-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مأساة ريّان ونفاق الإعلام “العبري”!

مأساة ريّان ونفاق الإعلام “العبري”!

رحم اللهُ الطفل ريّان أورام، وعوّض والديه خيرا في مصابهما الجلل، فقد وحّد قلوب مسلمين وعربٍ فرّقتهم الجغرافيا السياسية وأنظمة التطبيع والعمالة، فكانت الرمزيّة الإنسانية هي العنوان الجامع للمشاعر والتعاطف العفوي مع مأساة براءة وعائلته المكلومة.

غير أنّ التحلّي بالروح الإنسانيّة وإبداء التضامن التلقائي في مثل هذه المواقف الحساسة لا يمنع من تعرية النفاق الإعلامي والاستغلال السياسي المكشوف لواقعة تحدث في كل مكان وتتكرّر عبر الزمان، وبأشكال أكثر اتساعًا ومأساوية، لكن من دون أن ترصدها عدسات وكاميرات الإنسانيّة الانتقائية الموجَّهة.

لا نريد في هذا المقام استقصاء قراءاتٍ متواترة بخصوص التوظيف الداخلي للفاجعة، مراعاة لهول المُصيبة، ولكونه أمرا متوقعًا بمعايير السياسة المتجردة من الأخلاق أو حتّى لأسباب أخرى، لكن ما يهمنا، بصفتنا زملاء مهنة، هو ذلك التعامل المفرط والتركيز من منابر عربيّة، ولأغراض محسوبة بدقّة، على حادث طبيعي، كان يمكن أن يكون مثيرًا  للعواطف نعم بالنظر إلى سنّ الضحيّة، لكن من غير المستساغ أن يتحول فجأة، وبقدرة الإعلام “العبري”، إلى “حدث كوني” يغطّي على كل محن المنطقة.

لا يعني هذا أبدا أن الفاجعة لا تستحق الاهتمام والتفاعل وقد تصدّرت مواقع التواصل الاجتماعي في عصر الإعلام الافتراضي و”صحافة المواطن”، بل المستغرب هو تعمّد الاستغراق في البث المباشر، طيلة خمسة أيام، لمتابعة عملية الإنقاذ من عين المكان، من قنوات إخباريّة معروفة بتحيّزها ضد ضحايا الحروب والدمار الممنهج في الأقطار العربيّة، فهل حرّك فيها الصبيُّ ريّان الحسَّ الإنساني فجأة؟ أم أنّ مآرب أخرى كانت وراء صنيعها غير البريء؟

ولاستيضاح الجواب الواقعي عن خلفيات سلوكها المبالغ فيه، نتساءل مرة أخرى: هل تتعامل تلك الفضائيات بنفس الإنسانيّة والمهنيّة مع أطفال فلسطين الذين يقضون دوريّا تحت بشاعة الوحشية الصهيونية ومن آثار الحصار الغاشم على غزّة؟ أم أنها تطلق عليهم وصف “القتلى” وتُحمِّل المقاومة الباسلة مسؤولية وفياتهم؟ وهل يؤلمها أطفالُ اليمن المخرَّب والمقسَّم بمخططٍ علنيٍّ، الذين يموتون هذه الأيام من الجوع والأسقام، وإلى أيّ مدى توجّعت من حال قُصّر سوريا المشرَّدين تحت جحيم الصقيع والثلوج وقبلهم مليون طفل عراقي قتلتهم الحربُ الأمريكيّة منذ 2003؟

ويمكن الاستشهادُ بضحايا آخرين بمئات الآلاف في البلاد الإسلاميّة والعربيّة، من ليبيا إلى السودان والصومال والصحراء الغربيّة وأفغانستان ومسلمي الروهينغا وسواهم، فهل شاهدتهم يومًا نقلا حيّا دون انقطاع لمآسي هؤلاء من إعلام التطبيع؟ ولو بتخصيص يوم واحد مفتوح لتسليط الضوء على أوضاع إنسانيّة فضيعة؟

نعرف جيدا لماذا تسكت قنواتُ التضليل عن معاناة الأطفال العرب في أقطارنا الجريحة؛ فهي مجرّد أبواق دعاية لسياسات الخراب المنتهَجة من أنظمتها الوظيفيّة، ولا يُتصوَّر إطلاقا أن تتحوّل إلى سلاح ضدّ مؤجريها، بل “الطبيعي” هو أن تكون بعيدة عن الحِرفيّة الإعلاميّة والدفاع عن الإنسان لاعتباره الذاتي الآدمي، بغضِّ النظر عن جنسيته ودينه وانتمائه، لذلك لا تصلح مرجعًا لإعطاء الدروس المهنيّة أو إدِّعاء القيم الإنسانيّة، لأنّ الأخيرة لا تقبل التجزئة ولا الكيل بمكياليْن.

لذا لا نستغرب مبادرة رئيس الوزراء الصهيوني، نفتالي بينيت، بتعزية محمد السادس، آملا “أن تكون فاجعة ريّان آخر مآسي المغرب”، على حد قوله، يا سبحان الله! حتّى قتلة الأطفال دخلوا على خط الإنسانيّة في لحظة صحوة ضمير مبرمجة للتغطية على جرائمهم الشنيعة!

لقد أثبتت مجدّدا فاجعة ريّان، ألْهم الرحمانُ ذويه صبرا جميلاً، قدرةَ الإعلام على برمجة العقول والقلوب وصرف الرأي العام نحو أحداث منتقاة بعناية، مقابل تولّيه مهمة التعتيم على قضايا جوهريّة بالمقاييس الإنسانيّة أساسًا ثم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عندما تجري أخبارها بما لا يخدم مصالحها الماديّة الضيقة، ولا نستبعد أن يكون تجاهل معركة الشرف الجزائري والإفريقي ضد الكيان الصهيوني في قمّة أديس بابا أحد تجليّات الإدارة الإعلاميّة المشبوهة للحادثة المغربيّة.

ها قد بلغ مسلسلُ المأساة نهايته وفق مشيئة الله وقدَره، وعلى “قنوات الرحمة” الآن مواصلة رسالتها النبيلة في رصد أوضاع المعذّبين فوق أرض العرب بمكر الأشقاء، من الذين لا بواكي عليهم إلا شعوب مغلوبة على أمرها، أم أنها ستبقى مصابة بعمى البصيرة وموت الضمير؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • عبد الرحمن

    يكفينا فخرا أننا حولنا جبلا من أجل ولدنا

  • عمر

    يجب ان لا نقدف انفسنا بانفسنا فاينما تكون بارقة خير اي كان مصدرها فعززها و ابني عليها فالاعلام سلاح دو حدين و لا يمكن ان نضع كل الصحفيين في بوثقة واحدة فالكل يجب عليه ان يعمل من موقعه و الاسلام عليكم

  • Jamal

    لا حول ولا قوة الا بالله، ما كل هذا الحقد

  • حماده

    كلام في الصميم. أنا أيضا استغربت هذه الهالة الاعلامية الموجهة للدهماء !