعادا للقلب أنّنا سنلتقي في الجنّة حبيبنا وشفيعنا الذي آمنّا به وأحببناه ونحن الذين لم نره.. ليس هذا فحسب، فهناك نعيم آخر لولا أنّ الله كتب على أهل الجنّة الخلود لماتوا من لذّته، يوم ننظر -برحمة الله- إلى وجه ربّنا الكريم الذي آمنّا به وأطعناه، وصلّينا له، وأحببنا بيوته، واشتقنا لرؤية وجهه الكريم: ((وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)).. والمزيد في هذه الآية هو النّظر إلى وجه الله الكريم: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)).

هذا ما ينبغي لكلّ عبد مؤمن أن يتذكّره ويذكّر به نفسه وهو يدرك شهر رمضان ويعيش أيامه ولياليه.. قبل أن يسأل نفسه: ماذا قدّمت من أعمال صالحة لأسكن الجنّة التي تفتح أبوابها في رمضان؟ ما هو المهر الذي جمعتُه لأخطب الجنّة؟ هل يليق بي أن تُفتّح أبواب الجنّة من فوقي وينادي المنادي: “يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشرّ أقصر”، وأنا مقبل على اللغو والغفلة وإضاعة ساعات رمضان، مدبر عن القيام والتراويح؟ هل يليق أن تهبّ نسمات الجنّة وأنا لا همّ لي إلا مائدة الفطور كم لونا من ألوان الطّعام تحمل؟ ولا همّ لي إلا المقهى التي أسهر فيها وألتقي الأصدقاء والخلاّن؟ هل يليق بي وأنا الذي متّعني ربّي بالصحّة والعافية أن أشكو من طول القيام في صلاة التراويح التي لا تتجاوز مدّتها ساعة من الزّمن؟

الجنّة تتزيّن في رمضان، وتدعونا لبذل مهرها، ولا مهر للجنّة إلا التقوى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾.. ورمضان ما فرض صيامه وسنّ قيامه إلا لجمع هذا المهر الذي به يكون دخول الجنّة: التقوى، يقول الله جلّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.. لعلّكم تتّقون: أي لعلّكم تخافون الله وتستعدّون للقائه.. رمضان هو شهر التقوى، يعلّمنا كيف نتّقي الله ونستشعر رقابته واطّلاعه ونظره إلينا وعلمه بأحوالنا وقلوبنا؛ لكن، كيف يعلّمنا ذلك؟ الواحد منّا مهما استبدّ به الجوع والعطش، فإنّه لا يجرؤ على بلع لقمة واحدة ولا قطرة ماء واحدة، ولو كان في خلوة مع نفسه لا يراه إلا الله؛ لماذا؟ لأنّه موقن بأنّ الله يراه.. رمضان يعلّما أنّ الله الذي يرى قطرة الماء التي تنحدر من الفم إلى البلعوم هو الله الذي يرى الواحد منّا وهو ينظر إلى الحرام في الشّارع أو على شاشة الهاتف أو التلفاز، ويسمع الواحدَ منّا وهو يغتاب أخاه المسلم ويأكل من لحمه حيا، وهو الذي يرى عبده نائما عن صلاة الفجر، ويراه يتهاون في عمله ويغشّ في بيعه، ويراه وهو ينهر والديه ويؤذيهما بكلماته ونظراته…

إذا كان العبد المؤمن يمتنع عن الطّعام والشّراب وشهوة الحلال في نهار رمضان طاعة لله الذي يراه، أليس من الأولى أن يترك الحرام في نهار رمضان وليله وفي كلّ يوم وكلّ شهر طاعة لله وخوفا منه جلّ في علاه؟ نبيّ الله يوسف -عليه السّلام- حينما تعرّض للفتنة وعرض عليه الحرام وهيئت أسبابه، وغلّقت الأبواب وأرخيت السّتور، ماذا قال؟ ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُون﴾.. وهكذا العبد المؤمن الذي يتقي الله ويخافه، هكذا ديدنه مع كلّ شهوة وكلّ معصية، يتذكّر نظر الله إليه، ويقول بحاله ومقاله: إنّ الله يراني.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!