الرأي

مأساة “الحرّاقة”.. فشلٌ للحكومة والمجتمع معاً

حسين لقرع
  • 620
  • 4

تعدُّ الإحصائيات التي نشرتها منظمةُ هجرةٍ جزائرية بالخارج عن بلوغ عددِ “الحرّاقة” الجزائريين الذين وصلوا إلى سواحل أوروبا في سنة 2018 وحدها نحو 29 ألف مهاجر غير شرعي، من دون احتساب عدد الغارقين الذين تحوّلوا إلى طعام للحوت، إدانة واضحة للجميع: الحكومة والمجتمع المدني والأحزاب ووسائل الإعلام ومحللي الفضائيات والأئمّة وغيرهم…
آفة الهجرة غير الشرعية “الحرقة” تتفاقم من سنة إلى أخرى، وفئة الشباب التي طالما تغنينا بأنها تشكل ثروة للبلد تتعرّض اليوم لنزَفٍ حاد، ومع ذلك لم تجد الحكومة العلاج المناسب غير تشديد الإجراءات الأمنية ومعاقبة “الحرّاقة” المقبوض عليهم بالسجن والغرامات!
وفضلا عن الفشل الحكومي الواضح في استغلال ثروات البلاد لإقامة اقتصادٍ مُنتج وتنافسي يخلق الثروة ومناصب العمل معا ويحسّن مستوى الأجور ويطوّر البلاد، فقد أخفقت شتى فعاليات المجتمع بدورها في معالجة الآفة برغم كل الحملات التحسيسية التي تقوم بها منذ سنوات؛ فلا الجمعيات تمكنت من إقناع الشباب بخطورة رمي نفسه في البحر، ولا الأئمة الذين طُلِب منهم المساهمة في معالجة الآفة أقنعوه بـ”عدم إلقاء نفسه إلى التهلكة”، ولا الصور المأساوية التي تُظهرها الفضائيات الجزائرية لجثث “حرّاقة” مرمية على الشواطئ كبحتْ هذه الآفة، بل إن هناك مفارقة غريبة تحدث وتستعصي على كل تفسير؛ إذ كلما عرضت الفضائيات صور جثث “الحرّاقة” تزايد عددُ المقبلين على امتطاء قوارب الموت إلى أوربا؟!
غير أنّ الموضوعية والإنصاف يقتضيان تحميل “الحرّاقة” أيضاً جزءا من المسؤولية عن هذه المأساة؛ فخلافا للاعتقاد الشائع بأن البطالين فقط هم من يحاول “الحرقة” إلى أوربا، أثبتت الوقائع أن هناك عمَّالا وموظفين أيضاً في صفوفهم، وهذا يعني أنّ البحث عن أجور عالية لتحقيق حياة أفضل، هو أحد أهداف “الحرّاقة”، وهناك دليلٌ آخر على ذلك وهو أن الكثير من شبَّاننا يرفضون العمل في قطاعَيْ الفلاحة والبناء في الجزائر مقابل ألفيْ دينار يوميا أو أكثر ويتركونهما لـ”الحراقة” الأفارقة، ولكنهم لا يتردَّدون في الاشتغال في هذين القطاعين في أوربا بحثا عن أجور أعلى بكثير.
وحينما يتمكن “الحرَّاقة” من جمع مبالغ تفوق الـ80 مليون سنتيم التي يطلبها البارونات لتهريبهم إلى أوربا، فإنّ ذلك يدحض تذرّع هؤلاء الشبان بالفقر والبطالة للهجرة غير الشرعية إلى أوربا، فإذا كانوا بطالين وفقراء، فكيف استطاعوا جمعَ هذه المبالغ الكبيرة؟ ولماذا آثروا المغامرة بهذه المبالغ المعتبَرة في رحلات غير مضمونة على قوارب الموت بدل أن يقيموا بها مشاريعَ تجارية صغيرة كأنْ يشتروا بها مثلا شاحنات صغيرة “دي أف أم” للنقل العمومي أو لبيع الخضر والفواكه كما يفعل عشرات الآلاف من الشباب الآن في شتى أسواق الوطن؟
الموضوعية إذن تتطلّب الحديث عن مسؤولية جميع الأطراف التي لها علاقة بهذه المأساة وليس الحكومة وحدها، فالمواطن الذي يرفض العمل في الحقول أو ورشات البناء ببلده ويغامر بحياة زوجته وابنه الرضيع في قوارب الموت ليستعطف بهما الأوربيين، هو الذي يتحمّل وحده مسؤولية هذه المغامرة الخطيرة وليس أيّ طرف آخر.

مقالات ذات صلة