الرأي

ليس كل الحنظل شرا

صالح عوض
  • 719
  • 4

العدوان الغربي وبطبعته الأخيرة على بلداننا في مرحلة ما يسمى بالربيع العربي كشف إلى أي حد تمتلك أمتنا مقومات الصمود والثبات والاستعصاء على الذوبان والانتهاء.. فبرغم الأموال الطائلة والتكنولوجيا الحربية ونشطات اجهزة الأمن الفتاكة لم تتبخر سورية ولم يسحب النيل السودان إلى البحر ولم تتشظّ سورية، بل خرجنا من كل تلك المعارك نضع حدا لانهيارات كادت تودي بالأمة كلها.
فلئن أرادوا كسر العراق سيف العرب وعقلهم، وبعثرة الشام سُرَّة بلاد العرب وبركتهم، وتقسيم السودان سلتهم الغذائية وموقعهم الجيو استراتيجي الحساس.. فإن للأمة سيوفاً ماضية ومواقعَ باركها الدم الطاهر الشريف وأراض يمكنها ان تكون اضافة نهضة.. وفي كل ذلك يتحرك الجسم العربي بديناميكية فذة؛ فلئن حاصروه في مكان ينبعث في مكان آخر ويعود اليهم فتيا نشطا في مكان ظنوه هو المحرقة..
الكلام هنا ليس أمنيات ولا توقعات أو استشرافاً انما هو في عين الواقع وملء السمع والبصر فها هي امريكا تناشد الحكومة السودانية ان تستلم ملف الجنوب المنفصل الذي أرهقته تجربته طغيانا وقتلا وتشتتا.. وها هم الجنوبيون الذين خُدعوا بمقولات الانفصاليين وبدعم الكيان الصهيوني يجدون انفسهم قد أوغلت بهم سبل التيه والضياع.. واكتشفوا ان العَلم والنشيد الوطني ووزارات الحكم لا تصنع وطنا ولا تشكل حماية فهُرِعوا من فورهم بملايينهم نحو الشمال ينعمون بأمنه وبركته وسعة صدره، تاركين للحروب أهلها وفتنها التي اصبحت تهدد المصير الآدمي في الجنوب المنكوب.
وفي العراق، ظن الساسة الجدد أنهم يستطيعون ان يتجاوزوا مكونات الشعب وثقافته وانتماءَه العربي الإسلامي الحضاري فساروا في ركاب التطهير الطائفي وأزاحوا من المواقع الحساسة على حسب التبعية المذهبية كل من وجدوا انه ذو قدرة وخبرة.. وانشأوا بما فعلوه المناخ والحاضنة لاندلاق السم الزعاف في تكتلات التكفير والقتل الجنوني الذي وجد دعما كبيرا له من قبل الأمريكان والغربيين.. فشلُ الساسة الجدد بعد ان أعمت اعينهم كنوز الذهب التي خبأوه في حساباتهم متوزعين ثروة بلد هو الأغنى في بلاد العرب والمسلمين.. فشلوا وسقطوا وهاه و شعب العراق ينتفض في كل مكان من البصرة إلى اربيل ضد عملاء الأمريكان الذين وطّأوا للعدوان الغربي.
وفي سورية ها هو مصير المرتزقة والمجانين القتلة بعد هزيمتهم وسقوط معاقلهم يفروا إما إلى احضان العصابات الصهيونية، جارِّين على أهلهم وذويهم عارا وشنارا وملحقين الأذى ببلد التجانس والكرامة.. او إلى محتشد ادلب، حيث سيكونون مادة مساومة إقليمية ودولية كأي سلعة او حظيرة حيوانات.
سقط المشروع الاستعماري الأمريكي في إحدى اخطر جولاته.. وها هو العراق في طريق التعافي، وها هو السودان يلملم همته ويتجاوز محنته ويسوده الأمن والاستقرار، وها هي سورية تستجمع اطرافها وتطهِّر الأرض المباركة من الغلو والجريمة.
الدرس الكبير مما حصل أن لا مستقبل للانفصاليين في بلداننا، وان الأمريكان والغربيين لن يعيدوا الكرَّة بالطريقة نفسها، وكما تجرع الانفصاليون الأكراد والجنوبيون غصص الفشل وخيبة الآمال، تجرع الطائفيون غصص العار..
تكون الأمة تزودت بمناعة ذاتية رغم مرارة الحنظل.. تولانا الله برحمته.

مقالات ذات صلة